إيلاف الصبّاغ: العلاج بالمكياج طريقتي لمساعدة من حولي على التخلص من المشاكل النفسية
بعد أن مرّت بتجربة الاكتئاب والقلق المزمن، واختبرت الكثير من الأوقات الصعبة التي أفقدتها الشغف بكل ما حولها وحتى عملها، اختارت اختصاصية المكياج الشابة السعودية إيلاف الصبّاغ أن تخرج من التجربة أكثر قوة ورغبة بمساعدة غيرها، فاستفادت من عملها في تطبيق المكياج لتساعد من تقصدها في تفريغ مشاعرها السلبية والتطرق إلى ما يؤرق حياتها النفسية. قصّة إيلاف تلهم معاني الإرادة والنجاح ومعرفة الذات وتخليصها مما يعيق تقدمها.
كيف بدأ حبكِ لعالم الجمال والمكياج ولماذا اخترتِ أن يكون الوجه مجالاً لإبداعك؟
في خلال نشأتي كنت أنبهر لدى رؤية أمي تضع المكياج ولاسيما الآيلاينر والماسكارا، فأرى التغيير الكبير الذي يطرأ على ملامحها حين تطبّق هذه المستحضرات على بشرتها، وخلال الصيف كنت أتابع دروساً خاصة بالرسم فقد كنت عاشقة للفن والألوان، حين كبرت وصرت مراهقة صرت ألاحظ أن المكياج الذي تضعه خبيرات التجميل لوالدتي قوي جداً ولا يناسب ملامحها الناعمة والطبيعية، فكانت تأتي وتسألنا عن رأينا في المكياج الذي تضعه، منتظرة أن نمدحها، ولكنني وبكل صراحة كنت أقول لها إنّها أجمل بدون هذه الكمية المبالغ بها. أحسست إثر ذلك، أنني أريد تغيير عادات وضع المكياج في المجتمع السعودي، لكي تحس كل امرأة أنها جميلة وتحتفي بجاذبيتها الخاصة من دون المبالغة في تغيير ملامح الوجه من خلال الرسومات والألوان القوية. كنت أجرّب على نفسي وأتعلّم، وفي ذلك الوقت لم يكن لدينا الكثير من المجلّات أو التلفزيونات أو حتى أختصاصيي المكياج المعروفين، فكنت أعتمد على حدسي وذوقي الخاص، وأحياناً كانت النتيجة صادمة لدرجة أنّ والدي كان يمنعني من الخروج بسبب لوحة الألوان الغريبة على وجهي! إلّا أنني استمريت بالتعلّم، وحين صرت في الجامعة، كنت أضع المكياج بشكل يومي وقد لاقى إعجاب كل صديقاتي، فصرت أعّلّمهم أسلوبي وأحببت كثيراً أن أنقل لهم معرفتي المتواضعة. ومع انتهاء دراستي الجامعية للإعلام، ظلّ حبي الكبير للمكياج يرافقني، فأخذت دورة جديدة لحين قررت أن ألحق شغفي ويكون هذا المجال هو مهنتي الدائمة، وحصل ذلك تحديداً في عام 2010. في ذلك الحين لم يكن من المعتاد رؤية اختصاصيات مكياج سعوديات، بل كان يوجد العديد من الأجنبيات واللبنانيات المعروفات في هذا المجال، وبالتالي لم يكن من السهل البروز وتحقيق النجاح، ولكن أسلوبي لاقى سريعاً الإعجاب وازداد الإقبال عليّ، لأنني اخترت أن أعزز الجمال الطبيعي لكل شابة، فلا أغيرها بل أجعلها تشعر بالمزيد من الثقة والراحة وهي تحتفي بتميّز ملامحها.
ما الذي يعنيه لكِ الجمال وبالتحديد العربي وهل ترين أنّ الشابة العربية تحسن العناية بجمالها أو تبالغ باستخدام المكياج؟
المرأة العربية من أجمل نساء العالم، فملامحها بارزة ومميزة، ومؤخراً صار لدى معظم الشابات الوعي والمعرفة لما يليق بهنّ، وهنّ يتعلمن التقنيات اللازمة عبر يوتيوب ومن مؤثرات وخبيرات الجمال لكي ينفذن مكياجهنّ بأنفسهنّ. في الماضي كان هناك سمعة بأنّ المكياج الخليجي ثقيل ومبالغ به، أما اليوم فالصبايا قادرات على اختيار وتنفيذ مكياج خفيف وناعم يليق بهنّ.
هل يلعب اهتمام المرأة بجمالها دوراً في تحسين حالتها النفسية والمزاجية؟
بالتأكيد يحسّن المكياج من النفسية ويغيّر حالتها، فأي اهتمام مهما كان بسيطاً كالحصول على تدليك أو عناية بالبشرة، سيحدث فرقاً لدى المرأة سواء في شكلها الخارجي أو في أفكارها ونفسيتها.
حدّثينا عن العلاج بالمكياج الذي توجّهت إليه مؤخراً وعن السبب الذي دفكّ للتعمّق به؟
بدأت بهذا الاتجاه من منطلق تجربة شخصية وهي مروري بالاكتئاب في خلال سنوات فائتة من حياتي، وتحديداً بعد أن أنجبت، كما عانيت من القلق المزمن، ولم يكن هناك توعية عن هذه الأمور، إنما في السنوات الأخيرة بتنا نفهم تأثير الاضطرابات النفسية على كل نواحي حياتنا. شُخّصت بنوع قوي من الاكتئاب دفعني إلى التوقّف عن ممارسة عملي لسنتين تقريباً لأنني فقدت الشغف بكل شيء، بدأ كما قلت بعد الإنجاب واستمر لأّني لم أعالجه. فكان لديّ إحساس بالعار والخجل لأنّني لم أفهم الأسباب وعشت في قوقعة مع نفسي إلى أن قررت أن أحصل على مساعدة وتحدثت عما يجري معي وحصلت على العلاج وبت أقرأ الكثير من الكتب التي فادتني، كما كنت أقرأ عن علم نفس الأطفال لكي أحسّن تربية ولديّ. تحسّنت بشكل كبير وأردت أن أساعد من يواجه ظروفاً مشابهة، لذا بدأت بمشاركة الناس تجربتي لكي أنشر الوعي بينهم، ووجدت تفاعلاً كبيراً مع ما أنشره، وهكذا صارت الشابات يقصدنني لعمل المكياج وللحصول على دعمي النفسي، وكنّ يستفدن كثيراً بعد الانتهاء من التحدّث معي، وأحسست أنّ دوري تضاعف وازدادت مسؤوليتي تجاه من يتابعني، لدرجة أن هناك شابة حجزت موعداً معي لمجرد أنّها أرادت التحدث، فكان أن حصلت على المكياج الذي أعجبها مع جلسة فضفضة وتخفيف لوطأة الضغوط التي تعيش في ظلّها. الكثير من الشابات بكين وكشفن أسراراً وشعرن بالراحة لأنهنّ تمتعن بالحرية التي احتجنها حيث لا يوجد أفكار مسبقة، بل مجرد امرأة تعرف ما يعشنه وهي راغبة بصدق في تقديم المساعدة.
هل يمكن أن تتوسّعي أكثر في مجال تقديم المساعدة النفسية مستقبلاً؟
بالتأكيد أرغب بذلك، فالشعور الذي ينتج عن تقديم المساعدة لا يوصف، لذا أسعى لتنظيم جلسات علاج جماعية، لتكون مفتوحة أمام الجميع لمشاركة مشاعرهم والتخلص من أي عوائق تقف أمام راحتهم النفسية.
هل تضيعين حقيقتكِ أو هويتكِ أحيانا وسط الحياة الصاخبة التي نعيشها ووسط كل ما تستمعين إليه من مشاكل ومعاناة نفسية وكيف تعودين إلى ذاتكِ وتجدين واحة الهدوء التي تحتاجينها؟
في خلال السنوات التي مضت، تعلّمت الكثير عن نفسي وصرت قادرة على التحكّم بمشاعري وبرمجتها. بتّ أعرف متى أحتاج لوقت مخصص لنفسي حين أشعر أنّ طاقتي استنفذت، حتى أنني حين أكون مع صديقاتي، أستأذن منهنّ للتحدث عن مشاعري، فحين تكون إحداهنّ قادرة، ستستمع لي، والعكس صحسيح، فحين أكون أنا حاضرة، سأصغي إليها، وهذا الأمر مفيد جداً لأنّكِ لن تتمكني من مساعدة غيركِ إذا كنت من داخلكِ فارغة ومستنفذة. عليكِ معرفة ما يريحكِ لكي تجدّدي طاقتكِ وتلجأي إليه، وبالنسبة إليّ، أحب الجلوس بهدوء مع نفسي لأستجمع طاقتي.
هل ساعدكِ اختياركِ لمهنتكِ في تحديد هويّتكِ الحقيقية ومعرفة نفسكِ أكثر؟
ساعدني بشكل كبير كما أنّ حبي لما أقوم به دفعني للتغلب على الصعوبات النفسية التي واجهتها، ولو تسنّى لي العودة إلى الوراء، فلن أغيّر أي شيء مررت به، لأنني اليوم فخورة بما حققته وبالثبات النفسي الذي وصلت إليه والذي يساعدني في تربية ولديّ، وتعليمهما كيف يعبّران عن مشاعرهما ويتحدّثان إليّ عن كل ما يزعجهما. لا أريد أبداً أن يختبرا ما عشته، فقد كنت أقصد المستشفى ظناً أن ما أمرّ به سببه عضوي، لأكتشف بعد وقت طويل أنّ كل ما أختبرته سببه ترسبات نفسية من الطفولة، وحين عرفت السبب، بدأت رحلة التشافي الخاصة بي. اليوم صرت أفهم نفسي وأعرف أولوياتي جيداً، فلا أخضع لأي ضغوط، بل أختار دائماً ما يريحني ويسعدني.
كيف يمكن للشابة أن تكتشف ما تحبّ القيام به لتعرف نفسها وقدراتها الحقيقية الكامنة؟
عليها أن تحدّد أولوياتها وتستمع لجسدها لتفهم إن كانت توجّه طاقتها في الاتجاه الصحيح، كما عليها أن تثقف نفسها حول المجالات التي تحبها وتزيد معرفتها حول الصحة النفسية.
من هي إيلاف اليوم وهل هي راضية عن ذاتها وما حققته؟ وما الذي تطمحين إليه مستقبلاً؟
أنا راضية عما وصلت إليه في مهنتي واليوم أركّز على نفسي أكثر وأطمح بأن يصير لديّ الاستديو الخاص بي والذي سيكون مختلفاً عما هو سائد، فأنا أريده مكاناً لمساعدة الناس والاستمرار بنشر الوعي حول الصحة النفسية.
اقرئي المزيد: سارة المهيري: التطورات على الساحة الفنية والثقافية الإماراتية جميلة وتبشّر بالأفضل