نوف اليوسف: الملاكمة غيرتني للأفضل وساعدتني في اكتشاف ميلي للمغامرة

تحرّكها روح حرة ومغامرة وتدفعها دائماً نحو تقديم المزيد وتجربة كل جديد أو صعب، إنّها الملاكمة والمدربة الرياضية السعودية نوف اليوسف التي بدأت قبل سنوات في هذا المجال واكتشفت من خلاله قوتها وقدراتها النفسية والرياضية، وهي مستمرة اليوم في خوضه وفي تشجيع شابات بلدها على تجربته والاستفادة من فوائده على مختلف الأصعدة. فتعرفي عليها بشكل أكبر من خلال هذا اللقاء.

كيف دخلتِ مجال الملاكمة ولماذا قررتِ التعمق والاستمرار فيه؟

بدايتي في مجال الملاكمة كانت سنة 2016 حين كنت في معسكر للياقة البدنية في بريطانيا، وكان كل يوم من أيامه مخصصاً لنشاط رياضي معين، ومنها الملاكمة. استمتعت كثيراً في الصف وأخبرني المدرب والمتواجدين معي أن يدي اليمنى قوية وهذا مؤشر جيد للملاكمين، ولكنني لم أفهم معنى ذلك في وقتها، إلا أنني أحببت هذا النشاط كثيراً وشعرت بأحاسيس رائعة خلال ممارسته. حين عدت إلى الرياض فكرت بأن أتدرب على الملاكمة، حينها سنة 2017 لم يكن هناك الكثير من المدربين، بل كان محبيها يمارسونها في بيوتهم، أو ضمن مجموعات صغيرة، ولكني توصلت إلى مدرب عبر فيسبوك، وقد كان متخوفاً من الفكرة، لأنّه لم يسبق له أن درّب شابة سعودية، وكانت الانطلاقة الحقيقة معه. ومنذ ذاك اليوم لم أتوقف، صرت أكثر جدية ومثابرة في التمارين، وسافرت لاحقاً إلى بريطانيا لأحصل على شهادة تدريب كمدربة لياقة وملاكمة.

في خلال كل ذلك الوقت، ألم تشعري أنّ مجهودكِ سيذهب سدى لأنّ مجال الملاكمة صعب وجديد وغير معروف لدى الشابات السعوديات؟

إطلاقاً، فقد كان في داخلي إحساس أنّ هذه الرياضة ستجد أصداء كبيرة في يوم من الأيام، وهذا ما نشهده حالياً، فمنذ سنة 2020 ولليوم تغيرت المفاهيم كثيراً وبت أجد الكثير من الأشخاص الذين يتكلمون بلغتي ولديهم اهتمامات قريبة من اهتماماتي. بات الحوار أسهل وأسلس ولا سيما بين الشبان والشابات الناشئين الذين يبدأون بممارسة الملاكمة منذ سن صغيرة. كما أنّ رؤية ولي العهد الله يحفظه جاءت مشجعة للشباب على ممارسة الرياضة واحترافها بغض النظر عن الجنس وهذا الدعم الكبير من سموه اعطى الارتياح لمن يمتلكون الرغبة والشغف بالدخول إلى المجالات الصعبة والتي كانت حكراً على الذكور فقط، لذا أنا أشجّع بنات جنسي على الاستفادة من هذه الفرصة وتوجيه اهتمامهم لما يحبون ممارسته في الرياضة.

أنتِ شابة جميلة تخوضين في مجال خشن ويتخلله إمكانية التعرض لإصابات خطيرة، ألم تشعري بالخوف على نفسكِ، أو تفكري في إمكانية أن تتأثر أنوثتكِ بشروط وظروف اللعب؟

يستفسر الكثير من الأشخاص من حولي عن هذه الأمور، ويطلبون مثلاً رؤية يدي ليروا إن كانت كبيرة أو فيها الكثير من الضربات والجروح والتقرحات، ويتفاجئون بمظهرها الطبيعي. يوجد فكرة مغلوطة عن هذه الرياضة، فهي تشبه أي لعبة أخرى مثل كرة القدم أو السلة أو غيرهما، كانت مخصصة بشكل أكبر للرجال، واليوم بعد ازدياد الوعي في مجتمعنا وانتشار أهمية مختلف أنواع الرياضات، بتنا نرى إقبالاً أكبر من الشابات عليها. الملاكمة فن جميل جداً: كيف أضرب ولا أتعرض للضرب، كيف أتفادى الضربات من خلال حركات رجليّ ويديّ، كيف أتحرك بدقة وتركيز، فهي تعزز التركيز الذهني للشخص عند تواجده على الحلبة وخارجها أيضاً. لا يوجد خشونة أو إمكانية التعرض لإصابات خطيرة و تختلف درجة الإصابات من الهواة إلى الاحتراف، ولكن هي آمنة جداً ويوجد معايير وقوانين دولية يلتزم بها اللاعبون في خلال النزالات مع وضع حماية للأسنان والوجه، مع قفازات تحمي اليد وأشكال ربطات محددة لضمان المزيد من الوقاية. بالنسبة لي أسعى لتوضيح هذه الأمور على الدوام ولا سيما حين تأتي الاستفسارات من شابات يرغبن بتجربة الملاكمة ولكنهنّ يخشين من صعوباتها.

كيف ترين ردود أفعال الشابات والمجتمع حول الملاكمة في وقتنا الحالي وبعد الانفتاح الكبير الذي تشهده المملكة على مختلف المجالات ومنها الرياضية؟

يزداد الإقبال حالياً بشكل كبير على مختلف الرياضات كما قلت، وربما من أكثر الاستفسارات التي تأتيني هي كيفية التدرج وبناء اللياقة اللازمة للخوض فيها، وهنا أقول للسيدات: لن تعرفي قدراتكِ قبل أن تبدئي، فجربي واستثمري من وقتكِ وطاقتكِ لتزيد قوتكِ، تعلّمي وركزي وحاولي.. ربما تعيشين بعدها أحاسيس رائعة لم تختبريها من قبل. لا تخافي أبداً بل ثقي بأنِكِ لن تدخلي إلى أي نزال قبل أن تكوني مستعدة تماماً لها. ستفهمين حينها أنّ الإصابات يمكن أن تحصل وهذا أمر طبيعي في مختلف الرياضات ولكن لن تكون الضربة قوية وستتعافين منها بشكل سريع.

هل تتطلب الملاكمة صفات جسدية محددة أم يمكن لاي شابة أن تمارسها؟

 كما قلت، يجب اكتساب المهارات وفهم القواعد والأصول قبل البدء، وبالتالي مع التدريب الصحيح يمكن لاي شابة أن تنجح فيها إذا التزمت بالتمارين ومع مدرب أو مدربة يرشدونها بالطريقة الصحيحة هنا أيضاً ألفت إلى الأهداف من اللعبة، يمكن مثلاً أن تكون للتسلية وللدفاع عن النفس والحركة وممارسة نشاط محبب ومفيد لتحسين الصحة النفسية والتخلص من الاكتئاب والتوتر وكل أشكاله وأعراضه، ويمكن لأخريات أن يرغبن بالاحتراف والمشاركة في بطولات محلية أو دولية، فتكون التدريبات أكثف، تتضمن المشاركة في معسكرات ودورات وغيرها. لاحظت بعد 2020 ازدياد نسبة الشابات اللواتي يأتين بسبب الرغبة في التخلص من التوتر النفسي أو الرهاب الاجتماعي الذي أصبن به بعد فترة الحجر خلال كورونا، وبالتالي انصبّ تركيزهنّ على الصحة النفسية لأنهنّ أدركن أهمية الرياضة وتعزيز اللياقة في التأثير على إنتاجيتهنّ في مختلف نواحي حياتهنّ.

ما هو الدافع الذي يحرككِ للاستمرار بهذه اللعبة، وكيف غيرتكِ الملاكمة؟

الملاكمة هي وسيلتي الأولى للتنفيس عن ضغوطات الحياة اليومية، عززت ثقتي بنفسي وبقدراتي بشكل كبير، وزادت قوتي الجسدية والذهنية، فهي جعلتني أعرف أنني قادرة على تقديم المزيد وأنّ قدراتي لا حدود لها. بالنسبة لي، فإنّ كيس الملاكمة رفيقي في رحلتي هذه، ومن مميزات رياضة الملاكمة هو أنّه يمكن التدرب عليها في أي مكان سواء في الحديقة أو في غرفة النوم أو في مكتبكِ، فهي مريحة ومتاحة فقط إن امتلكتِ الرغبة الحقيقية في التطور والتعلم.

إلى أي مدى سمحت لكِ الملاكمة بالاحتكاك مع المجتمع الرياضي في المملكة وكيف ترين التطورات الحاصلة فيه حالياً؟

وضعتني الملاكمة على تماس مباشر مع الكثير من الرياضيين من خلال الدورات والفعاليات التي أشارك بها، فدخلت إلى مجتمع الركض وخضت فيه أيضاً، بالإضافة إلى مجتمع البادل والتنس، وهذا الأمر بشكل عام يثري تجاربنا ويزيد ثقافتنا الرياضية ويعزز من إمكانية بناء صداقات قوية أساسها امتلاك الشغف بالحركة والنشاط.

محتواكِ عبر إنستغرام: noufalyousef@ مليء بالتحفيز والقوة والإلهام والطاقة الإيجابية، كيف تختارين الرسائل التي تريدين مشاركتها مع الجمهور من خلاله؟

بدأت صفحتي حين كنت في بريطانيا أثناء حصولي على شهادة Master Trainer، فأحببت مشاركة يومياتي في الصفوف والتمارين التي خضعت لها لكي أحصل على شهادتي، واستمريت في توثيق نشاطاتي مع التركيز على التوعية المجتمعية بشكل عام، وليس على النصائح الرياضية والصحية المنتشرة اليوم في كل مكان حيث أنه يوجد الكثير من المدربين الذين ركزوا على هذا الجانب بشكل جميل وأثروه. أما بالنسبة لي فالدعم النفسي أهم وهو ما احتجته في فترة من الفترات، حين كنت أعاني من ممارسة العادات الغذائية السيئة وانعدام النشاط الرياضي ولم أعرف من أين أبدأ. كنت مبتدئة ولم يكن لديّ الوعي الكافي لأن أعرف كيف سأبدأ رحلتي، لذا فإنّ رسالتي تتوجه للشابات، فأقول لهنّ بكل الطرق إنّ الرياضة ليست سهلة وإيجاد النشاط الذي يناسبكِ أيضاً سيكون صعباً، ولكن المهم أن تقرري البدء، وتحاولي في أكثر من مجال، فإذا لم تحبي الأجهزة، لا تبدئي بالانضمام إلى نادي صحي، بل جرّبي أي رياضة ممتعة مثل التنس أو البادل أو الملاكمة او غيرها من الرياضات التي تشد انتباهكِ وتستمتعين بممارستها، واتركي بكل ثقة أي نشاط لا يرضيكِ، حينها ستلاحظين أنّ جسمكِ بدأ يتغير ورحلتكِ نحو الحياة الصحية تنطلق بقوة وثبات ومع زيادة الوعي ومستوى اللياقة سيكون دخولكِ للصالة الرياضة أكثر متعة.

اقرئي المزيد: ريما الجفالي: السباقات هي شغفي الذي ضاعف شجاعتي وحسي المغامر