نتاليا: أن أكون مؤثرة "أجنبية" في العالم العربي جعلني أدرك مدى التقارب بين نساء العالم
الانفتاح والتعرض لعدة ثقافات خلال النشأة، يمكن أن يتسبب بتحديات جمة للشابة بسبب الهوة الثقافية التي يمكن أن تواجهها، ولكن يمكنه أيضاً أن يكون سبباً في امتاكها المزيد من الوعي الفكري، بحيث تصبح أكثر انفتاحا على الآخر وتقبلا له ومعرفة بذاتها. نكتشف اليوم قصص ثلاث شابات تربين في بيئات متعددة، وتمكنّ من إيجاد هويتهنّ الخاصة وتحقيق النجاح بأفكارهن الخلاقة.
رفضت نتاليا، وهي شابة يونانية – بولندية، عاشت سنوات طويلة في العالم العربي، أن تتحدث خلال المقابلة التي أجريتها معها، إلا باللغة العربية، فهي عشقتها وأتقنتها وقدمت محتوى جديد وناجح عبر وسائل التواصل من خلالها، لتملك اليوم أكثر من مليون و600 ألف متابع لصفحتها عبر إنستغرام : ajnabiyeh، أغلبهم من العرب، الذين أحبوها لشدة حبها وتعلقها وفهمها للعالم العربي، ولقوة وجمال وتأثير المحتوى الذي تقدمه. تعرفي أكثر على هذه الشابة من خلال هذا اللقاء.
كيف وصلت شابة من أب يوناني وأم بولندية إلى العالم العربي، وبدأت بصناعة المحتوى لتصير اليوم من أبرز المؤثرات على وسائل التواصل؟
أنا خليط من ثقافتين هما اليونانية والبولندية، ولكني انتقلت من بلدي الأول إلى الأردن حين كنت في الخامسة من عمري بحكم عمل والدي وذلك خلال عام 2004، حيث افتتح فندق الماريوت في البحر الميت، لذا عشت معظم سنوات حياتي في الأردن، ولكن لم يتسنى لي تعلم اللغة العربية خلال كل تلك الفترة لأني تلقيت دراستي في مدرسة إنكليزية وأكملت تعليمي الجامعي في لندن، وقضيت أوقاتي بين الفندق والمدرسة، فكان كل محيطي يتحدث اللغة الإنكليزية. حين رجعت من لندن عام 2019، عرفت أنّ عليّ تعلّم العربية لأني أحب كثيراً الشعب التي تربيت بينه، وأريد أن أتواصل معه بلغته، لذا اجتهدت في هذا الأمر واستطعت تحقيقه لأتمكن اليوم من التحدث بها بكل طلاقة.
تعمقت علاقتي بوسائل التواصل من خلال دراستي لمجال Digital Media Communication في لندن، وشعرت على الدوام أني لا أرغب بالعمل المكتبي، فاخترت العمل الحر كـSocial Media strategist، وبعدها ضربت كورونا العالم، وتوقفت عن العمل فكنت أتابع تيكتوك خلال أوقات فراغي وأحببت الفيديوهات وتنوعها، ورغبت بالبدء بتصوير محتوى خاص بي يتمحور حول محاولاتي تعلّم اللغة العربية، فصرت أقدم فيديوهات حول العيش في الأردن والصعوبات التي أواجهها باكتساب لغة جديدة بسبب الفيروس، ولاقت الفيديوهات الكثير من الانتشار حيث أعجبت الشباب العرب، ومنذ ذلك الحين توسعت المجالات التي صرت أغطيها وبت فاعلة أكثر على إنستغرام وغيره من الوسائل.
خلال فترة نشأتك في الأردن، هل وجدت أن هناك تقارب بين الثقافة العربية والغربية، وما الذي أحببته من عادات وتقاليد وانماط عيش؟
نحن كعائلة يونانية – بولندية، نبدي اهتماماً كبيراً بالأسرة والأقارب ونحرص على الإبقاء على التواصل الدائم بيننا حتى لو كنا نعيش في بلدان مختلفة، حيث كنا نتبادل الزيارات في العطل والإجازات، وهذا الأمر موجود لدى العرب وهو مهم جداً بالنسبة لي لأنه يشبهني، ويتلاقى مع الطريقة التي تربيت بها. حين كنت أعود إلى الأردن بعد زيارة عائلات والداي، كنت أشعر أني راجعة إلى بيتي وأهلي ومحيطي العربي الداعم، فباتت الأردن بمثابة موطني الدائم الذي أحبه وأنتمي إليه باللغة وطريقة التفكير حتى.
أحب أيضاً التشابه بين الأردنيين واليونانيين في الطباع، فهم اجتماعيين ومحبين للخروج والتعارف والانفتاح على الآخرين، كما أنهم ذواقين للطعام الشهي ولديهم الكثير من المأكولات المتقاربة واللذيذة، وهذا في الحقيقة ما جعل والدي أيضاً محباً للأردن حيث قضى فيها سنوات طويلة، ونقل لنا حبه هذا، فاعتدنا على التواجد فيها وكأنها بلدنا. صحيح أن هناك اختلاف في الدين وهو لم يسبب لي يوماً أي مشكلة فلم أشعر به في تعاملي مع رفاقي ومحيطي العربي، بحيث استطعت التأقلم معهم لأننا نتشارك نفس القيم والأخلاق والرؤى للمستقبل، كما أنه يوجد تقارب كبير في أنماط العيش والتفكير والتصرفات.
لماذا اخترت اسم "أجنبية" لتعرّفي به عن نفسك من خلال مواقعك عبر وسائل التواصل؟
حين بدأت بصناعة المحتوى عبر تيكتوك كنت أستخدم اسمي الحقيقي وهو نتاليا، وكان الجمهور يسألني عما إذا كان اسمي الحقيقي وبأنه غريب على العرب، لأنهم اعتقدوا أني عربية حيث أن ملامحي ومظهري الخارجي يشبه كثيراً الفتيات العربيات، فكنت أرد دائماً بأني أجنبية أعيش في الأردن، ومع الوقت احتجت اسماً يفهم من خلاله الآخر وضعي من دون أن أضطر في كل مرة لشرحه، فكان "أجنبية" هو الخيار الأمثل، فاعتمدته واشتهرت فيه. حتى اليوم حين أتكلم العربية، يوجد بعض الكلمات والحروف التي لا أقولها بشكل صحيح مئة في المئة، وبالتالي فهذا الاسم لايزال يشبهني ويعكس وضعي ويعرّف الآخر عليّ.
برأيك ما الذي أحبه الجمهور العربي في محتواك، فتميزت عن غيرك وحققت النجاح والانتشار؟
في البدايات، أعتقد أنه أحب رغبتي الكبيرة بتعلم اللغة العربية وإصراري على إجادتها على الرغم من أنها لغة صعبة ومعقدة، في وقت كان الكثير من المؤثرين والمؤثرات العرب يقدمون محتواهم باللغة الإنكليزية، وكنت أستغرب بكل صراحة عن السبب الذي يدفعهم للقيام بذلك، فلغتهم جميلة جداً وتكشف عن ثقافة رائعة ومهمة، ولأني أحببتها لهذا الحد، صرت أقدم أفكاري من خلالها، وأكثر الفيديوهات التي اشتهرت هي تجاربي في إعداد المأكولات العربية ولاسيما المنسف والمقلوبة، ووجبات أخرى من مطابخ عربية، فقدمتها على طريقتي ومع كم كبير من الأخطاء في المكونات، فوجدتن تفاعلاً إيجابياً كبيراً، حيث باتت النساء توجهنني نحو الطرق الأمثل لإعدادها. بعد ذلك صرت أقدم فيديوهات ذات محتوى سياحي، فأزور مناطق غير معروفة في الأردن وأصور فيديوهات مفيدة لأعرف الجمهور عليها، وقصدت أيضاً دول عربية أخرى، لاكتشافها وتصوير فيديوهات عنها، وفي الفترة الأخيرة تنوّع محتواي أكثر ليطال الموضة والجمال ونمط الحياة.
أحب العرب أيضاً محتواي، لأنه أظهر شدة حبي لبلدانهم ورغبتي الكبيرة بتعلم لغتهم وكل ما يتعلق بهم، وهي حقيقة وليست مبالغة أو تمثيل، فأنا أعشق الدول العربية، وأشجع محيطي وأهلي وأصدقائي الأجانب على اكتشافها.
كيف يرى الغرب الذي تنتمين إليه الشعوب العربية، وكيف تسعين من خلال محتواك إلى إظهار الصورة الحقيقية عن العالم العربي؟
لأكون صريحة ففي بولندا مثلاً، يفكر الناس أن الدول العربية غير آمنة، وأن الشعوب منغلقة ولا ترحب كثيراً بالأجانب، وهذا معتقد خاطئ تماماً وهو ما أحاول من خلال محتواي أن أثبته فأشجع السياح على زيارة الأردن وغيرها من الدول العربية، كما أني قمت بكسر صورة الشابة الأجنبية في عقول العرب، فهي ليست شديدة التحرر كما يعتقدونها، وهي تشبه كثيراً الشابات العربيات الطموحات والمحافظات والراغبات بالنجاح مهنياً وعائلياً في حياتهن.. هناك الكثير من الصور والمعتقدات المغلوطة من الطرفين وهي ناتجة عن قلة معرفة بالآخر ظناً انه شديد الاختلاف، بينما في الواقع يوجد الكثير من نقاط التشابه التي علينا إبرازها والتحدث عنها، وأتمنى أن أقوم بهذا الدور مستقبلاً بشكل أكبر.
هل فكرت بهدفك بعيد المدى من خلال صناعة المحتوى، أي تأثير ترغبين بإحداثه في محيطك؟
أنا أهتم كثيراً بالسياسة، وكنت على وشك التخصص في العلوم السياسية قبل أن أتوجه نحو اختصاصي الذي درسته، فحين حصلت الحرب في غزة عام 2014 تأثرت كثيراً بما يجري وعرفت المزيد عن القضية الفلسطينية، وبت قارئة نهمة حولها، وشاركت في العديد من المشاريع الإنسانية لمساعدة المخيمات في الأردن، واستمر هذا الأمر أثناء دراستي في الجامعة، ومؤخراً حين بدأت الحرب في 7 أكتوبر، أردت الاستمرار في رفع الوعي حول الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيين بكل اللغات التي أعرفها: العربي واليوناني والبولندي والإنكليزي، وهذا ما حصل وأتمنى أن أكون قد ساهمت ولو بشكل بسيط بزيادة معرفة أي شخص حول ما يجري، ليدرك من هو الطرف الظالم ومن هو المظلوم ويأخذ موقفاً واضحاً لنصرة الحق.
برأيك ما الذي يجمعنا كنساء ويوحدنا بغض النظر عن اختلاف الجنسيات والانتماء الثقافي؟
ربما يختلف نمط اللباس وطريقة التفكير وحتى بعض التصرفات، ولكن داخلياً جميع النساء تتشابه في المشاكل التي تواجهها، سواء تعرضت للتنمر أو العنف أحياناً أو المحاربة في بيئة العمل أو الخيانة.. هناك أمور لا يمكن التحكم بها ولا تتعلق بجنسية أو انتماء، وعلينا مواجهتها بأن نكون أقوياء ونهتم بذواتنا بالدرجة الأولى كي نمتلك الثقة بالنفس اللازمة لتخطي أي تحدي.
عرفت الشهرة بشكل سريع، فكيف حققت التوازن داخلياً لتظلي متواضعة من جهة، ولا تتأثري بالتعليقات السلبية من جهة ثانية؟
لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، فأنا كنت أتأثر كثيراً بالتعليقات السلبية لأني حساسة جداً واحتجت إلى فترات طويلة لكي أتعافى، قصدت طبيب نفسي وبقيت لمدة أتلقى العلاج، بالتالي فإن ما نظهره عبر وسائل التواصل لا يعكس كل حقيقتنا، بل جزءاً منها، وحين نفهم ذلك جميعاً سنكون أكثر رحمة في تعاملنا مع الآخر وحتى في حكمنا عليه. صحيح أن صناعة المحتوى هي أمر أحبه وأشعر بالسعادة حين أقوم به، وبالتأكيد أكون فرحة حين يزداد عدد المتابعين والمعجبين بما أقدمه، ولكن هذا لا يعني أني لا أتأثر بردود الأفعال السلبية، من هنا أوجه رسالة بضرورة أن نكون أكثر رحمة ولطفاً في تعليقاتنا، ونتقبل اختلاف الآخر ونحترمه.
ما هي مشاريعك وخططك للعام الجديد؟
أخطط حالياً لإطلاق علامة منتجات تجميلية طبيعية مصنّعة في بولندا، وقد عملت لمدة عامين متواصلين على الفكرة والمنتج والتسويق وأتمنى أن يتم الطرح قريباً في الأسواق، كما أني خطبت مؤخراً وأتحضر للزواج، وسأستمر بكل تأكيد بصناعة المحتوى عبر وسائل التواصل.
اقرئي المزيد: سارة يوسف: أدفع نفسي للأمام لأصل إلى تحقيق طموحاتي الفنية