التعافي بعد الصدمة النفسيّة

تنتج الصدمة النفسيّة عن مواجهة حادثة صعبة ومفاجئة لا يتمكّن العقل من استيعابها، كالتعرّض لألم ناجم عن وفاة شخص قريب أو انفصال عن الشريك أو صرف من العمل أو خسارة أموال طائلة، ما يسبّب حالة من عدم التصديق والإنكار، يليها حزن شديد وضياع وأحياناً انعزال عن الواقع.

هل تشعرين بالتعب الدائم؟ تناولي الأطعمة الغنيّة بالمغنيسيوم

تستطيع المرأة القويّة والمحاطة بدائرة دعم واسعة أن تخرج من الصدمة بشكل أسرع وتتغلّب على الأحاسيس القاسية التي اختبرتها، إلّا أنّ التخلّص من تبعات الصدمات يكون صعباً في بعض الأحيان بحيث يقودك إلى الاكتئاب والعزلة، ما يتطلّب تدخّل الطبّ النفسي لمساعدتك على تحرير أفكارك وتوسيع آفاقك لرؤية الإيجابيّات التي تتناسين وجودها في حياتك.

وفي هذا السياق، تقول اختصاصيّة الطب النفسي العيادي رنا زايك: «عندما تتعرّض المرأة لصدمة نفسيّة ناتجة عن تغيير كبير في نمط حياتها، فإنّ الأعراض التي تختبرها توجّه المعالج النفسي نحو التشخيص الأفضل، فثمّة من تختبر الاكتئاب الشديد أو القلق أو الإجهاد أو مشكلات التكيّف أو نوبات الذعر، وتسمّى كلّ هذه العوارض اضطرابات ما بعد الصدمة أي PTSD أو مشكلات التكيّف.

وتختلف ردود الأفعال على الصدمات من امرأة إلى أخرى والسبب بحسب زايك يعود بالدرجة الأولى إلى التكوين البيولوجي، فكل واحدة فينا لها تركيبتها الخاصة التي يدخل فيها العامل الوراثي، بالإضافة إلى نمط التفكير وطريقة الحياة ومدى تقبّل ما تضعه في دربنا من مشاكل وصدمات، كما أنّ لبعض النساء ميل أكثر من غيرهنّ للإجهاد والوقوع تحت وطأة الضغوط النفسيّة وعدم مقاومتها. من جهة ثانية، تؤكّد الاختصاصيّة النفسيّة أن تراكم الخبرات «يمكّن المرأة من التعامل بشكل أفضل مع الصدمات، في حين أنّ الشابات الأصغر سنّاً واللواتي لا يتمتّعن بتجارب كبيرة يقعن ضحيّة الصدمات بشكل أسرع».

المرحلة الأكثر حرجاً

تمرّ المرأة التي تختبر صدمة نفسيّة بخمس مراحل هي مرحلة الإنكار والعزلة، مرحلة الغضب، مرحلة التفاوض، مرحلة الاكتئاب ومرحلة التقبّل وبحسب زايك، فإنّ المرحلة الأطول هي مرحلة الإنكار، فخلال هذه الفترة تؤكّد المرأة لمن حولها أنّها بخير وأنّها تغلّبت على ما حدث وليست بحاجة إلى المساعدة، وللأسف يتأجّل العلاج لسنوات تكافح خلالها بمفردها كي تتخلّص من المشاعر القاسية التي تختبرها، ولكن مهما طال الوقت فإنّ تدارك الأمر واللجوء إلى الطب النفسي سيكونان كفيلين بمساعدتها على إنقاذ صحّتها النفسيّة والعودة إلى الحياة الطبيعيّة.

وعن الأعراض التي تلي التعرّض للصدمة النفسيّة، تقول زايك: «كل الأعراض تكون صعبة جدّاً ومؤذية ومنها الاكتئاب وعدم الرغبة في التواصل مع أحد أو عيش تجارب جديدة، كما أنّ بعض النساء يصبن بنوبات قلق مزمن، فيعشن التوتّر على مدار الساعة من دون أن يكنّ قادرات على ضبط أعصابهنّ. عدد كبير من السيّدات يزرنني لاستشارة بعد الصدمة بسبب مواجهتهنّ نوبات ذعر تصيبهنّ في الليل وفي النهار وتزعجهنّ بأعراضها الجسديّة ومنها ازدياد سرعة نبضات القلب وتعرّق اليدين والخوف الشديد...».

انتبهي… الهواتف الذكية تؤثّر على سمعك

الحاجة إلى مساعدة

تضيف الاختصاصيّة: «حين تبلغ السيّدة هذه المرحلة، تشعر بأنّها غير قادرة على التحمّل وتتأكّد من أنّها بحاجة إلى المساعدة فتأتي إليّ كي تحصل على العلاج المناسب». وتنصح الاختصاصيّة المرأة التي تمرّ بصدمة نفسيّة بأن تعترف بالمشاعر التي تعيشها والأثر الذي تركته فيها، كما وألّا تبقى بمفردها بل تشغل نفسها بالتواجد مع الأصدقاء والأقارب وتحاول التحدّث مع الأشخاص المقرّبين إليها عن الحادث.

كذلك، من الضروري أن تبحث المرأة عن أشخاص آخرين تعرّضوا لتجربة مماثلة وتتحدّث معهم عن كيفيّة تخطّيهم لهذه العقبة، فهم اختبروا ما تمرّ به كما أنّهم قادرون على فهمها أكثر من غيرهم. وفي حال استمرّت الأعراض ولم تتحسّن مع الوقت، عليها عدم الاستهانة والتأجيل وطلب المساعدة على وجه السرعة.

كذلك، ترى زايك أنّه على المرأة ألّا تتساهل مع أعراض ما بعد الصدمة وأنّ أفضل طريقة للتعامل معها هي الحصول على العلاج. وتقول: «يساعد العلاج على استهداف المشكلة الأساسيّة ويعطي السيّدة القوّة للتغلّب على هذا الحدث المؤلم وكذلك يساعدها على الوقاية من الانتكاسات المستقبليّة».

وتؤكّد الاختصاصيّة النفسيّة أنّ نمط الحياة يساعد كثيراً على تسريع الخروج من الصدمات فـ«الانفتاح على الآخرين والتفاؤل بأنّ الغدّ أفضل والاستمرار بممارسة بعض التمارين الرياضيّة وتناول الغذاء الصحّي، كلّها عوامل تؤثّر إيجاباً على النفسيّة وتحمي من الانتكاسات».

صبا الحربش: السيطرة على الانفعالات السلبيّة تبدأ بتغيير طريقة التفكير

 
شارك