ياسمين باقر: التريث قليلاً سيسمح لنا برؤية الطبيعة حولنا وتقديرها والحفاظ عليها
العالم بعيون الشابة الإماراتية ياسمين باقر أجمل، فهي أحبت الطبيعة منذ صغرها وكان اكتشاف بقع هذه الأرض والتمتع بجمالها الحقيقي البعيد عن ازدحام المدن وضجيجها، مصدر راحتها الأول، وخير دليل على ذلك صورها النابضة بالحياة التي تنشرها عبر صفحتها على إنستغرام: Yasmintbaker. ومثلما عشقت الاكتشاف، كان من الطبيعي أن تكون رياضية ومحبة للحركة والمغامرة، فمارست الكثير من النشاطات الخطيرة والجديدة أحياناً على النساء الإماراتيات. التقينا ياسمين في عددنا الأخير لعام 2024، والمخصص للأرض التي تحملنا وتتحملنا، واكتشفنا معها كيف يمكننا بطرق سهلة وفي المتناول أن ننعم بعيش مريح وسعيد في أرجائها، ونحافظ عليها في آن معاً.
أمامنا امرأة في قمة نجاحها المهني: مدير أول في إكسبو سيتي دبي. ولكنها على المقلب الآخر: شخصية مغامرة، رياضية، محبة للاكتشاف والتجارب الجديدة، ولهذه الأرض التي تعيش عليها، فكيف اجتمعت فيك هذه الصفات؟
أنا شابة في أوائل الثلاثين من عمري، عشت معظم حياتي في الإمارات مع عائلتي، وأحب وجودي في بلدي وعملي ونجاحي فيه، ولكني في أوقات فراغي وحين لا يكون لديّ مسؤوليات مهنية، أعشق اكتشاف نشاطات مختلفة تتعلق بالطبيعة والرياضة والتواجد ضمن المجتمعات الحيوية، هذه الأمور أثارت اهتمامي منذ طفولتي ولا سيما أني سافرت كثيراً مع والديّ، والسبب أن أبي عاشق للسفر، فهو يقضي وقتاً في الطيارة أكثر من الوقت الذي يمضيه على الأرَض، وأعتقد أني ورثت منه الحب الكبير للاكتشاف والترحال بينما أمي كانت مصدر إلهام لي كشخصية قوية، وخاصة كامرأة. لذا أعتقد أن السفر بات جزءاً من شخصيتي، فأنا أهتم دائماً بالتعرف على شعوب جديدة، والتعلم عن ثقافات بعيدة، وتجربة أطعمة مختلفة والأهم من كل ذلك أن أتواجد في الطبيعة وأستمتع بجمالها وبتأثيرها الإيجابي الكبير عليّ.
هل تشعرين أن الناس في ظل الضغوط الحياتية، والنمط المعيشي السريع الذي يعيشون فيه، يفقدون التواصل مع الطبيعة؟ وهو ما يؤدي إلى إهمالها وإلى الاستفادة من ثرواتها لسد الحاجات الآنية، بغض النظر عن الضرر الذي يحدثونه فيها على المدى البعيد؟
أعتقد أننا اعتدنا على نمط الحياة السريعة في كل أنحاء العالم، ولكن هذا الأمر تزداد وتيرته في مدينة سريعة التطور مثل دبي، حيث نمط النقليات والطرقات سريع، بالإضافة إلى كثرة المناسبات والفعاليات، ووجود الكثير من التغييرات التي تؤثر علينا، وعلى الرغم من شعورنا أننا اعتدنا على هذا النمط إلا أنه غير صحيّ لنا كأفراد، ولراحتنا النفسية والذهنية. ابتعدنا عن جذورنا وحقيقتنا في هذه الأيام، بينما في الماضي القريب، قبل 60 سنة كنا نعيش معتمدين على الطبيعة: الصحراء والمياه، وكان المجتمع مزدهراً وسعيداً ومتماسكاً. بالنسبة لي شكلت فترة الحجر الصحي الذي تبع جائحة كورونا، الصحوة التي جعلتني أرى حقيقة حياتنا العصرية، فنحن نسير بسرعة فائقة ولكننا لسنا بخير، شعرت في تلك الفترة أني أفضل حالاً لأني أتريث ولا أقوم بكل شيء بسرعة، كنت سعيدة لأني أمضي بعض الوقت في بيتي، أستطيع أن أخرج بمفردي لأتجول في الطبيعة، لديّ الوقت اللازم لأتواصل مع ذاتي وأعرف المزيد عني.
الطبيعة أيضاً ارتاحت ورأينا صوراً لحيوانات تتجول في الشوارع، كما شهدنا تحسناً في الحياة البحرية، والسماء التي قلّ فيها عدد الطائرات باتت أقل تلوثاً.. لا يمكنني أن أفكر في شخص واحد لم يكن سعيداً بالتغييرات التي شهدناها، فهي انعكست على البيئة كما علينا أيضاً، بالتالي فإن القليل من التروي ضروري لكي نحافظ على توازننا ونحمي البيئة ونحافظ على الطبيعة لأنها فعلاً في خطر، يوجد الكثير من الدراسات التي تشير إلى أهمية التواجد في الطبيعة لتحسين حالتنا النفسية والمعنوية والصحية، هذا لا يعني التخلي عن المدينة وحياتنا المريحة فيها، ولكن يعني أن نسير بمحاذاة الطبيعة وليس بعيداً جداً عنها وعن مصلحتها كما هو حاصل اليوم.
هل هناك اهتمام حقيقي وجدّي بالثروات والأماكن الطبيعية في الإمارات؟
يوجد في الإمارات وتحديداً دبي، الكثير من كل شيء: هناك أعداد كبيرة من المطاعم، والنشاطات، والرياضات، والفعاليات والأعمال الجديدة وأماكن التسلية والمراكز التجارية، لذا فإن كثرة الخيارات تجعل من الصعب الاهتمام بإبراز الأماكن الطبيعية الموجودة، بالتالي فإن التعرف عليها يحتاج إلى مجهود للبحث والتخطيط لزيارتها، ولكني أؤكد وجود الكثير من الأماكن الطبيعية الرائعة والبعيدة عن الحياة المدنية الصاخبة، حيث تتوفر مسارات للمشي والتخييم حين يكون الطقس جميلاً، خاصة في رأس الخيمة وخورفكان وأم القيوين وأبوظبي، أحياناً يصعب عليّ التصديق أن هذه الطبيعة الخلابة موجودة بالقرب مني ولم أعرف عنها قبلاً، من هنا أهمية القيام ببعض الأبحاث، وحتى في دبي التي تقع بالقرب من المياه، فإنه بالتأكيد تتوفر الكثير من الأماكن الجميلة التي يجب تخصيص الوقت لاكتشافها.
حدثينا عن تجربتك في مجال الاستدامة وعن الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات في هذا المجال؟
سمح لي حبي للسفر ونشاطاتي الرياضية، باكتشاف الطبيعة والتعرف عليها وعلى الحيوانات والنباتات والأشجار منذ الطفولة، كما أنّ دراستي للبيولوجيا في الجامعة بالولايات المتحدة زادت من تعمقي فيها على المستوى العلمي، ففهمت المزيد عن تغيّر المناخ والنظام البيئي، وحين عدت إلى دبي عملت في هذا المجال مع WWF أو الصندوق العالمي لصون الطبيعة، وأجريت أبحاثاً في الفجيرة وخورفكان، في مناطق جبلية لم يكن الوصول إليها متاحاً أمام العامة، ومن تلك الأماكن أدركت مدى أهمية طبيعتنا وكيفية تأثيرنا عليها، ومنذ ذلك الحين صرت أكثر مراعاة لمعايير الاستدامة في حياتي اليومية. هنا في الإمارات لا يوجد الكثير من الموارد الطبيعية، وهذا أمر عشنا معه لسنوات في الماضي، فأجدانا عاشوا من دون مكيّف هواء وكانوا ينتظرون شحنة الخضار لأيام طويلة كي تصلهم من الخارج عبر البحر، وكانت الحياة جميلة واستطعنا التعايش والبقاء والنهوض ببلدنا بهذا الشكل، والسبب بالدرجة الأولى يعود إلى رؤية الشيخ زايد الذي أولى اهتماماً كبيراً بالبيئة والطبيعة والاستدامة. اليوم نرى الكثير من المبادرات الناجحة التي تشجع على الاستدامة وتحاول الحفاظ على ما هو متوفر من ثروات طبيعية للأجيال المقبلة.
من منطلق تجربتك الطويلة في مجال الاستدامة، كيف يمكن لأي منا أن يراعي معاييرها خلال رحلاته وحتى في حياته اليومية؟
هناك أمور سهلة جداً قمت بها عن قناعة تامة، منها تقليل استخدام البلاستيك، واستبداله بمواد صديقة للبيئة، واللجوء إلى الدراجة الهوائية للذهاب في المشاوير القريبة بدل قيادة السيارة واستهلاك الوقود. يوجد أيضاً أشخاص أعرفهم يقومون بعملية تحضير السماد العضوي، من المأكولات التي لا يحتاجونها، بدل التخلص منها ورميها. بالتالي فإن المجتمع بدأ يعي ولو بشكل خجول، ضرورة الاهتمام بالبيئة، لأنه يرصد بأم العين الأضرار التي تصيبها، مثل تلوث الهواء وكثرة الغازات السامة فيه، ولكن ما نحتاجه هو المزيد من الوعي والقيام بالأبحاث وبجهد إضافي لنحمي ما بقي من البيئة ونحافظ على الطبيعة.
كامرأة استطاعت التخلص بشكل كبير من الخوف لتخوض مغامرات صعبة وخطيرة، ماذا تقولين للشابات لحثهن على اكتشاف الطبيعة والحفاظ عليها وممارسة الرياضة؟
المرأة بشكل عام لديها الكثير من التساؤلات والمخاوف الناجمة عن نقص المعرفة والتوعية، لذا فإن استطاعت سد هذه الثغرات، ستتمكن من القيام بالكثير من النشاطات التي ستساعدها لتغيير حياتها نحو الأفضل. عليها أن تبحث عن المجتمع الذي يدعمها ويجيب عن كل تساؤلاتها، فلتبدأ مثلاُ بالمشي مع صديقتها أو مدربة رياضية ترتاح في التعامل معها، ومع الوقت ستجد المجتمع الرياضي الأكبر الذي يناسبها، بهذه الطريقة ستكون تجاربها أكثر متعة لأنها ليست بمفردها، وستتعلم المزيد عن النشاطات المختلفة المتاحة لها. وأقول لها أيضاً: جربي ولو لمرة واحدة أي نشاط جديد، وبعدها ستكتشفين المجال الذي يعجبك أكثر من غيره، وسيتسنى لك أيضاً قضاء وقت في الطبيعة واكتشاف جمالها وتأثيرها عليك.
صفحتك عبر إنستغرام تعكس جمال الطبيعة الخلابة كما تراها عينيك، كيف تختارين محتواك والصور والعبارات التي تنشرينها؟
بدأت هذه الصفحة لكي تكون بمثابة مفكرتي التي أحتفظ بها بصور وذكريات من تجاربي الجميلة التي استمتعت بها، هدفي ليس نشر محتوى محدد ولجمهور واحد، كأن يكون رياضي أو توعوي أو سياحي أو خاص بالموضة واللياقة البدنية، بل ببساطة أنشر أموراً أكون سعيدة حين أقوم بها، سواء السفر والمغامرات الجديدة خلاله، أو الاهتمام بحيواناتي أو المشاركة بفعاليات في عملي.. إنها أمور تشكّلني وتجعلني المرأة التي أنا عليها. وبفضل هذا النهج، أتيحت لي أيضاً الفرصة للتواصل مع الناس (الأصدقاء والغرباء أيضًا) على المستوى الإنساني، وفي مواضيع مختلفة... يحتاج الناس أحيانًا إلى اقتراحات للسفر، أو الاستفسار عن عملي، أو عائلتي... ويبدو الأمر وكأنه طريقة أصيلة حقًا للتواصل.
كيف ستبدأين السنة الجديدة وما هي القرارات التي تشجعين الشابات عليها لعيش حياة سعيدة، مريحة وأكثر سلاماً وتواصلاً مع الذات والآخرين؟
أنصح على الدوام بالحفاظ على السلام الداخلي وأخذ الأمور بروية والقيام بما يسعدنا ويوفر لنا العزم اللازم للاستمرار، بالنسبة لي كان عامي الحالي مليئاً بالسفر، قمت برحلات عديدة مع عائلتي وزوجي وصديقاتي، وتسنى لي رؤية أماكن رائعة وتعرفت على حضارات وثقافات جديدة، وفي الفترة المقبلة سأزور سريلانكا إن شاء الله، ومع مطلع العام، أنوي السفر إلى سويسرا للاستمتاع بالطقس البارد في ربوعها.
اقرئي المزيد: اكتشفي الاماكن السياحية في بلجيكا!