فاي العمران: المغامرة غيّرت حياتي وزادتني قوة وهدوءاً وصبراً

تعتبر الشابة الكويتية فاي العمران من أوائل النساء العربيات اللواتي استطعن خوض رحلة الألفي ميل مشياً على الأقدام لتقطع على مدار 5 أشهر الحدود المكسيكية وصولاً إلى كندا في إنجاز يٌكتب لها في التاريخ، ويثبت مدى قدرتها الجسدية وتركيزها العقلي والذهني وإصرارها على تحقيق ما تضعه هدفاً نصب عينيها، وهي لم تكتفي بهذا القدر من الإنجاز، بل تركز حالياً على مجال الإبداع الفني والتصميمي، لتبتكر أكسسوارات منزلية خشبية رائعة، تشاركها عبر صفحتها على إنستغرام: laughwithfai، ويُتوقع لها بأن تكون واحدة من ألمع المواعب العربية في مجال التصميم مستقبلاً. تعرفي أكثر على فاي واكشتفي مصادر شغفها المتجدد.

كيف جمعت في شخصيتك بين حب السفر والمغامرة وحب العمل اليدوي وتحديداً تحويل الخشب إلى أعمال تصميمية مميزة؟

والدتي تحب العمل اليدوي كثيراً وهي ورثت هذا الطبع عن أمها، لذا نشأت في بيت مليء بالحرف والأعمال الفنية، وكنت من بين إخوتي الوحيدة التي امتلكت هذا الحس الفني، حيث كنت أحب الألوان والرسم وأقضي الساعات في ممارسة هذه الهواية. كان الأمر غريباً على طفلة ولاحقاً مراهقة، أن تحب تفكيك سيارات الأطفال التي تشغّل من خلال الريموت كونترول، أو تأخذ صندوقاً كروتونياً لتصنع منه لعبة أو غرضاً مختلفاً.. رأى خالي فيّ موهبة مميزة، وشجعني عليها فهو كان مهندساً ولديه هذا الحسّ الفني، واشترى لي عدتي الأولى، وبدأت بتعلم كيفية استخدامها بمفردي بالاستعانة ببعض الكتب والإنترنت.

حين قررت السفر بهدف الدراسة الجامعية في كندا - وقد درست Animation، وهو اختصاص بعيد قليلاً عن المجالين الذين أركز عليهما حالياً، ولكنه خدمني لاحقاً في مشروعي التصميمي- بدأ عشقي للطبيعة بالبروز، صحيح أن الكويت جميلة وفيها البحر الذي أعشقه والصحراء الرائعة، ولكن في كندا اكتشفت الحدائق والغابات والتخييم في الطبيعة، وعشت تجارب لا تتكرر في ربوعها، ولم أشعر أبداً بالخوف من اكتشاف الطبيعة بمفردي، بل صرت أذهب في مغامرات مشي واستكشاف وتسلٌق، وحين أنهيت دراستي وتوجب عليّ العودة، رغبت بالاستمرار في التواجد بالطبيعة، وتعرفت على مجموعة مهتمة بهذا النشاط، وبتّ أسافر معهم وأقوم برحلات إلى العديد من الدول القريبة من الكويت.

حدثينا عن رحلة الألفي ميل التي قمت بها قبل فترة، وعما عشته من تحديات واكتسبته من خبرات خلالها؟

كان أول قرار أخذته في حياتي من أجل نفسي فقط، لم أستمع كثيراً لآراء من حولي ولم أسمح لأحد أن يؤثر فيّ، حتى في أكثر لحظاتي ندماً أثناء مواجهة الصعوبات خلال المسار، كنت أذكّر نفسي بأني هنا من أجل فاي فقط، وأني قادرة على الانسحاب في اللحظة التي أريدها، لذا كنت أستمر وأتقدم. عشت كل أنواع المشاعر من خوف وتعب وسعادة مفرطة وأمل وندم.. وراودتني كل ىالأفكار والحوارات التي أري أن أقيمها مع نفسي، أخرجت كل ما فيّ من أحاسيس فأنا في الحياة العادية جدّ هادئة ولا أتكلم كثيراً، عشت في Survival Mode واختبرت كل الحالات الإنسانية، وحين عدت أحسست أني ولدت من جديد، مدركة لكل ما في نفسي من طاقات، ومقدرة للنعم البسيطة التي أعيش فيها، وعارفة لما أريد القيام به مستقبلاً.

ازداد صبري كثيراً وهدأت وزادت ثقتي بنفسي، وتعلمت المرونة في التعامل مع الظروف الصعبة، وأنا ممتنة لكل ما عشته واكتسبته من التجربة.

يصعب في مجتمعنا إيجاد فتاة شابة وجميلة تقوم بأعمال النجارة بكلّ حب وحماس، من دون أن تفقد حسّها الأنثوي، فكيف تجرأت وبدأت بمشروعك التصميمي واليدوي؟

بعد عودتي من كندا، حصلت على وظيفة ثابتة، وكنت أمارس أعمال النجارة في غرفة صغيرة في منزلي، وازداد تركيزي عليها حين ضربت كورونا العالم، فكان لديّ الكثير من أوقات الفراغ، صرت أشاهد فيديوهات تعليمية، وبدأت بتطبيق ما أتعلمه في ورشتي، وأحببت كثيراً العمل اليدوي، لأنه يخولني أن أتحرك، بعكس البرامج والأعمال التي تعتمد على الحاسوب مئة في المئة. مع الوقت تشجعت واشتريت منشاري الأول، وتوسعت في ورشتي المنزلية، وبتّ انفذ قطعاً تصميمية: كرسي صغير، أو طاولة مزخرفة أهديها لصديقتي المقربة، وقد نالت أعمالي إعجاباً كبيراً من محيطي، وشجعوني على الاستمرار، ولأني كنت موظفة، كان عليّ اتخاذ قرار مصيري: هل أترك الوظيفة وأتفرغ لهذا العمل، أم أنسى هذه الحرفة وأركز على مستقبلي المهني؟ قررت أن أستقيل وأعطي لحلمي مدة عام واحد وأرى بعدها إلى أين سيوصلني.

في تلك الفترة بالضبط أقنعتني صديقتي هيا السمري أن نخوض رحلة الألفي ميل، وقد شعرت أنّ هذه الفرصة أتت في وقتها، لأني كنت قد تخليت عن وظيفتي، وراغبة ببدء مرحلة جديدة في حياتي، ففكرت بأنه الوقت الأنسب للابتعاد عن كل شيء والتفكير بتجرد بما أرغب به فعلاً، وقد أعادتني هذه الرحلة إلى فطرتي وطبيعتي وذكرتني بما أرغب به فعلاً، فعدت منها وأنا متأكدة من أني راغبة ببدء عملي الإبداعي.

كان لديّ بعض التخوف والخجل في البداية، حين قررت أن أزور أسواق النجارة والمناطق الشعبية لشراء الأدوات اللازمة للبدء، فخشيت أن أسمع كلمات غير لطيفة من الرجال، كوني شابة وصغيرة في السن وتدخل مجتمعاً مخصصاً لهم، ولكني تفاجأت من كم الدعم والتشجيع الذي تلقيته منهم، فهم ساعدوني وتقبلوني ودعموني وأعطوني نصائح، ووجدوا أن ما أقوم به يحتاج إلى قوة وموهبة كبيرة.

هنا أريد توجيه رسالة لكلّ شابة تشعر أنها مقبلة على مجال مخصص للذكور، وتخشى من أن تتعرض للرفض أو تقابل بالانتقادات، وهو أن تخطو الخطوة الأولى ولا تستمع لمخاوفها وأفكارها المترددة، فمهمة عقلنا في الكثير من الأحيان هي وضع الحواجز في طريقنا، ولكن السعي والتنفيذ سيؤكد لنا أن ما نفكر أنه سيعيقنا غير صحيح أو موجود إلا في خيالنا.

بالنسبة لحسي الأنثوي فهو موجود بالتأكيد، ولا أنكر أني أخاف على يديّ قليلاً بأن تخشوشنا من العمل بالأخشاب، ولكني حريصة جداً على اعتماد كل معايير السلامة، وأعتقد أن جزءاً من شخصيتي العاطفية والمحبة للطبيعة وللتفاصيل والألوان، يظهر بوضوح في أعمالي التصميمية.

من أين تأتين بالإلهام والأفكار لكي تبدعي قطعاً تصميمية جديدة وذات بصمة مختلفة عما يتوفر في الأسواق؟

من عدة مصادر أهمها سفراتي وتجاربي، وتعرفي على أشخاص من ثقافات مختلفة، كما أن دراستي فادتني كثيراً فاكتشفت تاريخ الفنون وأنواعها، وتعلمت تقنيات التصميم، وفهمت التوازن والتكوينات والألوان، كما أن حبي للطبيعة واكتشافي لأنواع الأشجار الكثيرة المتوفرة في الغابات، جعلني عاشقة للخشب ولقوته وسحره، من دون تدخل الآلة والتقنيات الدخيلة إليه، وهناك أيضاً حبي الكبير للعمل بيديّ ورؤية هذه القطعة الخشبية تتحول بعد صبر ووقت طويل، بين يديّ إلى ما تخيلته لها في البداية: عمل فني وتصميمي جميل وله فائدة محددة أي يمكن استخدامه لسنوات طويلة، مع التمتع بجماله وبفرادة تصميمه.

في وقتنا الحالي حيث تمتلئ الأسواق بالأثاث التجاري والموديلات الكثيرة والصيحات سريعة التغيّر، كيف تخططين لكي تبرزي بأعمالك اليدوية والحصرية؟

أعي جيداً أن النجاح لن يكون سهلاً وأعرف أيضاً أن ما أقدمه اليوم مختلف عما اعتدت تصميمه قبل سنوات وما يمكن أن أصممه في المستقبل، فأنا في رحلة تعلّم مستمر لن ينتهي، ويحتاج مني إلى الإصرار والسعي إلى امتلاك المزيد من المعرفة وتحسين التقنيات، ولكنّ شغفي الكبير سيظل يحركني. صحيح أن الأسهل لكثير من المستهلكين هو الحصول على قطعة أثاث تجارية وتغييرها بعد 3 أو 4 سنوات، ولكن هناك نوع آخر من الجمهور، يحب القطع الحصرية، ويبحث عن هذه اللمسة الإنسانية حين يرغب بشراء غرض ما، حتى لو عنى ذلك دفع المزيد من الأموال، فهو يعرف أن ما يشتريه سيدوم لوقت أطول بكثير، فالخشب الذي أعمل عليه ذو جودة عالية جداً والتصاميم فريدة وغير متكررة، وكل هذه التفاصيل يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، لدى التفكير بشراء المشغولات والتصاميم اليدوية.

ما الذي تخططين لتحقيقه مستقبلاً في المجال التصميمي وفي المجالات الحياتية الأخرى؟

أنوي الاستمرار في مشروعي التصميم وابتكار أفكار جديدة ترضي جميع الأذواق، وسأستمر بإلهام الشباب العربي حول ما يحتاج إليه لينطلق في المجال الرياضي وخوض المغامرات وعدم الخوف من نظرة المجتمع، فنحن لدينا الكثير من الأفكار وما نحتاج إليه هو القليل من الثقة بالذات وبالقدرات لكي نبدع.

اقرئي المزيد: العنود الحجيلان: الاجتهاد هو ما مكنني من النجاح باقتناص الفرص لتحقيق النجاح

 

 
شارك