هل يمكن الاستغناء عن العنصر البشري مع دخول الذكاء الاصطناعي معظم المجالات؟

في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي ودخوله معظم القطاعات الحيوية، هل يمكن الاستغناء عن العنصر البشري؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يشغل العالم في وقتنا اليوم، وللحصول على أوضح إجابة له التقينا الدكتورة سالي حمود الأستاذة الجامعية في الإعلام والذكاء الاصطناعي، والأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركية في دبي وبيروت والتي أطلعتنا على أهم المشاريع التي عملت عليها في هذا المجال، وعلى تفاصيل كتابها "الذكاء الاصطناعي في تكوين السمعة الرقمية".

تقول الدكتورة سالي: "عام 2010، تعرّفت على مشروع تنفّذه الأمم المتحدة في جنيف، يستند على ورقة بحثية يابانية، تقوم على فكرة حل مشاكل الترجمة من خلال الذكاء الاصطناعي. أثار هذا الأمر فضولي لأنني كنت مهتمة بلغتي العربية، وكنت أرصد غياب الاهتمام بها في مجال الأبحاث والبيانات، وضعف دقة الترجمة للأبحاث التي تكون عادةً كلها بالإنكليزية، فحين تُترجم للعربية تفقد الكثير من معانيها. وحين سمعت بهذا المشروع أردت التعمق به، وتعلّمت منه أنّه يمكن حل كل مشاكل الترجمة من خلال مبدأ NLP، أي تحويل اللغات المختلفة إلى نظام كود، وفك هذا النظام لمعرفة أبعاد ومعاني كل الحروف في أي لغة. كان الهدف من المشروع الوصول إلى لغة شبكات عالمية موحّدة، ومع السعي الحثيث المستمر اليوم، فقد تحقق هذا الأمر من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي".

تشرح حمود معنى السمعة الرقمية التي تتطرّق إليها في كتابها، وتقول: "اليوم سلوكنا الاستهلاكي يتمحور حول السمعة الرقمية للمنتج الذي نريد الحصول عليه، ففي أي عملية شراء أو توظيف أو استثمار أو حتى في رحلة نرغب في تنظيمها للاستجمام، بات اعتمادنا الأول على السمعة الرقمية للبلد أو المنتجع أو الشخص أو السلعة، لا بل نحن نتابع ما يُنشر حولها عبر الإنترنت أو مواقع التواصل المختلفة، ولا نحتاج للقيام بالأبحاث التقليدية، أو إجراء التواصل بأشكاله السابقة، لذا ما نعيشه اليوم هو تحوّل لعملية التواصل وتغيّر عناصرها التقليدية التي كانت تقوم على المرسل ومتلقّي الرسالة والقناة والتشويش ورجع الصدى. أما اليوم، فالمرسل بإمكانه أن يكون هو نفسه كل العناصر، لذا فإنّ خلاصة الصورة أو السمعة الرقمية هي التي تحدد قيمة كل شخص أو مؤسسة أو حتى دولة، وعلينا كبشر أن نفهم هذا التغيير السريع ونتأقلم معه ونستفيد منه لخدمة مصالحنا وحياتنا وتطورنا المهني في أي مجال نخوضه".

العناصر الضرورية لتكوين السمعة الرقمية

تتطرّق حمود إلى العناصر الضرورية لتكوين السمعة الرقمية وهي "اللغة أو النصوص سواء صورة أو فيديو يتم التواصل بها مع الآخر، وبعدها الذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن مفهوم واسع يضم أدوات كثيرة، يستخدمها الناس كل واحد حسب رغباته وتفضيلاته ليستفيدوا منها في سياق عملهم، لذا فإنّ هناك حاجة كبيرة لدى الحكومات والمؤسسات في مختلف القطاعات، سواء الصناعية والتجارية والإعلامية والإعلانية والفنية والثقافية، لتطوير الأقسام المعلوماتية لديهم، وبناء جسر قوي وكبير بين الشق التقني من جهة، والعملي أو الوظيفي البحثي من جهة ثانية، لكي يتعرّف الموظفون على الخيارات الجديدة التي باتت متاحة أمامهم بعد دخول الذكاء الاصطناعي لمجالهم، فلا نشعر بالخوف والريبة مما نحن مُقبلون عليه، بل نملك الثقافة والمعرفة اللازمة لكي نستمر إنما على مستوى مختلف عن السائد حالياً".

هل المخاوف التي يشعر بها العالم من إمكانية استبدال الإنسان بالآلة مبررة؟

وعندما سألناها: هل المخاوف التي يشعر بها العالم من إمكانية استبدال الإنسان بالآلة مبررة؟، أجابت: "الوضع اليوم يشبه الوقت الذي تمّ فيه اكتشاف الطاقة الذرية، حيث استخدمها البعض لتطوير المعدات الطبية وصور الأشعة، كما كان لها استخدامات في مجالات الأمن في المطارات وسكك الحديد، بينما ذهب غيرهم لاستخدامها في تصنيع الأسلحة، والتسبب بالأذى للبشرية، وظل الحال غير ممسوك حتى تم إنشاء وكالة الطاقة الذرية، وبات يوجد شبه سيطرة عى هذه القوة. نحن اليوم نعيش واقعاً مشابهاً مع الذكاء الاصطناعي، وسنستمر على هذا الحال لفترة حتى نقوم بالسيطرة عليه وتأطيره وعدم تسييسه رغبةً في السيطرة، كما نراه أيضاً يحصل اليوم في التجسس والحروب وتشويه بعض الحقائق والصور والبيانات، فاليوم يسعى الاتحاد الأوروبي لتأطير هذا المجال، ويقابَل برفض من الولايات المتحدة، وحتى يتم الالتزام بالضوابط التي تم إقرارها، سيستمر الوضع مفتوحاً على أي خروقات، حيث يمكن اليوم لأي بروغرامر أو هاكر محترف، أن يحقق خرقاً في أي مجال يرغب فيهه، ومن هنا الخطورة وأهمية التصرف سريعاً لحل هذه المعضلات".

مدى مواكبة الدول العربية للمستجدات الحاصلة في مجال الذكاء الاصطناعي

وحول مدى مواكبة الدول العربية للمستجدات الحاصلة في مجال الذكاء الاصطناعي، تقول: "هناك حراك كبير عربياً ولا سيما في السعودية والإمارات، وهنا ألفت إلى خطوة مميزة قامت بها المملكة حين أطلقت "أوتوكوريكت" عربي يحمل اسم "قلم" وهو يفيد جداً في تكوين الجمل باللغة العربية، وتصحيح أي أخطاء يمكن أن تعيق الكاتب أو المحرر، كما يوجد الكثير من الاستثمارات التي تصب في هذا المجال، ولكن للأسف ما زالت الرؤية مبهمة وغير واضحة، حيث لا نزال في مجالات كثيرة نجلب الخبرات الأجنبية لكي نستفيد منها ولا نسعى لتطوير الكادر البشري لدينا، فما نحتاجه فعلاً هو أن نستفيد من شبابنا الذي يفهم جيداً ثقافتنا ونمط العيش لدينا، ونوفّر لهم تدريبات مكثفة في المدارس والجامعات حول الذكاء الاصطناعي، حتى يصيروا هم القادرون على إدارة هذه الملفات الحيوية في بلادهم، فنواكب بهم ومعهم ما يجري من حولنا في العالم".

وتنصح حمود الدول والحكومات والوزارات المختصة ولا سيما التعليم والثقافة، بزيادة الدعم المادي والمعنوي للقطاعات التقنية الواعدة، وأضافت أنّ "معظم المدارس العربية أدخلت على مناهجها التعليمية الذكاء الاصطناعي والكودينغ والروبوتكس، ولكننا نحتاج إلى المزيد، فأنا مثلاً سافرت على حسابي الخاص لأكمّل معارفي ودراستي بهذا المجال، بينما يمكن لغيري أن لا تتسنى له فرصة ليكمّل الدراسة من دون الدعم المادي، وبالتالي يجب أن يكون الدعم متاحاً وأن تقوم الدول برصد ميزانيات لأبنائها الراغبين في إكمال التخصص والأبحاث في هذه المجالات".

تغيُّر الأدوار التقليدية لكل العاملين في القطاعات الاقتصادية الحيوية

وتؤكد الدكتورة أنّ كل المجالات سواء كانت أدبية أو علمية أو بحثية، ستتأثر بالذكاء الاصطناعي، وبالتالي سيتغيّر دور كل واحد فينا مستقبلاً، ومن هنا "يجب أن نتثقف ونرغب في التعلم، فالذكاء الاصطناعي جمع العلوم مع الآداب والإنسانيات، وهذا بحد ذاته ثورة كبيرة في مفهومنا عن العلوم، وبالتالي لكل من يفكّر بشكل علمي، عليه أن يوسّع آفاقه ليفهم أكثر عن اللغة والتحاور والتواصل، والعكس أيضاً، فنحن الأديبات واللواتي نغوص في تفاصيل اللغات والمعاني والتواصل الشفهي والخطي، علينا أن نبحر أكثر في عالم التكنولوجيا، لكي نواكب المستقبل القريب".

وتطالب حمود الحكومات العربية بأن لا تستخفّ أبداً بموضوع الذكاء الاصطناعي، وأن تزيد من التشريعات التي تحدد دورها في كل قطاع وتعزز من مراقبة مدى تنفيذ هذه القواعد والتشريعات، وأن تقوم بإنشاء وحدات خاصة لتطوير الذكاء الاصطناعي، مع الاستعانة باختصاصيين وخبراء تقنيين ومستشارين من كل المجالات الحيوية: كالطب والتعليم والهندسة والطيران والتشريع والصناعة، وذلك لتأسيس لجان لمساعدة كل قطاع على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، ولتنفيذ مشاريع واعدة ومفيدة لتطوير كل قطاع".  

اقرئي المزيد: المصممة المعمارية هنوف منجد تكشف مدى سطوة الذكاء الاصطناعي على مجال التصميم

 
شارك