هدى بيضون: التصوير يخوّلني توثيق سرد القصص من خلال عدستي

لطالما كان الفن بالنسبة للفنانة والمصورة والمديرة الإبداعية السعودية هدى بيضون بمثابة الملجأ الذي تقصده حين تواجه صعوبة في التعبير عن مشاعرها في خلال شبابها، وهي تقول "لقد وفّر لي الفن العلاج عندما عجزت الكلمات عن مساعدتي. عندما تعمقت في التجارب الفنية، تطور أسلوبي الأساسي في التعبير. حينها ألزمت نفسي بتنمية مواهبي ومعارفي وتحويلها من مجرد هواية إلى مهنة". واليوم، الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الذات بالنسبة لها، بل هو طريقة حياة تمكّنها من إقامة علاقات مع الآخرين، وإثارة المشاعر، وترك بصمة دائمة في العالم. التقينا هدى لتعرّفنا أكثر على أسلوبها الفني ورؤيتها الخاصة في التصوير ونكتشف أهمية التفاصيل في عملها الإبداعي.

حدّثينا عن تجربتكِ الغزيرة في التصوير، كيف يتم التقاط الصور الأكثر تأثيراً بالكاميرا؟

كل صورة ألتقطها لها مكانة خاصة في قلبي، مصحوبة بذكرى فريدة من نوعها. يسعدني أيضاً توثيق حياة الأفراد الذين يواجهون الشدائد وسرد قصصهم من خلال عدستي. إنّ خلق شعور بالثقة مع الغرباء، وخاصةً أولئك الذين يواجهون صعوبات، هو امتياز أقدّره بشدّة. يسعدني كثيراً أن أعرف أنني أستطيع إقامة علاقة مع شخص ما وكسب ثقته. إنّ الثقة التي منحوني إياها الأفراد الذين صورتهم هي شيء يشرّفني، ويسعدني كثيراً أن أقوم بتأريخ تجاربهم ومشاركة قصصهم مع العالم.

إلى أي مدى تؤثر تفاصيل أي صورة أو لوحة في لفت انتباه المشاهد إليها وجعله يتأمّلها بشكل أعمق ويفهم معانيها؟

كفنانة، من الضروري بالنسبة لي أن يتمتع المشاهدون بحرية تفسير أعمالي بطرقهم الفريدة. أريدهم أن يتواصلوا مع فني بناءً على تجاربهم وعواطفهم الخاصة. ومن خلال الامتناع عن شرح المعنى المقصود وراء إبداعاتي، أقدّم لهم الفرصة للانخراط في عملي على مستوى أعمق وتكوين علاقاتهم الخاصة. إنّ رؤية كيف يمكن للأفراد المتنوّعين العثور على اهتمام شخصي، وتقديم وجهات نظرهم بفني لهوَ أمر رائع حقاً. إنّه يعزز الشعور بالانفتاح ويسمح بتجربة أكثر تنوعاً وإثراء للجميع. لذلك، أحتضن الغموض وأشجّع المشاهدين على الشروع في رحلتهم الاستكشافية الخاصة، وإيجاد المعنى الخاص بهم في فني.

أنا ملتزمة بمتابعة مسيرتي الفنية، والتركيز على رؤيتي الفريدة، ومقاومة إغراء التوافق مع الاتجاهات أو إنشاء فن للعرض فقط. فبدلاً من ذلك، أختار أن أترك إبداعاتي تتطور بشكل عضوي وبإيقاع خاص بها، ما يسمح لها بالتطور بشكل طبيعي. ويتمسّك الفنانون الحقيقيون بهذا الاعتقاد، حيث يعطون الأولوية للأصالة ويظلون مخلصين لصوتهم الفني. من خلال احتضان فرديتنا واحترام رحلاتنا الإبداعية الشخصية، يمكننا إنتاج فن أصيل وعميق له صدى في أنفسنا ولدى الآخرين.

في عصر اليوم حيث الجميع يلتقط الصور بأحدث الكاميرات، أين يكمن الفرق بين المصور المحترف والهاوي؟

بمجرد أن يتقبّل الفنان الفشل كجزء لا يتجزأ من الرحلة الإبداعية، يمكنه أن يزدهر ويتطور حقاً. نحن نعمل على صقل مهاراتنا وتعميق فهمنا لعملنا من خلال ارتكاب الأخطاء واستخلاص الدروس منها. تلعب الممارسة دوراً حاسماً في صقل قدراتنا ونضجنا كفنانين. ومن خلال استثمار الوقت والجهد بشكل مستمر في التحسين، يمكننا توسيع آفاقنا الفنية. ومن المهم أيضاً أن ندرك أن الـ"أنا" يمكن أن تعيق نموّنا وإبداعنا. عندما نحرر غرورنا ونتعامل مع فننا بتواضع وتقبّل، نصبح أكثر انفتاحاً على الأفكار ووجهات النظر الجديدة، وهذا يمكّننا من تجاوز الحدود واستكشاف مجالات جديدة في عملنا. إنّ التناقض بين الفنان الذي يفهم هذه المبادئ والآخر الذي لا يفهمها سيكون واضحاً في أصالة إبداعاتهم وعمقها.

أنا أمتنع عن تصنيف نفسي كمحترفة لأنني أستكشف باستمرار طرقاً جديدة للتعلم. أرى نفسي دائماً في بداية مسيرتي المهنية، فرحلتي تبقى إلى الأبد في بداياتها، وهذا شيء إيجابي. إنّه بمثابة تذكير دائم بأنّ هناك دائماً المزيد لاكتشافه واستيعابه وإنتاجه. هذه العقلية تغذّي شغفي وتبقيني حريصة على المعرفة. وفي اللحظة التي أتخيل فيها أنني أتقنت كل شيء أو وصلت إلى ذروة مهنتي، فإنني أخاطر بالاستسلام للرضا عن النفس والركود. أنا أتقبّل حقيقة أنني طالبة مدى الحياة، وأسعى دائماً إلى تعزيز وتوسيع حدودي الفنية. إنّ عقلية النمو المستمر هذه تمكّنني من تجاوز حدودي وتجربة تقنيات جديدة واكتشاف صوتي الإبداعي الحقيقي. ولذلك، لا أجد حاجة إلى تسمية تحدد رحلتي، فأنا راضٍية بتبني دور المتعلمة مدى الحياة، والبدء دائماً في مغامرتي الفنية كل مرة وكأنّها الأولى.

فلنعد إلى رحلتكِ مع التصوير، برأيكِ ما الذي يجذب عين المشاهد في صورك؟

أستكشف مزيجاً فريداً من الواقع والخيال في أعمالي الفوتوغرافية، بهدف جذب المشاهدين بعنصر معيّن يقع بين سرد أعمالي. يُعد التجاور موضوعاً متكرراً في مساعيّ الإبداعية، بحيث أقوم بتجربته عبر الوسائط والمشاريع المختلفة.

أعطي الأولوية للحفاظ على توازن دقيق في كلٍ من مساعيّ الإبداعية والمحتوى الذي أختار مشاركته مع الآخرين. وعلى الرغم من أنني لا أميل إلى إثارة الجدل أو إثارة الفتنة، إلا أنني أظل ملتزمة بالتعبير عن نفسي بشكل أصيل وصادق.

هدفي هو نقل المشاعر والأفكار الحقيقية وغير الملوثة، ويتيح لي هذا النهج إنشاء محتوى يتردد صداه بعمق لدى الجماهير، ويثير ردود أفعال واتصالات حقيقية.

وعلى الرغم من أنني قد أبتعد عن الاستفزاز المتعمد، إلاّ أنّ عملي لا يزال يحمل جودة خام تعكس جوهري الحقيقي ورؤيتي الفنية.

لأنّكِ ضليعة في تصوير الأزياء، فما هي حسنات وصعوبات هذا النمط الفني؟

بعد حصولي على شهادتي في مجال الأزياء في باريس، واجهت تحديات أثناء عملي كمصورة أزياء ومديرة إبداعية في المملكة العربية السعودية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى محدودية الموارد والخيارات. ومع ذلك، فقد وجدت الإلهام في الحماس والتفاني الذي أظهره زملائي المبدعين الذين بدأوا مسيرتهم في المملكة. وقد شحذت طاقتي وعزّزت قدرتي على ابتكار حلول للتغلب على القيود والمعوقات، وبالتالي المساهمة في تقدّم صناعة الأزياء في المملكة العربية السعودية.

من أين تحصلين على إلهامكِ في هذا المجال الإبداعي الواسع؟

إبداعي ينمو من مجموعة عناصر مختلفة ترتبط بي بعمق. تلهمني الموسيقى بألحانها وإيقاعاتها القوية، التي تثير المشاعر وتحرّك مخيلتي. كما تلعب القصص المتنوعة للأشخاص الذين أقابلهم أيضاً دوراً كبيراً، بحيث تزوّدني بأفكار لفني. بالإضافة إلى ذلك، تضيف تجارب حياتي الخاصة الأصالة والعمق إلى عملي. ففي الأساس، يأتي إلهامي من الموسيقى والقصص الإنسانية وحياتي الشخصية، ما يعطي المعنى والعاطفة لمشاريعي الإبداعية.

حدّثينا عن أقرب جلسة تصوير إلى قلبكِ وأفكاركِ؟

في خلال فترة تدريبي في باريس، شملت مسؤولياتي تقديم الطعام للعارضات والمساعدة في موقع التصوير. وعلى الرغم من الطبيعة المتواضعة للمهام، فقد شعرت بسعادة غامرة للمشاركة في تصوير فيلم Elle بالمكسيك في أحد المواقع المفضلة لدي. لقد اغتنمت كل فرصة للمراقبة والتعلّم. ولدهشتي، أدّى استعدادي للقيام بأي مهمة إلى ترقيتي كمساعدة مصوّر في جلسة التصوير التالية. علّمتني هذه التجربة أنّ البدء من الصفر والحفاظ على العقلية المنفتحة يمكن أن يمهّد الطريق لفرص كبيرة في المستقبل.

هل يزعجكِ غياب القيمة الحقيقية للصورة من خلال عدم إبقائها مطبوعة وملموسة؟ أي هل تشعرين أنّ ذلك لا يحافظ على الذكريات واللحظات الجميلة التي تجمع الناس؟

إن أرشفة أعمالي وطباعتها هو أمر مهم جداً بالنسبة لي، فمشاهدة إبداعاتي في شكل مادي يضيف إحساساّ بالعمق والديمومة إلى فني. إنني أقدّر جاذبية الحنين للصور القديمة والروايات التي تغلفها، لذا تتيح لي الطباعة تنظيم أرشيفي بدقة وإنشاء سجل ملموس لتطوري الفني. إنّه بمثابة وسيلة لحماية فني وإحداث انطباع دائم من خلاله.

أين ستركّزين اهتماماكِ في الفترة المقبلة؟

كنت في رحلة لاكتشاف الذات والنمو الشخصي، وأنا متحمسة لمشاركة عصارة جهودي في السنوات القليلة الماضية. هذه السلسلة، التي تتعمق في التجربة الإنسانية والسعي لتحقيق التوافق الذاتي، كانت عملاً محبباً بالنسبة لي. ففي الماضي، ترددت في الكشف عن نقاط ضعفي، لكنني أدركت قوتها الهائلة. لقد سمح لي احتضان الضعف باكتساب فهم أعمق لنفسي وإقامة علاقات أقوى مع الآخرين. أنا متحمّسة لكشف النقاب عن إبداعاتي لأرى كيف سيتردد صداها مع الجماهير. أعتقد أنّ الأصالة والصدق والتجلّي المضمّنين في عملي سيصلوا إلى القلوب والعقول بطرق مميزة.

اقرئي المزيد: أمينة زاهر: صُوري في الموضة تعكس الروح والحركة والحياة

 
شارك