مشاركة تجربة المرض عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما لها وما عليها

يتزايد الدور الذي تؤدّيه وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا، فهي لم تعد للتسلية وحسب، بل باتت جزءاً من يوميّاتنا. واليوم يكتب لها دور جديد تجلّى من خلال ما تقدّم من حديث عن ميساء رعد، إذ ساعدتها هذه المواقع على تخطّي فترات الإحباط التي مرّت بها. فإلى أيّ مدى يمكن الاستفادة منها لتجاوز المشاكل سواء كانت صحيّة أم نفسيّة أم أسريّة؟ وما هي الحدود الفاصلة بين ما يجب مشاركته وما ينبغي أن يظلّ خاصّاً؟

تقول خلود عيسى، الحائزة على شهادة ماجستير في علم الاجتماع من الجامعة اللبنانيّة: «تفتح وسائل التواصل الاجتماعي لا سيّما Facebook وInstagram المجال للمزيد من النقاشات والأحاديث، فتجعلنا نرى ما يحصل معنا من منظار مختلف، وحينها ننتبه إلى شيء فاتنا فتتغيّر انطباعاتنا ونخرج بنتائج أفضل، قد نغيّر قراراتنا ونعدّلها عن قناعة تامّة إثر نقاش ما، بعكس ما يحصل لو استشرنا الأم أو الأب أو حتى الشريك، ففي هذه الحالات نشعر بأنّ الآخر الذي يعرفنا ينظّر ويرغب في فرض رؤيته أو وجهة نظره فنسارع إلى الاعتراض ونخسر الكثير إثر تسرّعنا». 

منبر لتبادل الأفكار
تكمل عيسى: «تشكّل وسائل التواصل الاجتماعي منبراً مهمّاً لتبادل الأفكار إذ تجمعنا بأشخاص من مختلف الخلفيّات والثقافات والأعمار، فنكتشف تجارب كثيرة منها السهل ومنها الصعب. وهنا أشدّد على أنّ معرفتنا بالظروف الصعبة التي يمرّ بها غيرنا تجعلنا نقدّر حياتنا فيزداد شعورنا بالرضى لنخرج من الحوار بنفسيّة مرتاحة ومتجدّدة». وتستطرد الاختصاصيّة: «إنّ الكشف عن تجاربنا القاسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما فعلت ميساء يسمح لنا بالتنفيس عمّا نشعر به من غضب أو خوف أو قلق أو توتّر أو حزن، وحين نتخلّص من هذه المشاعر سواء على الورق أو عبر كتابتها ومشاركتها نكون قد نزعناها من داخلنا، صحيح أنّها لم تختف كليّاً لأنّها في داخلنا ولكنّها تتقلّص بشكل كبير، كما أنّ انشغالنا بقراءة التعليقات والردّ عليها يلهينا عن التفكير فيها فنبعد تأثيرها السلبي عن الوقت الحالي الذي نعيشه، وهو الخيار الأفضل الذي يمكن أن يلجأ إليه أيّ شخص يواجه المشاكل: إبعادها عن تفكيره وعيش كل يوم بيومه».

نقل المعرفة
أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي أهميّتها في نقل المعرفة وتسهيل انتشار المعلومات، وفي هذا السياق تقول عيسى: «في الماضي كانت الأخبار تتأخّر في الوصول من المدينة إلى القرى، أمّا اليوم، فأصبح بإمكاننا معرفة ما يجري في أبعد بقعة في الكرة الأرضيّة بالصوت والصورة، وهذا أمر إيجابي. من جهة أخرى، تمنح هذه الوسائل الناس المهمّشين فرصة الوصول إلى أيّ كان والتعبير عن آرائهم وإيصال أصواتهم، فالجميع على هذه المنابر متساوون، لا أحد أفضل من أحد وكل إنسان قادر على تحقيق الشهرة في حال امتلك فكراً جديداً أو استطاع الوصول بما لديه إلى الآخرين».
وتشير عيسى إلى أنّ الوسط الاجتماعي العالمي ينظر سلبيّاً إلى هذه الوسائل، إلّا أنّها تشدّد على ضرورة عدم التعميم وتقول: «حين يتعلّق الأمر بشخص راشد ومتوازن نفسيّاً ومثقّف، يمكن اعتبار هذه الوسائل مفيدة وفعّالة لجهة إحداث تغيير إيجابي كالتشجيع على التعاطف مع القضايا الإنسانيّة والحثّ على العمل الاجتماعي والخيري وريادة الأعمال».

وقت محدّد
تضيف خلود: «تخوّلنا هذه الوسائل التعرّف على مجالات مختلفة، إلّا أنّه من الضروري ألّا نسمح لأنفسنا بأن نصير مدمنين عليها، بل يجب أن نخصّص لها وقتاً محدّداً نلتزم به وأن نسعى للحفاظ على العلاقات الحقيقيّة في حياتنا وتطويرها وتحسينها مستفيدين ممّا نكتسبه من Facebook أو Instagram أو Twitter». 
وبالعودة إلى حالة ميساء وغيرها من الحالات المشابهة، تقول الاختصاصيّة الاجتماعيّة: «حين يتعلّق الأمر بالمرض، أيّ شيء من شأنه أن يساعد المريض ويرفع معنويّاته مسموح. لذا، لا ضير من الاستفادة من المجتمع الافتراضي لكسب الدعم وأخذ شحنة من الطاقة الإيجابيّة والشعور بالراحة ولو لبعض الوقت، ولكن قد تكون التعليقات قاسية أو سلبيّة في بعض الأحيان، لذا أعود وأشدّد على أهميّة تمتّع الشخص بالثبات النفسي والقوّة لتحمّل أيّ نوع من الكلام كي لا تترك هذه الوسائل أثراً سلبيّاً لا بل مدمّراً على الفرد».

من جهة أخرى، تسمح هذه الوسائل بزيادة الوعي حول أمراض كثيرة ومنها سرطان الثدي، وفي هذا الإطار تقول عيسى: «أحياناً تكون قصّة مثل قصّة ميساء دافعاً لنا نحن السيّدات كي نجري الفحوصات الطبيّة، وفي هذه الحالة لا ضير من القليل من الخوف لأنّه قد يقينا من معاناة كبيرة مستقبلاً».

اقرئي أيضاً: القضاء على السرطان من جذوره بات قريب جداً

 

 
شارك