ماري آنا جرماني: الأرض التي نعيش عليها تتطلب منا خيارات جديدة أكثر وعياً

الوعي بأهمية وخطورة تأثير الإنسان على البيئة لم يعد أمراً ثانوياً في حياتنا العصرية، بل بات حاجة ملحة يجب أن تكون في ذهن كل من يفكر بافتتاح مشروع جديد في أيّ من القطاعات الحيوية والاقتصادية، فكل خطوة وتصرف مهما بدا صغيراً يؤثر على البيئة بل ويترك آثاره لسنوات طويلة إلى الأمام. من هذا المنطلق كانت فكرة مشاريع خمس شابات عربيات ناجحات في مجال الاستدامة، فاستحقين أن نلقي الضوء عليهن في عدد مخصص لهذه الأرض ولكل ما يسمح لنا بحمايتها والحفاظ عليها، لتكون المكان الذي نبدأ منه ونذهب إليه. تعرفي على 5 قصص ملهمة وابدأي معها عامك الجديد.

تبدو أحلامها وطموحاتها وأفكارها أكبر بكثير من سنوات عمرها العشرين، إنها الفنانة والناشطة في مجال البيئة اللبنانية – الأكورانية، ماري آنا جرماني، التي قدمت خلال العام الفائت فيلمها السينمائي القصير الأول، فقامت بتأليفه وإخراجه والتمثيل فيه، كما أنها قامت بإطلاق مشروع بيئي باسم: Green Fashion هدفت من خلاله إلى تمكين النساء في محيطها من خلال تعليمهن الحرف اليدوية التي تقوم على إعادة التدوير. تعرفي أكثر عليها وغوصي في عالمها الثري.

فرصة للتوعية بمخاطر انتشار الموضة السريعة

تقول "قضيت معظم حياتي في الطبيعة، نظراً لكوني ابنة قرية لبنانية جبلية، واعتدت أن أحبها وأحترمها وأستمتع بأوقاتي فيها، وهذا الحب دفعني إلى أن أتبع قواعد الاستدامة البسيطة التي بمتناولي في حياتي اليومية، وهي بالمناسبة ثقافة اتبعها أهلي في بيتنا على الدوام. كنت دائماً أبحث عن فرصة تجعلني فاعلة أكثر في مجال البيئة، وقد وجدتها في برنامج تابع لمنظمة غير حكومية هو: Female campaigning School، حيث توجب علينا إطلاق حملة توعية حول موضوع معين، وقد اخترت موضوع الاستدامة في مجال الأزياء، نظراً لانتشار الموضة السريعة وتأثير المخلفات الناتجة عنها السلبي على الطبيعة، على الإثر صرت أنظم ورش عمل لتبادل المعلومات والأبحاث، ومع الوقت ازداد التأثير الذي بدأت أحدثه في المجتمع المحلي، وباتت ورشي مقصداً للنساء الباحثات عن تعلم حرفة يدوية مفيدة ومسلية، تقوم على إعادة التدوير الأقمشة والدنم خصوصاً، وتحويلها إلى أكسسوارات وحقائب وقطع ملابس جديدة".

مشروع مستدام ناجح على الصعيد العالمي

تضيف "بعد نجاح مشورعي الأول، قررت المشاركة في برنامج آخر يتعلق بإدارة الأعمال وتطويرها وتمكين المرأة ونشر الوعي بالاستدامة وإعادة التدوير، وقد استفدت كثيراً منه لأنه مدني بالحس الإداري اللازم لكي أنجح في أهدافي التوعوية، ما انعكس على مشروعي فأطلقت تحدي تحت عنوان: upcycling challenge، وشاركت فيه ضمن مسابقة كبيرة في برلين، حيث قدمت مشورعي أمامهم وحظي بإعجاب عالمي كبير، وحصلت على المركز الثالث من أصل 300 مشروع تنافس معي، واليوم ما زلت مستمرة بدعم ومساعدة والدتي في تنظيم ورش عمل في لبنان، لدعم السيدات وتشجيعهن على تعلم حرفة يستفدن منها مادياً من جهة، ويزيد من خلالها وعيهن على أهمية الاستدامة وإعادة التدوير من جهة ثانية".

ماري آنا هي في الأساس فنانة وموسيقية ومغنية وممثلة شابة تطمح بتحقيق ذاتها في هذا المجال، فكيف تمكنت من التوفيق في شخصيتها بين هذين المجالين؟ تقول "هذه الأرض التي نعيش عليها وننعم بخيراتها، تتطلب مني أن أخصص وقتاً لها ولا سيما حين أرصد تأثير ما أقوم به ولو على شخص واحد، لذا استمريت بالتعلم وتطوير معرفتي بإعادة التدوير وحرصت على نشر مشروعنا عبر وسائل التواصل، لكي يزداد أثره في المجتمع".

خيارات مستدامة متوفرة في كل القطاعات

سألناها: أنت فتاة شابة تمثلين كثيرات من سنك، كيف تنظرين إلى الموضة السريعة والصيحات المتغيرة؟ كيف تنصحين الشابات أن يخترن أزياء تعكس هويتهن وشخصيتهن الحقيقية بغض النظر عن التقليد الأعمى للغير ولا سيما للمؤثرات والنجمات الشهيرات؟، فأجابت "سيكون هناك دائماً صيحات جديدة وسنعجب بها بالتأكيد لأنها تعكس ما يجري حولنا عالمياً، ولكن يمكننا تقليل انفاقنا على الموضة، فنكون حريصين على تأثير خياراتنا على البيئة، ونبحث قليلاً لنجد خيارات مستدامة، نحتاج فقط إلى إدراك تبعات خياراتنا على الطبيعة حولنا، ومن هنا ضرورة ازدياد التوعية بين الشباب على أهمية الحفاظ على البيئة، فنحدث تعديلات بسيطة في عاداتنا لكي نراعي مستقبل بلادنا وطبيعتها".

وعن مخاطر الاستمرار على النهج الحالي في استهلاك الموضة السريعة، تقول "يوجد حوالى 100 مليون طن من الاقمشة المهدورة كل سنة، وهذا رقم كبير جداً ومخيف لأن تأثيره سلبي جداً على البيئة، ونرى أن الموضة السريعة في تزايد مستمر، ولا سيما مع سيطرة شي إن على السوق حالياً، بحيث يقدم مجموعات ملابس وأكسسوارات خاصة للصيف مثلاُ، وأخرى للعودة إلى المدرسة أو للجامعة.. والمستهلك يقبل على الشراء بكثافة، ويحصل أحياناً أن نشتري القطعة ونرتديها لمرة واحدة فقط، ونرميها أو نتخلص منها لأنها لم تعد ملائمة لصيحات الموسم المقبل، من هنا أشدد على أهمية الوعي بالخيارات التي نقوم بها، فنوفر في أموالنا ونراعي البيئة من حولنا".

حسنات تسوق السلع المعاد تدويرها

حول حسنات تسوق السلع المعاد تدويرها، وكيف يمكن أن نصل بها للمستهلك ونجعله ينظر إليها على أنها سلع فاخرة، ترى الناشطة البيئية "يحصل ذلك عندما نعرف أهمية القطع التي نشتريها وقصتها وخلفيتها، والجهد الذي تقوم به الجهات التي تنفذها، فنحن حين نختار هذه السلع، ندعم أفراداً بحاجة إلى المساعدة، ونلقي الضوء على مواهب وقدرات محلية كبيرة، فالحرف والصناعات اليدوية، تشكل صورة عن تراث وثقافة الشعب، والمحافظة عليها هو واجب وضرورة في زمننا الحالي، كما أن دعمها مادياً يمكن ان يسهم بتحسين جودتها وجعلها تصل إلى مطاف السلع الفاخرة".

التحرر من الافكار القديمة أساس التغيير والحفاظ على البيئة

تضيف ماري آنا "أؤمن أنا بإمكاننا التحرر من الأفكار القديمة لكي نساهم في إنقاذ أرضنا، فنوقف الهدر في المياه والكهرباء، أنا أراهن على الجيل الجديد الذي يملك الوعي والرغبة بالاحتفاظ بالثروات الطبيعية لوقت أطول، كما أن هناك مجهود كبير تقوم به المنظمات غير الحكومية العربية والغربية، في زيادة التوعية بأساليب العيش المستدام، وأشجع مصممي الأزياء والمؤثرين في مجال الموضة على تحويل الأزياء المعاد تدويرها إلى صيحة، بهذه الطريقة نتمكن من التأثير بجيل كبير من الشباب والشابات الذين يتبعونهم ويتأثرون بهم، لكي يعيدوا النظر بخياراتهم في الأزياء والأكسسوارات، وبشكل عام بكل السلع والخدمات التي يحصلون عليها بسهولة، والتي لها تأثير سيء على البيئة".

حدثتنا ماري آن أيضاً عن موهبتها الفنية والفيلم الذي أطلقته خلال العام الفائت وقالت "التعبير من خلال الفن هو حاجة بالنسبة لي سواء من خلال الكتابة أو التمثيل أو الغناء، فأنا اعتدت على الغناء والتقليد منذ سن صغيرة جداً، وقد درست السينما في الجامعة اللبنانية، لأني وجدت أنها تجمع الكثير من المجالات التي أحبها، وقدمت فيلماً قصيراً هو "بين نارين" اختصر إلى حد ما قصتي، وقد قمت بكتابة السيناريو ومثلت وأخرجت العمل، والسبب مدى شغفي الكبير بالفكرة، فهو يتطرق إلى قصة فتاة تعيش بين هويتين: اللبنانية والأوكرانية، تطرقت إلى موضوع عميق ومؤثر، وجمعت بين عالمين متباعدين من خلال صلات وجدتها في اللغة والشِعر والأدب، لألخص أزمة الانتماء إلى بلدين، وخاصة أنهما يعيشان حروباً وصراعات صعبة، أثّرت على الشعبين وعليّ شخصياً، نظراً لأني أعيش بين أب لبناني وأم أوكرانية، فقدمت حالة مؤثرة لفتاة ضائعة بين البقاء في بلد والدها أو الالتجاء إلى بلد والدتها، وأتمنى أن أكون قد أوصلت الرسالة التي أردتها إلى الجمهور".

الاستمرار في التوعية بقضايا البيئة والمناخ

حول مشاريعها المقبلة تقول "أنا مستمرة في التعلم والتطور والاستفادة من تجارب أشخاص ناجحين حولي، لا أخطط للمستقبل كثيراً ولكني أستفيد من كل الفرص التي تتاح لي للتطور، وأنوي التوسع في مجال التنمية المستدامة، والتوعية بالأمور البيئية، وسأخوض المجال الفني بالتأكيد، ولكني لا أحدّ نفسي في مجال واحد، بل أحب المجالات الفنية والبيئية والرياضية والتوعوية، أريد أن أحدث تأثيراً وأصل للآخرين بأفكاري ومواهبي وقدراتي".

اقرئي المزيد: نسيبة حافظ: رسالتي هي الحث على الاستدامة والاستفادة من المواد المتاحة في محيطنا

 
شارك