حين نتخطّى الخوف لاكتشاف قوّتنا الحقيقية: قصّة ديما التي تحدّت التنمر ونجحت رغم ضعف السمع

الخوف هو ما يعيقنا ويمنعنا من اكتشاف قوتنا الحقيقية وتحقيق الكثير من طموحاتنا، وحين نتحدّاه، سنتخطّاه وندرك كم هي كثيرة قدراتنا. هذا ما فعلته الشابة ديما عنتر التي تعاني من ضعف شديد في السمع، ولكنها لم تسمح لهذا الأمر أن يعيقها من تحقيق طموحاتها ونشر الوعي بهذه المشكلة عبر وسائل التواصل، فتحدّت الخوف وتحدّثت عن الصعوبات التي تواجهها لتنشر رسالة قوّة وأمل.

THE STORY

اسمي ديما عنتر وأنا لبنانية، ولدت في سيراليون، وفي خلال عامي الأول اكتشفت أمي أنّني أعاني من مشكلة في السمع، فأنا لم أكن أردّ حين تتحدث معي أو أتفاعل مع محيطي كمن هم في سني. وبعد العديد من الفحوصات، شُخّصت حالتي بضعف شديد في السمع وكان عليّ الاستعانة بالسمّاعات والبدء بالذهاب إلى معالج نطق. رفضتُ في البداية وضع السماعات، وكنت أرميهم بعيداً، ولكن أقنعتني والدتي أنّ ذلك لمصلحتي، وأجبرتني على ارتدائها كل يوم، حتى اعتدت عليها وكنت متحمسة بعدها لسماع الأصوات المختلفة. اليوم تلعب هذه السمّاعات دوراً مهماً في حياتي، فهي تساعدني على التواصل بسهولة مع الناس وتجعل حياتي أسهل، لذا أنا ممتنة كثيراً لهذا الاختراع.

في أفريقيا، لم يكن لديّ سوى أمي. كانت هي الوحيدة التي ساعدتني في كل شيء يتعلق بمشكلة السمع. وفي سن الثالثة عشر، بدأت الأمور تزداد صعوبة بالنسبة لي حيث قرّرنا الانتقال إلى لبنان وقد كان ارتيادي مدرسة عادية تحدياً كبيراً إذ كنت أتعرض للتنمر من قبل العديد من الطلاب، ولكن هذا لم يمنعني من التركيز على دراستي. بعد سنوات قليلة، تخرجت من المدرسة وذهبت إلى الجامعة، وكان تخصصي هو التصميم الغرافيكي الذي ساعدني أكثر في حالتي، حيث استفدت من التكنولوجيا للتعبير عن نفسي بطريقة أكثر إبداعاً باستخدام العديد من البرامج على الكمبيوتر.

تخرجت من الجامعة وأعمل حالياً كمصممة غرافيك مستقلة، وأنا أيضاً مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أسعى لزيادة الوعي بفقدان السمع. أعتز وأفتخر أنّني فتاة طموحة ومجتهدة ومتفائلة ومصممة دائماً على النجاح.

THE TURNING POINT

كنت أخفي السماعات وأترك شعري مفروداً إلى أسفل وجهي، ولم أشعر بالرضا أبداً. لقد شعرت بالحرج من أن شخصاً ما قد يراها ويشير إليها، لكن بعد سنوات من الصعوبات الإجتماعية ومع ازدياد نضجي، صرت أشارك مشاعري وازدادت ثقتي بنفسي.ببساطة، لقد تحررت وصرت أحب السماعات لأنّها جعلتني ما أنا عليه اليوم، فهي جزء من هويتي، لذا لا أخجل منها بل أظهرها بكل ثقة.

THE DIFFICULTIES

في المدرسة الثانوية، كنت أتعرّض للتنمّر من قبل العديد من الطلاب، وتركوني وحدي من دون مساعدة... كانت هذه أصعب سنوات حياتي، اعتدت على إخفاء أذنيّ بشعري ولم أشعر بالرضا عن بشرتي.

من ناحية أخرى، أحب مشاهدة Netflix كثيراً والفيديوهات التعليمية على YouTube. والشيء الإيجابي هو أن Netflix تقدم ترجمة وخيارات خاصة لذوي الاحتياجات الخاصّة. أما YouTube، فلا يوفّر هذه الخيارات للأسف، ولهذا السبب وصلت إلى نقطة أعتمد فيها على قراءة الشفاه، وهذا أمر صعب للغاية. لذا أطلب من هذه الشركات العالمية أن تفكّر بنا وتمنحنا خيارات مريحة.

أواجه أيضاً صعوبات في عملي كمصممة غرافيك، فأنا لا أستطيع الرد على المكالمات أو الاستماع إلى الملاحظات الصوتية، وأعتمد فقط على الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني ما يجعل الأمر أكثر تحدياً وصعوبة لعملائي ولنفسي.

THE COURAGE

أنا اليوم قوية وواثقة وشجاعة بسبب دعم أمي وإيمانها بي، فهي التي لطالما أكّدت لي أنّني سأنجح وقد منحتني الدّافع الذي أحتاجه للكفاح والاستمرار بالعمل والسعي والدراسة. على الجانب الآخر، أنا محظوظة جداً لأن لديّ عائلة رائعة دعمتني منذ اليوم الذي تم تشخيص إصابتي بفقدان السمع. فالدعم المجتمعي أساسي جداً ومهم لزيادة الثقة بالنفس والاستمرار في السعي.

THE AWARENESS

حين كنت في الجامعة، كنت أدرس مادّة وهي Communication Skills وطلب منّا الأستاذ مشاركة تجربة شخصيّة مؤثّرة كجزء من مشروع جامعي ضخم. في البداية لم أكن مستعدة لمشاركة قصّتي إذ لم يكن لدى أحد أي فكرة عن وضعي الخاص. كنت خائفة جداً من اختبار المشاعر القاسية التي عشتها في المدرسة الثانوية بسبب تنمر الزملاء.. ولكن لحسن الحظ تلقيت ردود أفعال مختلفة تماماً، فبعد أن شاركت قصّتي أمام زملائي، رصدت تأثّر الجميع بكلامي ومدى احترامهم الكبير لي، وسمعت عبارات مثل: ما مدى شجاعتك في مشاركة هذا الموضوع معنا؟ أنت بالفعل إنسانة قوية وملهمة. وهذا ما جعلني أدرك أنني محبوبة وموضع تقدير.

وفي وقتٍ لاحق، قبل سنتي الأخيرة في الجامعة، كان لدي دورة دراسيّة عليا تطلب من كل طالب اختيار موضوع والقيام ومناقشته والتوصل إلى أفكار جديدة وملهمة من خلاله. قرّرت التحدث عن فقدان السمع وعن حياتي مع هذه الإعاقة السمعية، وعن كيفية سماعي ورصدي لمختلف الأصوات من حولي، ومن جديد، صُدم الجميع لأنّهم لم يظنوا أنّني أمتلك هذه الثقة الكبيرة للتحدث عن الموضوع ونشر الوعي حوله، وأكدّوا لي مدى استفادتهم مما قلته، فللأسف هناك الكثير من المعلومات المغلوطة وحتى المفقودة عن موضوع ضعف أو فقدان السمع
في مجتمعنا.

فلقد اتّخذت قراراً حينها بالتغلب على الخجل والتحدّث عن نفسي بثقة ونشر الوعي على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل أساسي على Instagram لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا ما أقوم به من خلال صفحتي dima_antar التي يتابعها أكثر من 16 ألف شخص، فأبرز نمط حياتي والتحديات اليومية التي تواجهني وكيفية تغلبي عليها، علّني بذلك ألهم غيري ليعيش مع اختلافه من دون خوف أو خشية من قسوة المجتمع. لقد كان هذا الأمر أصعب قرار اتخذته في حياتي ولكن الوقت أثبت لي أنه أفضل قرار اتّخذته!

THE FUTURE

أطمح بتحقيق المزيد من النجاح وأن أكون مصدر إلهام ومساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يواجهون تحديات مماثلة. يجب أن يكونوا دائماً أقوياء وشجعان ومصممون على النجاح، لنستمر أنا وهم في كسر كل الحواجز وزيادة الثقة بذاتنا وإفهام المجتمع أننا قادرون رغم اختلافنا على تحقيق كل ما نرغب فيه. أريد أيضاً الاستمرار في رفع صوتي كفتاة تعاني من ضعف السمع... لقد ألهمت الكثير من الناس وأنا سعيدة جداً بذلك، فقد ساعدت الكثيرين في التغلب على مخاوفهم. 

 
شارك