يوم المرأة الكويتية 2022.. مها العساكر: أتمنى أن أكون مثالاً أعلى لفتاة كويتية صغيرة ترى أعمالي وتتأثر بها

نحتفل بالمرأة الكويتية ونلقي الضوء لمناسبة يومها الذي يحل في 16 مايو على نساء كويتيات نجحن في مجالات حيوية عدة، من العلوم إلى الكتابة والتصوير والتسويق والرياضة والفن والموضة، فنستشف من تجاربهن نبذة عن التحديات التي خضنها ونكتشف كيف حولنها إلى فرص ليكن من أهم الشابات اللواتي يعتبرن اليوم مثالاً أعلى في النجاح والإصرار وراء الطموح والتميز.

هي مثال للمرأة القوية التي تخطت محطات حياتية قاسية من خلال الفن، فلم تسمح للألم أن يهزمها بل قررت أن تتحداه لتظهر من خلاله أجمل ما في شخصيتها ونفسها من مواهب كامنة، هي المصورة والفنانة البصرية الكويتية مها العساكر.

لجأت إلى التصوير لتخطي صدمة حياتية مررت بها، فكيف ساعدتك الكاميرا في إفراغ حزنك والتخفيف منه؟

توفي والدي في حادث سير، وكان رحيله صدمة كبيرة، صحيح أني واجهت الموت قبلاً مع أشخاص في محيطي ولكن الأمر يختلف كثيراً حين يحدث مع شخص جد قريب منك، خلال الفترة التي تلت وفاة والدي أحسست أني مبتورة، وكأني شجرة قد قصّت جذورها، ولم أعرف كيف أعبّر عما أشعر به، كنت ضائعة ومحملة بالألم، لم أستطع أن أنام أو أتواصل مع من حولي، كنت أنظر إلى المرآة ولا أعرف نفسي، وفي تلك الفترة نصحتني إحدى الصديقات باللجوء إلى التصوير، وبقدر ما كانت الفكرة غريبة إلا أني جرّبتها، فأخذت الكاميرا وذهبت إلى البحر، ولاحظت أني منذ لحظة وضعت الكاميرا أمام عيني، بدأت برؤية الأمور بشكل مختلف، فنشأت علاقة حميمة بيني وبين هذه الآلة، وباتت الوحيدة القادرة على تشتيتي عن واقعي، فبت أعبّر عن ذاتي وما يختلجها من مشاعر من خلال الصور وليس الكلمات.

عشت سنوات بعيداً عن الكويت وعمّقت معرفتك بتقنيات التصوير، فكيف غيرت الغربة في شخصيتك وماذا أضافت لك؟

درست الهندسة الصناعية وعملت لفترة في الاستثمارات كما أني ممتازة في التعامل مع الأرقام، فأنا منذ صغري بارعة في أكثر من مجال، وأحب التحدي والتجربة ولا أرضى بالفشل، لكني كنت بعيدة جداً عن المجالات الإبداعية والفنية، حياتي كانت رائعة ومثالية لمن يراها من بعيد، فأنا شابة ووظيفتي مميزة ووضعي مرتاح، ولكن في داخلي كنت أعيش صراعاً نفسياً كبيراً، فقد كنت مكتئبة، بقيت في سريري لمدة أسبوعين من دون أن أعرف ما الذي يزعجني، في الحقيقة كان جسمي يرفض شكل حياتي الحالي، ويحثني نحو التغيير، وقد بدأت بالفعل في البحث عما يعجبني، من دون أن أخبر أهلي وأصدقائي لأني أعرف أنهم سيحثوني على الرجوع عن أفكاري الجديدة، وسيطلبون مني البقاء في وظيفتي الثابتة والرائعة. في ذلك الوقت حاربت لكي أسيطر على وضعي النفسي وللتخلص من القلق المزمن ونوبات الذعر التي كانت تصيبني، وتلقيت العلاج وحصلت على أدوية مساعدة لفترة، وكنت طوال الوقت أبحث عن شغفي فكان التصوير. علمت نفسي بنفسي، فكنت أبحث عبر الإنترنت، وأتعرف على فنانين ومصورين وأطرح عليهم أسألتي، كما شاركت في ورش عمل وبعدها سافرت إلى لندن، وثم إلى نيويورك حيث بقيت لعامين. عرفت لدى وصولي إلى نيويورك أني سأبقى هناك فتركت وظيفتي وبعت سيارتي، وانطلقت من جديد ومن نقطة الصفر كما يقال. حينها كان اسمي بدأ يلمع في الكويت في مجال التصوير، وكنت قد شاركت في عدة حملات ناجحة، ولكني لم أرغب أن أصبح مصورة تجارية بل رغبت بالمزيد، بالاحتراف والتطور وقد كانت نيويورك غايتي المنشودة لتحقيق ذلك.. هكذا كانت البداية الحقيقية، وما زلت مستمرة، وهنا ألفت إلى أمر ربما أخّر انطلاقتين وهو أني كنت محاطة بأشخاص لا يتحدثون لغتي ولا يفهمونني، فكون الإنسان مبدعاً أو يفكر خارج الصندوق ليس أمراً سهلاً فهناك دائماً الشكوك والمخاوف، لذا نحتاج إلى أصدقاء يفهموننا ويشجعونا ويمهدون لنا الطريق لكي نخرج كل ما يكمن في داخلنا.

هل رسائلك واضحة أم تتطلب تمعناً ويمكن تفسيرها بحسب خلفية كل فرد الثقافية، وما الذي يميز صورك ويعطيها بصمة خاصة؟

أركز في صوري على بناء واقع جديد، وأعكس المشاعر التي تنتابني والصراعات التي عشتها وأعيشها، مثلاً كوني امرأة عربية مسلمة وعصرية تؤمن بأنها حرة، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، فهي أسيرة الأنظمة والقواعد السائدة في مجتمعها، كنت أطرح الكثير من الأسئلة على نفسي في العشرينات: فهل أفكاري طبيعية، أم أنا شريرة وسيئة لأني لست مقتنعة بكل ما هو مفروض عليّ؟ بعدها أدركت أن صراعي لا يخصني وحدي بل هو صراع كل امرأة عربية شابة تعيش في هذا النظام الأبوي، فأنا مها العساكر لم أكن لأكون بهذا التحرر لو لم أكن ابنة بيت مرن وثق بي وسمح لي أن أفكر وأقرر، فالقانون في الوطن العربي للأسف ضد المرأة في الكثير من الأحيان، فأنا لو كنت امرأة معنفة اتصلت بالشرطة لنجدتها، فإن الشرطة لن تتمكن من دخول بيتها لأنه منزل العائلة وله حرمته وخصوصيته. بالتالي أحسست أني أمتلك امتياز التعبير عن نفسي وعن أفكاري لذا قررت العودة إلى الكويت، حتى أكون بالقرب من نساءها فأمدهنّ بالقوة وبحيز الحرية الذي يحتجن إليه لكي يعبّرن عن ذواتهن، ولكي أتحدث مع شابات يفهمنني وقد عشن صراعي ويرغبن بالتغيير.

 

لماذا ركزت في صورك على مواضيع تخص المرأة العربية، وحدثينا عن فكرة كتابك الثوري والخارج عن المألوف "نساء الكويت"؟

ببساطة لأني امرأة تشبه الشابات العربيات فصراعاتنا متشابهة ورغباتنا متقاربة، حين كنت صغيرة لم أجد مثالاً أعلى لأحتذي به، ولم أعثر على شابة تحاكي بفكرها ما أعيشه، ولذلك قررت أن أبني اسماً ومستقبلاً في بلدي لألهم بناته، علّ إحدى الفتيات تقع عينها على أي عمل لي ويلهمها لكي تتبع حلمها.

فكرة كتابي بدأت حين كنت في الولايات المتحدة، حيث كان الناس يصدمون حين يرونني فتاة مسلمة ولكن عصرية وحرة ومرحة، فالفكرة التي كونوها عنا مختلفة كلياً عن حقيقتنا، لذا أردت أن أبيّن لهم حقيقتنا، فكانت الفكرة أن أصوّر نساء في غرفة النوم وهو المكان الذي نرمي خارجه كل المظاهر الكاذبة ونبدو كما نحن فعلاً، في البداية أي عام 2015 لم تتفاعل كثيرات مع طلبي لأن الجميع ربط غرفة النوم بمواضيع حساسة وشخصية، ولكن مع الوقت وبعد رؤية الصور التي التقطتها لأختي ولثلاث شابات من صديقاتي، تشجعت النساء على المشاركة، وأدركن أن الموضوع هدفه المزيد من التمكين، حتى يدرك العالم بأسره مدى قوتنا وشجاعتنا وذكاءنا نحن الشابات الكويتيات. تعاونت في الكتاب أيضاً مع الكاتبة ندى فارس لترفق كل صورة بقصة لأني أردت أن يصير مرجعاً ويحمل قصصاً مؤثرة عن نساء بلدي. أعتبر المشروع من أكثر المشاريع التي نفذتها صعوبة ولكنه استحق بكل تأكيد التعب والمثابرة.

التصوير اليوم بات متاحا وسهلاً بسبب طفرة وسائل التواصل وكثرة التطبيقات المساعدة على تحسين الصورة، فما هي برأيك سلبيات وحسنات هذا الأمر؟

ساعدت وسائل التواصل في زيادة التركيز على الصورة أكثر من النصوص ولاسيما مع ظهور الهواتف الذكية وخيارات التصوير السهلة والمريحة التي تقدمها، فبات اهتمام الناس منصباً على التصوير وعلى إخراج أجمل شكل يمكن الحصول عليه، وهم باتوا ملمون بمعرفة أفضل الزوايا وحتى نوعية الإضاءة، وهذا أمر إيجابي وجميل ولكنه يختلف عن كيفية عمل المصورين المحترفين، فنحن نركز على الرسالة من وراء الصورة، ونعمل على مشاريع كبيرة وحملات محددة المواضيع، وهذا الأمر يصعب على شخص عادي أن يقوم به. أنا لا أتسرع في التقاط الصورة أو في اختيار موضوعها، بل أحتفظ بالتفاصيل في رأسي لكي أختار ما أرغب بإبرازه، لا يعنيني تقديم شكل جميل فقط، فأحياناً أريد أن أقدم صورة تشعرك بأحاسيس متناقضة، يمكن أن تصدمك، من غير الضروري أن تكون جميلة، ولكنها بالتأكيد ذات عمق ومعنى وتأثير.

كيف ترين وجود الشابات في المجالات الابداعية في الكويت كالفن والتصوير؟

نشأت المرأة العربية على الإحساس بالخوف وعلى مفاهيم العيب والحياء المبالغ به، وقد خلق هذا الأمر الكثير من الحواجز أمامها، لأنها تشعر أنها ستتعرض للهجوم مباشرة حين تستعرض فكرة جديدة، لذا نراها لا تتجرأ كثيراً على التعبير عن ذاتها، ولكني أجد اليوم تغييراً كبيراً في طريقة التفكير والتعبير، مع ظهور أسماء واعدة ومبشرة.

ما هي رسالتك للشابات الكويتيات في مناسبة يوم المرأة الكويتية؟

لا أؤمن كثيراً بوجود يوم محدد للاحتفال بالمرأة، بل يهمني أكثر أن ندعم النساء على أرض الواقع ونزيد من وعي ومعرفة الجمهور بالفن الراقي، لكي نمهد الطريق لشاباتنا حتى يخضن هذا المجال ويبرعن فيه، فهذا الطريق هو وسيلتنا الأولى للتطور، أدعو دائماً لكي نكون نحن النساء سنداً لبعضنا البعض بكل الطرق، وقد تلقيت هذا الدعم من محيطي النسائي، وأتمنى أن تحصل عليه كل كويتية.

ما هي مشاريعك في الفترة المقبلة؟

يقام خلال هذا الشهر أول معرض منفرد لي في الكويت مع غاليري CAP حيث سأعرض أكثر من مشروع قمت بتنفيذه، كما أجمع بين الصور والتطريزات وهو المجال الثاني الذي أعشقه أيضاً، والذي ساعدني في تخطي فترات صعبة من حياتي. أترقب بكل شوق مدى تفاعل الجمهورمع المعرض وأتمنى أن يصلهم مجهودي وتلامسهم رسائلي.

اقرئي المزيد: يوم المرأة الكويتية 2022 دانه فيصل مدوه: نقل خبراتي في مجال التسويق طريقتي لخدمة الأجيال الجديدة

 
شارك