لطيفة سعيد: الفن هو الماضي والحاضر والمستقبل...

الصورة الرئيسية: سوار وخاتم من الذهب الأبيض والأصفر والوردي من مجموعة Trinity من Cartier

برأي الفنانة التشكيلية الإماراتية لطيفة سعيد، "الفن هو وسيلة قوية لسرد القصص وتسجيل التاريخ وتمثيل جوانب مختلفة من الحياة. هو جزء من ذاكرتنا الجماعية ووجودنا". لطيفة سعيد هي فنانة ومفكرة ومبدعة إماراتية سعت طوال سنوات إلى فرض حضور قوي ومؤثر وملهم على الساحة الفنية والثقافية في الإمارات، لتكون قدوة للفتيات والشباب الذين يرونها مثالاً للسعي والطموح والعمل الدؤوب للوصول إلى تحقيق الأهداف.

مهمّتها تشمل الإبداع والخيال وتتداخل مع العلوم، فهي فنانة ومصممة تعمل في مجموعة متنوعة من الوسائط والمجالات، كالفنون الجميلة والتصميم والمجسّمات والبحوث. وهي اليوم تطل على غلاف مجلة "هَيا" لشهري الصيف، ونحتفي معها بالمرأة الإماراتية لمناسبة يومها الذي يحل في 28 أغسطس. تعرفي إلى لطيفة أكثر في أفكارها من خلال حوار عميق وملهم بكل المقاييس.

رئيسة التحرير: Sima Maalouf، تصوير: Greg Adamski لدى MMG Artists، إدارة فنيّة وتنسيق: Lana Qatramiz، شعر ومكياج: Sara Yunis،إنتاج: Kristine Dolor،المجوهرات كلّها من Cartier

كيف تصفين الفن؟ هل هو مساحة للهروب من الواقع، أم بمثابة المنصّة للتفاعل وتبادل وجهات النظر مع جمهور واسع؟

بالنسبة لي، لا يكشف الفن عن المفاهيم العميقة للماضي والحاضر فحسب، بل يفتح أيضاً بوابة إلى إمكانيات المستقبل التي لا حدود لها. أعتقد أنّ الفنون البصرية جزء لا يتجزأ من الواقع، وليست عالماً منفصلاً عنه. بالنسبة لي، الفن هو عماد الحضارات وعمودها الفقري، ويلعب دوراً حيوياً في تشكيل مجتمعاتنا وثقافاتنا. يشكّل الفن الجوهر الهيكلي لمجتمعاتنا، ويساهم في تكوين هويتنا وقيمنا ومعتقداتنا. وعلى مر العصور، كان الفن وسيلة قوية لسرد القصص وتسجيل التاريخ وتمثيل جوانب مختلفة من الحياة، ما جعله جزءاً أساسياً من ذاكرتنا الجماعية ووجودنا.الفن هو قوة ناعمة و الجسر الذي يربط بين الدول والشعوب.

ما هو مستوى الحرية الذي يمنحكِ إيّاه العمل في المجال الفني والإبداعي والتصميمي؟

الفن هو البوابة للانطلاق، وهو أيضاً الطريق إلى المستقبل والابتكار، يفتح إمكانيات لا حدود لها للتعاون والتواصل، وهو مرن بطبيعته. من خلال الفن، يمكننا خلق تأثير عميق على الثقافة و الفكر و الحياة، وما أبعد منهما أيضاً. الفن لغة بصرية شمولية بإمكانها أن تتعدّى اللغات و الحواجز بين العالم و البشر.

يعمل الفنانون كأوصياء ثقافيين ووكلاء للتغيير، مستخدمين إبداعهم وتعبيرهم الفني لتشكيل القيم المجتمعية، ورفع مستوى التواصل والتفاعل والنقاش بين الناس، ما يساهم في بناء مجتمع أكثر استنارة وتناغماً

لماذا اخترتِ التعبير عن أفكاركِ من خلال الوسائط المتعددة بدلاً من الأشكال الفنية التقليدية؟

الفن بالنسبة لي هو انعكاس للوقت الحالي، لذا فأنا ألجأ إلى ما هو سائد في يومنا. أعتقد أنّ الفن ليس له حدود ولا يعرف حدوداً، وعندما يدرك الفنان هذه الحقيقة، لا شيء يمكنه أن يحد من إبداعها. أرى نفسي محظوظة لأنني من الإمارات العربية المتحدة، وأتعلم من مناهج ريادتنا الرشيدة ومن معلميني العباقرة، إذ إنّ إرشاداتهم ومعرفتهم ودعمهم يدفعني للتحسّن كل يوم. أهدف إلى مشاركة هذه المعرفة مع الأجيال القادمة. الإمارات العربية المتحدة تمنح الفرص للجميع، إذ تسعى جاهدة لتوفير بيئة مشجعة على الابتكار والتطور. ومن خلال دعم المشاريع والاستثمار في البشرية وتشجيع التعليم والبحث العلمي وتقديم حوافز للمشاريع، تفتح الإمارات أبوابها أمام الجميع لتحقيق طموحاتهم وأهدافهم.

ما هي المواد التي تستمتعين بالعمل بها ودمجها في مشاريعكِ الفنية التي قدّمتِها وتلك التي تريدين تقديمها مستقبلاً؟

بالنسبة لي، المادة هي المعنى، فهي التي ستصل الرسالة من خلالها، لذا أختار المواد بناءً على هذا المفهوم، وأسعى إلى أن تعكس أدواتي التي أستخدمها في أعمالي الفنية، المعاني التي أريد إيصالها للمتلقّي.

كيف يعكس عملكِ الفني تراثكِ وأرضكِ وذكرياتكِ والأحداث التي شكّلت حياتكِ؟

أحب تخيّل المستقبل، وفي الوقت نفسه أعتقد أنني متجذرة بعمق في قيمي وأصولي، لذا يأتي عملي الفني عاكساً لنظرتي المستقبلية، مع وجود روح الماضي العريق الذي يشكّل تاريخ بلدي ويكوّن أيضاً جزاءاً من شخصيتي.

الفن هو طريق الابتكار إلى المستقبل، و يفتح إمكانيات لا حدود لها للتعاون والتواصل، ومن خلاله يمكننا خلق تأثير عميق على العالم

 

ماذا تعني لكِ أرض الإمارات وكيف تصفين نشأتكِ في هذا البلد الذي يجمع بين الأصالة والحداثة؟

تراب دولتي بالنسبة لي بَرَكة. لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة على الدوام حلقة وصل محورية بين قارات وحضارات العالم. إنّها نموذج نادر للغاية لأي فنان يعيش على أرضها، فهي مكان يكرّم ويحتضن المدارس الفكرية المختلفة من جميع أنحاء العالم. إنّه لشرف عظيم لي أن أتمكّن من العيش في خضمّ هذه النهضة الفنية الجديدة التي تحدث في الشرق الأوسط، فما يحصل يمنحنا جميعاً فرصة للتعلّم من الفنانين والمبدعين من جميع أنحاء العالم، وأنا أرى دولة الإمارات العربية المتحدة كنقطة التقاء للثقافة والفنانين والفن والإبداع والإنسانية.

كيف تقيّمين الدعم الذي تقدّمه الجهات الرسمية للفنانات الإماراتيات المعاصرات؟

دولة الإمارات العربية المتحدة تعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في مختلف المجالات، بالإضافة إلى توفير برامج تدريب وتطوير مهني للشباب والشابات. وتحتضن الدولة ثقافات متنوعة، ما يخلق مجتمعاً غنياً بالتجارب والخبرات المتبادلة، ويساهم في بناء مستقبل مزدهر ومستدام، والدعم متاح بالتساوي. ومن خلال تجربتي الخاصة، فإنني أشعر بالامتنان العميق للدعم غير المسبوق الذي تلقّيته لتعليمي الدراسي، فضلاً عن برامج التطوير الفني المتعددة، وقد شمل هذا الدعم العديد من الفرص لعرض أعمالي وتحقيق الكثير من أحلامي وطموحاتي الفنية.

ما هو الدور الذي تلعبينه في المشهد الثقافي والفني والتصميمي الإماراتي؟

أعتقد أنّ مهمّتي الآن هي رد الجميل لدولتي ولكل الجهات التي دعمتني لكي أحقق طموحي وأحلامي، بأن أدعم الجيل القادم من الفنانين، وأوجّههم قدر استطاعتي نحو ما يفيدهم في تقديم رؤيتهم الفنية بالطريقة التي يطمحون إليها.

كيف تنظرين إلى أفكار الجيل الجديد من الفنانين؟ ما هي النصيحة التي تقدّمينها لهم، وهي نصيحة يمكن اعتبارها خلاصة سنوات خبرتكِ في المجال الفني؟

لدينا مواهب كثيرة وتستحق كل الدّعم والثناء، وأنا أقول لكل فنان أو فنانة ناشئة: تجاوزوا الحدود، وابتكروا، وأوجدوا تعريفاتكم الخاصة للفن والإبداع، واحترموا ثقافتكم... فكّروا في كيفية تأثير العمل الذي تقومون به على المستقبل بطرق إيجابية، وكونوا صادقين في رؤيتكم، احتضنوا التعاون ورحّبوا به، وكونوا مرنين، وابحثوا باستمرار عن معرفة جديدة، وشاركوا معرفتكم، ودائماً ردّوا الجميل لهذا الوطن الكريم.

ما رأيكِ في الفن الرقمي ودخول الذكاء الاصطناعي في مجالات الفن والتصميم؟ هل يخدم الفنانين أم يؤثّر سلباً على حسّهم الإبداعي؟

يُعد الذكاء الاصطناعي أداة قيّمة يمكنها تعزيز قدراتنا وتبسيط العديد من المهام. ومع ذلك، سيظل العقل البشري دائماً هو الإبداع الأكثر روعة وتعقيداً. وفي حين أنّ الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة كميات هائلة من البيانات وإجراء حسابات معقّدة، فإنّه في الوقت الحالي يفتقر إلى الإبداع والحدس والعمق العاطفي الذي يُعتبر جوهرياً في الذكاء البشري. قد يكون الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي ضاراً، لأنّه قد يخنق هذه الصفات الإنسانية الفريدة ويقلل من قدرتنا على التفكير النقدي والابتكار والتواصل على مستوى عاطفي أعمق. ومن الضروري استخدام الذكاء الاصطناعي كمكمّل للإبداع البشري، وليس بديلاً له، لضمان استمرارنا في النمو والازدهار فكرياً وعاطفياً.

برأيكِ ما هو الدور الذي يلعبه الفنانون في المجتمعات المعاصرة لتعزيز القيم المجتمعية التي يجب الحفاظ عليها للارتقاء بالإنسان والذوق العام؟

في الجوهر، يعمل الفنانون كأوصياء ثقافيين ووكلاء للتغيير، مستخدمين إبداعهم وتعبيرهم الفني لتشكيل القيم المجتمعية، ورفع مستوى التواصل والتفاعل والنقاش بين الناس، والحث نحو وجود مجتمع أكثر استنارة وتناغماً. تلعب مساهمات الفنانين دوراً حيوياً في رعاية مجتمع يقدّر الإبداع والتنوع والمبادئ الأخلاقية التي يجب أن تظل حاضرة.