كوزميكات: الموسيقى الإلكترونية جديدة عربياً ولكنها واعدة لمستقبل الجيل المقبل
هل يمكننا تخيّل حياتنا من دون موسيقى؟ فلنفكر قليلاً في هذا الاحتمال، ألن يكون من الصعب جداً العيش دون النغمات والألحان وما يرافقها أحياناً من كلمات تثير فينا مختلف أنواع الأحاسيس. هناك قول لأفلاطون يعبّر من خلاله عن أهمية الموسيقى فيقول "الموسيقى هي قانون أخلاقي يمنح الروح للكون ويمنح أجنحة للعقل، تساعد على الهروب إلى الخيال، وتمنح السحر والبهجة للحياة"، أما جبران خليل جبران فقال عنها في قصيدته المواكب "أعطني الناي وغنِّ فالغنا سر الوجود". إذاً أدرك الفلاسفة والشعراء أهمية الموسيقى منذ قديم الأزل، ما يعني أن أوائل شعوب العالم عرفتها، حيث صُنعت الأدوات الموسيقية من الخشب وعظام الحيوانات.
وفي عالمنا اليوم، الموسيقى كفيلة بتغيير مزاجنا وأحياناً حياتنا! النغم السعيد والراقص يساعد على إنتاج الدوبامين والسيرتونين، ما يحرك الفرح والنشاط والحيوية، بينما النغم الحزين يعبر بهدوء إلى دواخلنا ليثير أحاسيس الحنين والشجن والحزن، وتبقى الموسيقى مقصدنا لنهرب قليلاً من يومياتنا وقواعدنا وروتيننا.
نحتفي بهذا العدد بالموسيقى مع 7 فنانات كل منها تبرع في مجالها سواء الغناء، والتأليف الموسيقي، والعزف، والتنسيق الموسيقي، فنكتشف مواهب كبيرة وإمكانات عالية وأحاسيس صادقة، تعبّر عنها كل شابة بطريقتها، لتخاطب وتحرّك عقول وقلوب ومشاعر الجماهير.
حين يعلو صوت الفن والموهبة داخلك فلا يمكن لشيء إسكاته، فبعد مسيرة ناجحة في مجال طب الأسنان اختارت الشابة السعودية Cosmicat أن تنتقل إلى عالم الفن والموسيقى لتكون من أوائل الشابات الذين يقدمون شكلاً مميزاً وجديداً من تنسيق الأغاني أو DJ. تعرفي على مسيرتها ورؤيتها لهذا المجال مستقبلاً.
بعد دراسة طب الأسنان لسنوات والعمل به وتحقيق النجاح كطبيبة، اخترت التوجه نحو المجال الموسيقي وتحديداً تنسيق الأغاني والموسيقى، كيف قررت أن تحققي هذه النقلة؟
الانتقال من عالم الطب الى عالم الموسيقى لم يكن مفاجئاً بل كان على مراحل تدريجية، لطالما أحببت الموسيقى منذ طفولتي وبدأت بجمع الكاسيتات وتسجيل playlists منذ المدرسة الابتدائية. بدأت في كتابة الأغاني واكتشاف أني أستطيع الغناء في المرحلة الدراسية المتوسطة وكانت أول تجربة إنتاج موسيقية لي في مرحلة الدراسة الثانوية وبعدها توقفت طوال فترة الجامعة بسبب ضيق الوقت والضغوطات، لكن كنت مستمرة في اكتشاف ألوان جديدة من الموسيقى وتجميعها إلى الآن. كل هذا كان جزء من حياتي اليومية قبل أن أدخل عالم الموسيقى بشكل احترافي.
هل من حدث معين دفعك للتفكير ملياً فيما تحبينه، وهو الفن والموسيقى، واتخاذ هذا القرار الجريء بالنسبة للشابات السعوديات؟
بعد تخرجي من الجامعة وخلال عملي كطبيبة كنت بالفعل أمارس الموسيقى في أوقات فراغي المحدودة، كنت أعمل 9 ساعات يومياً خلال 6 أيام في الأسبوع من دون متنفس، في نفس تلك الفترة تقريباً أي حوالي عام 2018 كانت بداية موجة التغيير في المملكة، وقد بدأت الفرص الفنية تظهر إنما بشكل ضئيل، كنت مندهشة أنه بالرغم من أن المشهد الفني في ذاك الوقت كان محدودا نوعاً ما لكن الفرص كانت تجدني، ومن أهمها أول عرض عمل تلفزيوني لي على قناةMBC 1 في برنامج "شباب هب"، بالنسبة لي فقد كانت فرصة لا تصدق، لكن الالتزام بهذا العمل والتصوير كان يستدعي كثرة السفر، هذه الفرصة كانت تعني لي الكثير لأنها وجدتني بسبب الموسيقى، وكان واجب عليّ أن أختار بين عملي كطبيبة أو أن اغمض عيني وأدع الفن يأخذني الى حيث يريد، واخترت الاختيار الثاني.
كيف بدأ حبك للموسيقى والتوزيع والألحان؟ ومن هم ملهموك في المجال الفني؟
كنت منذ صغري محبة للفن بشكل كبير، بجانب الموسيقى أيضاً كنت أقوم بالرسم، وتصميم الغرافيكس وتصميم الأزياء و التصوير. كل هذه الاهتمامات تعد برأيي جزءاً لا يتجزأ من صناعة الموسيقى، لكني أعتبر بدايتي الأكبر عندما أطلقت أول عمل لي في عام 2020 مع الفنان الفرنسي Yann Dulché بعنوان Dilemma. خلال فترة الحجر لم يمكن لديّ أي ضوء في حياتي سوى الضوء المنبعث من شاشة الكمبيوتر والسماعات القابعة على أرض غرفتي الصغيرة، وهذا ما دفعني لأن أطور المهارة التي بدأت بها قبل عدة سنوات وأن أخذها على محمل الجد.
لديّ ملهمون كثر، أقربهم لقلبي الفنانون السعوديون الذين وجدت فيهم القوة والإلهام لتحدي الظروف ومتابعة الشغف مثل ناصر الشميمري المعروف بـDesert fish ، ومهند نصار المعروف بـ Vinyl mode والأخوين حسان وعباس غزاوي المعروفين بـ Dish Dash وغيرهم كثر. وعلى الصعيد العالمي ملهمتي الأولى هي Beyonce التي تعتبر مثالاً في الإصرار والتحدي حيث صقلت موهبة عظيمة ووصلت إلى الجماهير بصدق وقوة.
كيف وسّعت معرفتك بمجال التنسيق لتصيري DJ ناجحة ومميزة بأسلوبك الخاص؟
أشعر بأنها مهارة كانت موجودة لديّ في اللاوعي، كنت أقوم بها فأجد الأغاني المتناغمة قبل أن أدرك ما هو عمل الـ DJ أو ما هي نظرية الموسيقى أساساً. عند اكتشافي عالم الموسيقى الإلكترونية عام 2014 تقريباً أصبحت أكثر وعياً لهذا الفن وبدأت بتدريب نفسي عن طريق البحث على الانترنت ومراقبة المحترفين. عام 2017 وبعد احتراف الناحية التقنية من هذه المهارة تبقّى الجزء الأكبر الذي طورته لاحقاً، وهو تحسين الذائقة الفنية وفهم الحضور والمكان والزمان المناسب لاختيار الموسيقى الأفضل.
لماذا لا نرى إقبالاً كبيراً من الشبان والشابات العربيات على هذا المجال؟
لأن الموسيقى الإلكترونية صناعة جديدة على العالم العربي. حالياً يوجد إقبال جيد في السعودية ومصر والبحرين والامارات ولكن اللون الفني السائد هو الموسيقى العربية لكوننا عرب.. أتوقع أن يحصل الإقبال الحقيقي على الموسيقى الالكترونية عندما ينجح الجيل الحالي من الموسيقيين بوضع بصمتنا العربية على هذه الموسيقى كونها للآن تعد أمراً وارد لنا من العالم الغربي لذا، من الضروري أن نضيف ذوقنا وإرثنا الموسيقي عليه لتشبهنا أكثر.
حدثينا أكثر عن كواليس العمل كـdj، صعوبات ومزايا، ربما لا يعرفها كثر؟
الحقيقة هي أنك عندما تكونين أنت "الحفلة" فأنت لا تحتفلين ابداً! حياة الفنان ليست سهلة، الكثير من السفر، بشكل أسبوعي أو أكثر من أجل العمل وليس لأغراض ترفيهية كما يتخيل البعض. الكثير من الجداول والمواعيد والاجتماعات، والعمل خلف الكواليس. أنا أمضي أغلب وقتي في محاولة تعديل ساعتي البيولوجية بسبب السفر، محاولة استرجاع روتيني الطبيعي خلال أسبوع ما لكي يتبعثر آخر الأسبوع مرة ثانية. بالكاد أستطيع رؤية عائلتي، دائرة اصدقائي صغيرة جداً ومحدودة. لكن كل هذا التعب يتبخر عند رؤية الجمهور سعيد ومتفاعل، ويبادلني الإعجاب والتقدير.
صفي لنا شعورك حين تكونين على المسرح وتشهدين تفاعل الجمهور معك؟
عندما أكون على المسرح فأني أنفصل تماماً عن الواقع، أحتاج فقط لكي أكون وحدي مع الموسيقى داخل أفكاري، الغريب أنني أشعر بالارتياح على المسارح الكبيرة أكثر من المسارح الصغيرة. سعادتي الحقيقية تتحقق عندما أرفع رأسي للحظات لكي أرى من حولي مستمتعين، البعض يهتف بإسمي، البعض يأتي بلوحات عليها عبارات لطيفة، البعض يكتب أشياء لطيفة على شاشة جواله لكي أراها، بعد انتهاء العرض افتح هاتفي لرؤية عشرات الرسائل اللطيفة والشكر... كل هذه الأشياء تغمرني بالسعادة والحب والامتنان.
كيف ترين ذوق الجمهور السعودي والعربي الموسيقي اليوم، وكيف تعكسينها من خلال التنسيقات الموسيقية التي تقومين بها؟
الجمهور السعودي والعربي طاقته عالية جداً، ذائقته متنوعة ومختلفة كل مرة، سريع التطور وذكي، واعي وملم بجميع الترندات المحلية والعالمية، ومن الممتع محاولة مواكبته والاستماع لكل جديد.
شاركت في العديد من الفعاليات، فما هي الأقرب إليك والتي تشعرين بالفخر الأكبر بها؟
الأقرب إلى قلبي دائماً هو فعاليةBalad beast التي تقام في جدة كل سنة، كوني في مدينتي على بعد كيلومترات قليلة من منزلي وأحبابي وأيضاَ وجودي في المنطقة التاريخية حيث سكن جدي وجدتي وعاش أبي وأعمامي طفولتهم يعني لي الكثير. في المرتبة الثانية يأتي المهرجان الموسيقي tomorrowland المقام في بلجيكا سنوياً، فهو ممتع جداً ومليء بالطبيعة والكثير من الأشخاص الموهوبين.
تقدمين صورة ناجحة عن شابة سعودية نجحت في مهنتها وهوايتها، كيف تحققين هذه المعادلة الصعبة؟
قوة العلم والتعلّم هي من أهم المباديء التي غرسها والديّ في داخلي، المعرفة هي أكبر كنز، فحين نكتشف جوانب جديدة من ذاتنا أو هويتنا أو عملنا سنصبح أكثر قوة واتزان وثقة.
حدثينا عن تجربة التقديم التي خضتها، هل يمكن أن تتكرر مستقبلاً؟
قبل ست سنوات قدمت برنامج شباب هب على MBC بجانب مجموعة أصدقاء وكان يهدف الى استضافة المواهب ورواد الأعمال السعوديين والتعرف على قصصهم الملهمة لتشجيع الأجيال الصاعدة على الاستمرار للسعي خلف أحلامهم. كانت تجربة مليئة بالتعلم والدروس التي تخص تقديم المحتوى والوقوف أمام الكاميرا والتكيف مع ضغط التصوير الذي قد يستمر لأكثر من 12ساعة يومياً، وهذه التجربة طورتني وساعدتني في أن أرى جانباً مختلفاً من صناعة التلفزيون والفن وأنا جداً ممتنة لها لأنها جمعتني بأشخاص مميزين. ربما تتكرر مستقبلا! لا أمانع ذلك أبداً.
كيف تختاين أزياءك أو الإطلالات الذي ستتميزين بها أمام الجمهور؟
بحسب المناسبة وتوقيتها، ولكن بشكل عام فإن الموضة والأزياء تشكل شغفاً كبيراً لي وهي أداة للتعبير عن شخصيتي وعن الموسيقى الخاصة بي، غالباً أحب أن يكون مظهري مناسباً للموسيقى الالكترونية، التكنولوجيا، الألوان المعدنية، أختار الأكسسوارات البارزة مثل النظارات والقفازات وكل ما يعكس أفكار جيل المستقبل أو رؤيتهم الجديدة.
أحب وأشجع المصممين السعوديين مثل pavone، Aspect doreوهندام، وبشكل عام لا تعنيني صيحات الموضة المؤقتة كثيراً بل أختار منها ما يناسبني، وأركز على إبراز ملامحي العربية بالشعر الأسود وماكياج العينين اللافت.
لك أيضاً تجارب كتابية، ما هي المواضيع التي تلهمك لكي تكتبي عنها؟
أكتب الأغاني بشكل عام، ولكن في صغري كنت أكتب أكثر من الآن، فبسبب طبيعة الموسيقى الالكترونية فأنها لا تتطلب الكثير من الكلام بل بضع كلمات معبرة أقرب للنثر وتحمل في طياتها معاني كثيرة أتركها للمستمع ليبحر فيها، مثال على ذلك نسخة yanndulche من أغنية dilemma التي كتبت وسجلت صوتي بها باللغة العربية، وأغنية "هُنا" اللتي سأطلقها قريباً مع مهند نصّار. . تلهمني سارة طيبة كثيراً في كتاباتها وأيضاً سلمى مراد وأجد نفسي أميل لأسلوبهم.
ما هي مشاريعك وأعمالك الفنية للفترة المقبلة؟
قبل فترة أطلقت الريمكس الرسمي لفرقة camelphat لأغنية running man على تسجيلات مهول وأنتظر إطلاق عدة ريمكسات لأغنيتي مع الفنانة اللبنانية الرائعةss.hh.a.n.a أو شانا باسم Lovers Game، ولديّ مشروع يترقب إطلاقه هذا الصيف مع ملهمي وأستاذي مهند نصار بعنوان "هُنا".
ماذا تقولين لكل شابة تحب الفن وترغب بدخول هذا المجال ولكنها تخشى نظرة المجتمع أو الصعوبات التي يمكن مواجهتها لإثبات موهبتها؟
أقول لها إن الزمن تغيّر الآن والوصمة التي لاحقت الفنان في الماضي لم تعد موجودة، فكوني متعلمة ومثقفة وواعية ولا تنسي أن تحافظي على احترامك لمحيطك ومجتمعك.
كيف ترين الدعم الرسمي السعودي للمواهب الفنية الشابة؟
هناك جهود كبيرة تبذل من وزارة الثقافة وهيئة الموسيقى لدعم المواهب الصاعدة من توفير السبل التعليمية والبعثات والبرامج التدريبية الموسيقية بأنواعها، وهو شيء غير مسبوق وأفتخر به جداً، فالآن أكثر من أي وقت مضى نحن ندرك أن إرث الشعوب يكمن في الفن والرسالة التي يحملها.
اقرئي المزيد: نورا العقيلي: الفن يثري عالمي والكتابة تزيد تمكني كممثلة