فرح الوقيان موهبة شعريّة سارت عكس التيّار

تقف الشابّة الكويتيّة فرح الوقيان بكلّ ثقة على خشبة المسرح لتلقي الشعر الفوري باللغة الإنكليزيّة، ويبدو أنّ الكلمات تنتفض لتخرج من أعماق ذاتها وتصل إلى كلّ من يجلس ليستأنس بأمسيتها الشعريّة. هي لا تستخدم صوتها وحسب، فكلّ حركة من حركات جسمها تعكس المعاني التي ترغب في إيصالها... يداها وعيناها وقدماها وكلّ تفصيل من تفاصيلها تجتمع كي تغزو كلماتها نفوس من حولها، كما أنّ مظهرها الخارجي الأنثوي وتكاوينها الناعمة تخفي خلفها الكثير من القوّة والصلابة والإرادة، هي امرأة عربيّة سارت عكس التيّار واختارت طريقاً يصعب تحقيق النجاح فيه ولكنّها، وبسبب تميّزها وامتلاكها للموهبة الحقيقيّة، نجحت ووصلت بصوتها الساحر والقوي والمؤثّر إلى الجمهور الكويتي، وهي تسعى لتعزيز تواجدها على الساحة العربيّة والخليجيّة في المرحلة المقبلة. 

ما الذي جذب شابّة جميلة مثلك إلى مجال الشعر في الوقت الذي تتّجه فيه غالبيّة الشابّات في وطننا العربي إلى عالم الموضة والجمال؟
الإنسان اجتماعي بالفطرة، لذلك من الطبيعي أن يعطي قيمة كبيرة للتواصل، وقد لاحظنا أنّه ومنذ قرون طويلة وهو يدوّن ويوثّق معتقداته واكتشافاته والحكايات التي يودّ أن يقصّها بهدف التواصل مع الجمهور ومشاركة المعرفة ونقلها عبر الأزمنة. بالنسبة إليّ، لطالما انجذبت إلى تأثير الكلمات وسرد القصص، لذلك حين أكتب أنتقي كلماتي بهدف أن تجد طريقها إلى كلّ من يقرأها فتلمس وجدانه حتّى أنّها قد تخفّف من شعوره بالوحدة.

من تخاطبين بالمادّة الشعريّة التي تقدّمينها؟
أتوجّه إلى الجمهور العريض وإلى كلّ من يحبّ الشعر فأنا لا أستهدف فئة عمريّة معيّنة دون الأخرى، لأنّني أؤمن بأنّ كلماتي ستحرّك مشاعر كلّ إنسان مقدّر له أن يقرأها، وأتوقّع أن تلمس حكاياتي أيّ شخص مستعدّ لأن يفتح قلبه لاحتضانها.

في ظلّ فورة وسائل التواصل الاجتماعي وميل الجمهور العربي نحو الأشكال المرئيّة سريعة الوتيرة، هل تخشين اندثار الشعر والشعراء يوماً ما؟
للأسف، يفتقر كثيرون من حولنا اليوم إلى الصبر وإلى الانتباه اللازم لتلقّي المعلومات واستيعابها بشكل كامل، والسبب ارتباطهم الوثيق بوسائل التواصل الاجتماعي مع تمحوره الملحوظ حول الصور المرئيّة ومقاطع الفيديو القصيرة والسريعة. أنا أخشى ألّا تتنعّم الأجيال القادمة بجمال الكلمات وأخاف أن يغرق الناس في أشكال التواصل السطحيّة السريعة لدرجة ألّا يستوعبوا أساليب تعبيرنا العميقة أو يختبروا تلك المشاعر الإنسانيّة السامية. إنّما في المقابل، أعتقد أنّ الكتّاب والشعراء الشغوفين لن يتخلّوا عن الكتابة لأنّهم يدركون أهميّتها ويؤمنون بأهميّة رسائلهم وقصصهم.

كيف تسعين من خلال أشعارك والمواضيع التي تطرحينها إلى حثّ الشباب العربي على تقدير هذا الفنّ؟
أحاول قدر المستطاع أن تكون كتاباتي بمثابة مرآة تعكس مشاعري وتظهرها إلى العلن، أؤمن بأنّ صوغ أبيات الشعر بأسلوب فصيح وقوي وصدم القارئ في بعض الأحيان هو ما يلمس أحاسيسه ويدفعه إلى التفكير. أعتبر نفسي جزءاً من جيل الشباب لأنّني أتمسّك بدفاعي عن قضاياهم وما يعنيهم، ومن المؤكّد أنّ التعرّف على هذه القضايا والسعي إلى إيجاد حلول لها من خلال التعبير الفنّي يعودان بالفائدة على كلّ من الشاعر والقارئ ويزيدان الطرفين غنى.

حدّثينا قليلاً عن كتابك. هل رغبت في أن توثّقي من خلاله كلماتك؟
يحمل كتابي عنوان Hi, I’ll Love You Anyway وأرى أنّه بمثابة رحلة تأخذنا عبر ثلاثة فصول، الفصل الخاصّ بالقلب بعنوان Elegy، ثمّ الفصل الروحي بعنوان Odyssey، وأخيراً الفصل الخاصّ بالعقل بعنوان Requiem. لكلّ فصل بداية، حبكة ونهاية. ويتمحور الكتاب حول أنواع قبول الذات المختلفة والمراحل الكثيرة التي نمرّ بها قبل التوصّل إليه. وأودّ الإشارة إلى تميّز غلاف الكتاب المؤلّف من مادّة تشبه المرآة والمصمّم خصّيصاً كي يرى القارئ انعكاسه ويتذكّر في أيّ وقت أن يحبّ نفسه في كلّ الأحوال. أمّا في حال اختار أيّ شخص تقديم الكتاب كهديّة، فسيكون بمثابة عنصر يذكّر المرسل والمتلقّي بأهميّة قبول الذات واحتضانها. 

هل تحقّق كتابة الشعر الاكتفاء المادّي للمرأة أم عليها أن تمتلك مهنة ثابتة مع موهبتها هذه؟
يؤسفني القول إنّه لا يمكن للمرأة أن تعتمد بشكل أساسي على كتابة الشعر نظراً إلى الاهتمام القليل بالقراءة عموماً وبالشعر الإنكليزي خصوصاً. إنّما علينا أن نعيد تذكير الناس بأهميّة الأدب والفنون وبدورهما الريادي في الحضارة الإنسانيّة.

ثمّة قضايا اجتماعيّة كثيرة تطال النساء وبالتالي تطالك كشابّة تعيش في العالم العربي. أيّ من هذه القضايا يؤثّر فيك وتسعين إلى التطرّق إليه في أشعارك؟
أتوجّه إلى كلّ من الرجل والمرأة في شعري وأعتمد أسلوب الحوار والسرد بهدف إيصال قرّائي إلى النموّ العاطفي والشخصي. ويهمّني جدّاً التطرّق إلى مواضيع مهمّة مثل حبّ الذات وتحقيق التطوّر الشخصي والنموّ العاطفي... حتى أنّني تحدّثت عن المشاكل العقليّة والنفسيّة بغية التوعية حول أهميّة هذه القضيّة وإزالة وصمة العار التي تحيط بها وتمنعنا من التطرّق إليها.

أيّ من الشعراء العرب والأجانب أثروا أسلوبك؟
الحقيقة أنّ العديد من الشعراء والكتّاب أثروا نشأتي بطريقة ما، وأذكر منهم على سبيل المثال Sylvia Plath ونزار قباني وBukowski Charles وجبران خليل جبران وFernando Pessoa.

ما الذي يلهمك لتأليف قصيدة جديدة؟
أحاول أن أبقى متيقّظة لما تمنحني إيّاه الحياة، فالإلهام مستتر في الكثير من العناصر التي نقع عليها يوميّاً. إنّما تبقى التفاعلات البشريّة والسلوك الإنساني وعلم النفس وروح الدعابة والمغامرات والثقافات المختلفة والتفاصيل البسيطة من حولي أكثر ما يجذبني.

ما الصعوبات الكامنة في الشعر الفوري وكيف تخطّيتها حتّى برعت فيه؟
بدأت رحلتي مع الشعر الفوري عندما عانيت حالة «قفلة الكاتب» وشاءت الصدف أن أتعرّف على مؤسّسة صغيرة لا تبغي الربح تعنى بالتوحّد والإعاقة في الكويت، وقد كان لديّ جلسة شعرية في سوق مفتوح فكتبت الأبيات على آلة طباعة قديمة وقمت بإلقائها وتبرعت بالعائد المادي لهذه الجلسة للمؤسّسة وأعطاني هذا الأمر سعادة كبيرة.

حدّثينا عن الشعور الذي ينتابك عندما تعتلين خشبة المسرح لإلقاء قصيدة.    
تسيطر الرهبة عليّ مع الأسطر القليلة الأولى، إلّا أنّ الثقة تعود إليّ بعدها، خصوصاً عندما أتذكّر أنّني اخترت هذا الطريق كي أكون امرأة قويّة وشجاعة ومستقلّة تمتلك آراءها وكلماتها الخاصّة. وبعدما أؤدّي قصيدتي، ينتابني شعور غامر بالتمكين. باختصار، أرى أنّ الأمر أشبه بدورة تبدأ من نقطة صغيرة وضعيفة ثمّ تصل بي إلى الشعور بأعلى درجات التمكين، بعدها أتوق لاختبار هذا الشعور مرّة أخرى ما يدفعني إلى معاودة الكرّة.

رهبة المسرح مشكلة تعانيها كثيرات. ما نصيحتك لهنّ كي يتخطّين هذا الخوف؟
أنصحهنّ بالتمرّن أمام المرآة أوّلاً ثمّ القراءة أمام الأصدقاء والعائلة. كذلك، أحثّهنّ على التحلّي بالشجاعة وعدم السماح لأيّ شيء بتقييدهنّ وإذا فشلن، عليهنّ المحاولة مجدّداً حتّى يصلن. فالحقيقة أنّ الناس بالكاد يلاحظون إخفاقاتهنّ ولا يكترثون لها، لذا أنصحهنّ بالمثابرة حتّى النجاح.

ماذا تقولين للشابّات الخليجيّات اللواتي يتعرّفن إليك من خلال هذا اللقاء؟
أطلب منهنّ أن يحتضنّ أنفسهنّ ويكنّ حقيقيّات... ابحثن عمّا يوقظ حماستكنّ ثم وسّعن معرفتكنّ فيه وأتقنّه. لا تسمحن للفشل بأن يردعكنّ لأنّ الشغف الحقيقي سيصل بكنّ إلى أماكن لا تتخيّلنها. وأخيراً، أنصحكنّ بعدم التوقّف عن المطالعة لأنّها توسّع آفاقكنّ وتعرّفكنّ على عوالم واسعة.

أنت ابنة الصحراء فماذا تعني لك رمالها؟
في قصيدة لي قلت: «لا تنسوا يا عرب أنّه بإمكاننا ساعة نشاء اختبار روعة الشعور بالحريّة عند المشي حفاة الأقدام على الكثبان الرمليّة الممتدّة إلى ما لا نهاية». كوني ابنة الصحراء ففي داخلي ميل طبيعي للسفر والتعرّف على كلّ جديد، كما أنّني أملك القدرة على التأقلم مع مختلف الظروف وعلى تحرير نفسي من أيّ قيود لتقديم أفضل ما عندي، نشأت وأنا متأثّرة بجمال الصحراء وهيبتها وهنا أذكر أنّ صحراء الكويت تتفتّح في الربيع بأزهار النوير الصفراء والخزامى البنفسجيّة وأذكر عندما كنت في سنّ الثامنة أنّني كنت أشاهدها أثناء تنزّهي في ربوع الصحراء مع عائلتي وبالأخصّ جدّتي مريم وكنت أتطلّع بحماس ولهفة لتفتح هذه الأزهار كما لو كنت أنتظر وصول حبيب غائب. باختصار، إنّ صحراءنا وهي تتزيّن بأزهارها ما هي إلا احتفال يجسّد فرحتي بكوني إنسانة تعبّر بحريّة عن مشاعرها ومهما سافرت لأماكن جميلة ستبقى صحراء الكويت ومياه الخليج العربي متجذّرتين في عروقي وتسيران في دمي.

كيف تعكسين من خلال أشعارك طبيعة الصحراء؟
كتبت ذات مرّة: «بكيت بشدّة حتّى غرقت هذه الصحراء بدموعي»، الصحراء عنيدة وقويّة، تتحمّل قسوة الرياح العاتية وأشعّة الشمس الحارقة، وكذلك الحال بالنسبة إلى أشعاري، وبالتالي فأنا أشبهها إلى حدّ ما.

تتّسم الصحراء بالقوّة والقسوة فأين أنت من هاتين الصفتين؟
أنا قويّة وأتمتّع بقدرة على التحمّل، كما أنّني صلبة وقاسية وشجاعة عند مواجهة أشدّ مخاوفي، قادرة على مواجهة نفسي حين أخطئ، كما وأعاقب من يتجرّأ على أن يخطئ بحقّي ولا أقبل الإساءة لأهلي وأصدقائي.

اقرئي أيضاً: كيت ميدلتون تكشف الصعوبات التي واجهتها كأم وما علاقة ميغان ماركل؟

 
شارك