رين عبّاس تضع برمجة الألعاب الإلكترونيّة وابتكارها في متناول الأطفال

رين عبّاس هي أوّل مبرمجة ومبتكرة ألعاب إلكترونيّة معروفة في عالمنا العربي، انطلقت قبل سنوات طويلة وخاضت العديد من التحدّيات كي تؤسّس شركتها وتصل بها إلى النجاح، لتنشئ لاحقاً أكاديميّة لتعليم الصغار برمجة الألعاب وهي تسعى لتعزيز تواجد هذا القطاع عربيّاً.

حدّثينا عن دخولك مجال ابتكار الألعاب الإلكترونيّة.
في الحقيقة، اختصاصي بعيد عن هذا المجال قليلاً فقد حصلت على شهادتين في الفنون البصريّة وعملت في التصميم والإدارة الفنيّة، ولكنّني كنت أحبّ الرسوم المتحرّكة والألعاب الإلكترونيّة وأجد أنّه عالم واسع ومثير للاهتمام فصرت أجري أبحاثاً عنه، طبعاً واجهت صعوبات كثيرة في استيعاب تقنيّاته ولكنّني لم أتراجع بل قدّمت أعمالاً بسيطة إلى أن رآها أحد معارفي وأخبرني عن شركة تبحث عن موظّفين في لبنان، فذهبت وأجريت مقابلة ونجحت وبدأت عملي كرسّامة ولم أكتف بهذا القدر فقد شجّعني زملائي على التوسّع في أبحاثي عن البرمجة فصرت أشتري كتباً وأدرس هذا المجال في المساء بعد العودة من العمل، قضيت ليالٍ في البكاء لأنّني لم أكن أفهم ما أقرؤه ولكن مع الوقت بدأت أدرك ما هي البرمجة وبتّ أعرف كيفيّة تركيب لعبة، في بداياتي كنت أذهب إلى الشركة في المساء وأظلّ حتّى منتصف الليل غارقة في العمل، وخلال شهرين قدّمت 6 ألعاب، الأمر الذي أعجب القيّمين عليّ فوصلت أصداء عملي إلى أميركا وصرت رئيسة قسم الفنون.

ما هي صعوبات ابتكار لعبة من الصفر؟
حين نحبّ مجالاً ما لا مكان للصعوبات، وأنا أعشق الألعاب الإكترونيّة وأذكر أنّني تنكّرت في طفولتي بزيّ صبيّ كي أذهب إلى أحد أماكن اللعب وأقضي ساعات في ممارسة هوايتي المفضّلة، إذ لم يكن من اللائق دخول الفتيات لتلك الأماكن، وبالتالي كنت أتبع شغفي وهذا ما قادني إلى النجاح. ما حفّزني هو أنّني أنشئ عالماً جديداً بكلّ ما للكلمة من معنى، ففي كلّ لعبة فكرة مبتكرة ومراحل وشخصيّات، وأنا من يتحكّم بكلّ التفاصيل، وبالتالي فإنّ هذه الوظيفة كانت وظيفة أحلامي، أنا الفتاة العاشقة للألعاب الإلكترونيّة بتّ قادرة على خلق شخصيّاتي وإطلاقها إلى الجمهور الواسع.

في العالم العربي شبه غياب للجامعات التي تدرّس برمجة الألعاب الإلكترونيّة. ماذا تقولين عن هذا الواقع؟
للأسف هذا صحيح على الرغم من أنّنا أكثر الأشخاص استهلاكاً للألعاب الإلكترونيّة، ولكن نحن لا نلتفت كثيراً للمجالات الحيويّة والجديدة، لذلك تجرّأت على ترك الوظيفة وكنت من الأوائل الذين أسّسوا شركة للألعاب الإلكترونيّة في لبنان والدول العربيّة. ولأنّني أدرك جيّداً ماذا يعني غياب جامعة أو أكاديميّة لتعليم تقنيّات وأصول ابتكار الألعاب، افتتحت شركة ثانية هي شركة Tech Spica، وهي عبارة عن أكاديميّة لتعليم المراهقين والأولاد الصغار كيفيّة صنع الألعاب الخاصّة بهم. وقد أردت من خلالها أن أفتح الباب وأعرّف مجتمعنا وشبابنا على هذا المجال الذي يوفّر ملايين فرص العمل للخرّيجين في الدول الغربيّة، وأنا مستمرّة في مسعاي هذا حتّى ولو لم تكن الطريق أمامي سهلة، فأنا أعتمد على مداخيلي الخاصّة وأواجه غياب الدعم الرسمي. واليوم، أعلّم البرمجة في الجامعات وأتواصل مع مدارس لبنانيّة لتفعيل تعليم هذه المادّة الجديدة، كما وأتّصل بمؤسّسات في الإمارات والسعوديّة والأردن وأجد تجاوباً كبيراً من قبلهم.

تقدّم بعض الألعاب محتوى لا يناسب الأطفال، فهل تنبّهت إلى ذلك في ما تقدّمينه؟ وهل تدخلين في ألعابك رسائل معيّنة أو تروّجين من خلالها لقيم تناسب مجتمعنا وثقافتنا العربيّة؟
للأسف نحن لا نقرأ تفاصيل اللعبة والفئة العمريّة التي تتوجّه إليها، لذلك يقع أطفالنا على مضمون لا يناسبهم. من جهة ثانية، ثمّة أطفال حسّاسون للغاية وبالتالي يتأثّرون سريعاً بأيّ محتوى حتّى ولو كان غير قاسٍ أو عنيف، وفي هذا السياق أشير إلى أهميّة تواجد الأهل على الدوام في حياة أولادهم وإشرافهم على كلّ ما يتعرّضون له من مؤثّرات كي يقيّموا مدى تقبّل الصغار لما يقعون عليه سواء في الألعاب الإلكترونيّة أم على مواقع التواصل الاجتماعي. أمّا بالنسبة إلى الرسائل أو القيم التي تتضمّنها ألعابي والتي تناسب مجتمعنا العربي، فسأتطرّق إلى أجدد لعبة أطلقناها لتعليم الأطفال قراءة اللغة العربيّة وكتابتها، وهي Antura and the Letters أو «عنتورة والحروف- تعلّم العربي» وقد حقّقت انتشاراً عالميّاً حتّى أنّنا أصدرناها في إسبانيا التي باتت تستعين بها لتعليم الأطفال قواعد اللغة الإسبانيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه اللعبة حازت على 11 جائزة من حول العالم وقد حقّقت من خلالها أحد أهمّ أهدافي وهو البدء بتصدير أفكاري وأفكارنا نحن العرب إلى العالم.

ما هي الخطوات التي تتّبعينها لابتكار لعبة جديدة؟
أبحث بدايةً عن قضيّة معاصرة ومهمّة كي أنطلق منها، وسأعطيك مثالاً على ذلك ففي لعبة «صراع البقاء» التي أطلقناها عام 2016 وحظيت بأكثر من 2 مليون تحميل، تحدّثنا عن أبطال عرب يحاولون تخليص البشريّة من مخاطر الاحتباس الحراري، وقد انتشرت هذه اللعبة سريعاً ووصلت إلى العالميّة وترجمت إلى لغات عدّة، لذا من المهمّ أن نواكب دائماً ما يحصل من حولنا كي نعكسه في الألعاب التي نقدّمها.

هل تشجّعين الشابّات على دخول مجال البرمجة؟
أقول لكلّ شابّة: أنت قادرة على القيام بأيّ شيء تريدينه وخوض أيّ مجال كان فلا تخافي من التكنولوجيا والبرمجة، هي مجال ممتع ومشوّق. ابحثي كثيراً حتّى تجدي ما تحبّينه فعلاً وربّي ابنتك على هذه المبادئ كي تكون قويّة وتنجح في مهنتها وفي بيتها أيضاً.

تأهّلت العام الفائت إلى نهائيّات «جوائز مبادرة النساء من كارتييه». كيف ساعدك ذلك على جذب الأنظار العالميّة إلى مشروعك؟
كانت هذه التجربة إيجابيّة جدّاً على الرغم من أنّني تردّدت كثيراً في المشاركة بدايةً، وقد وجدت فيها تقييماً رائعاً لعملي وشهادة أعتزّ بها. كذلك، خوّلتني مقابلة الكثير من المستثمرين كما وتعلّمت من تجارب النساء اللواتي تعرّفت إليهنّ وتمّت دعوتي على الإثر إلى اليابان كي أشجّع الشابّات على دراسة مجال البرمجة والألعاب الإلكترونيّة. 

ما هي خططك للعام الحالي؟
أسعى إلى تعزيز عمل الأكاديميّة ونشرها في لبنان وخارجه، وقريباً سنتواجد في مدارس دبي والسعوديّة ومصر واليابان وأميركا. هدفي أن أجعل كلّ الأطفال قادرين على ابتكار ألعابهم الخاصّة، وقد تعاملت مع أطفال مصابين بالتوحّد وآخرين يعانون من فرط الحركة وغياب التركيز، وقد تمكّنوا جميعهم من استيعاب المواد وأظهروا تجاوباً كبيراً لأنّ الأولاد يعشقون الألعاب، فكيف بالأحرى حين نطلب منهم ابتكار لعبتهم الخاصّة؟ بالتأكيد سيعجبهم الأمر. أنا أسعى لتغيير حياة الأولاد نحو الأفضل، فالمدارس للأسف تعمل على التلقين من دون السعي إلى تعزيز الإبداع، وهنا يأتي دورنا لا سيّما أنّ الأطفال في سنّ صغيرة يكونون أكثر ذكاء وتركيزاً، لذلك نحن نستقبلهم من سنّ الـ4 سنوات وحتّى الـ16 عاماً ونتوجّه إلى كلّ فئة عمريّة بما يلائمها ويتناسب مع قدراتها.

اقرئي المزيد: فرح الوقيان موهبة شعريّة سارت عكس التيّار

 
شارك