راشيل قليلات: الذكاء الاصطناعي يساعد الفنانين على توسيع حدود إبداعهم
نذكر بالتأكيد الألعاب التي لعبنا بها في طفولتنا وأردنا الاحتفاظ بها للأبد ولكن منعتنا الظروف أو الوالدة أو التغييرات الحياتية السريعة التي حصلت معنا خلال فترة المراهقة، إنّما الفنانة اللبنانية راشيل قليلات رفضت التخلّي عن هذا الجزء من طفولتها الجميلة، وقررت أن تحوّل الدمى إلى أساس أعمال فنية رائعة وجديدة ومختلفة عما هو سائد، فاختارت النحت ثلاثي الأبعاد الذي تُعرّفنا اليوم عليه وتحدّثنا أيضاً عن رأيها بالفن الرقمي وبدخول الذكاء الاصطناعي إلى المجالات الفنية.
ما هي الأفلام والصور والشخصيات التي انطبعت في ذاكرتكِ من الطفولة، وجعلتكِ تحبّين الدمى والألوان والألعاب؟
فيلم طفولتي المفضل كان "L'Histoire Sans Fin" (القصة التي لا تنتهي)، والذي يحكي قصة صبي صغير يصبح جزءاً من مهمة ملحمية لإنقاذ عالم خيالي. أسر هذا الفيلم مخيّلتي بقصصه الغنية وصوره النابضة بالحياة، فأنا ارتبطت برحلة الاستكشاف والمغامرة التي قام بها بطل الرواية، والتي عكست استكشافاتي الإبداعية. بالإضافة إلى ذلك، تركت شخصيات مثل ميكي ماوس وحورية البحر الصغيرة انطباعاً دائماً في نفسي بعوالمها الملونة والغريبة. أحببت أيضاً ابتكار الألعاب لأختي، الأمر الذي زاد من حبّي للدمى والألوان وعالم الخيال الذي تمثله الشخصيات الكرتونية.
كيف قررتِ أن تحوّلي هذا الحب للألوان والدمى إلى فن جميل وقطع فنية لها رسائل ومعاني وقيمة جمالية عالية جداً؟
كان انتقالي إلى الفن تطوراً طبيعياً لاهتماماتي في طفولتي. نشأت في عائلة فنية، حيث كان والدي مشغولاً على الدوام بالنحت والرسم. وسرعان ما تخرجت من المدرسة، بدأت أنا وأمي في تنظيم غرفتي حيث كان علينا التخلّص من الكثير من الألعاب التي تعود لي ولشقيقتي، لكنني لم أرغب في ذلك لأنّها كانت تحمل الكثير من الذكريات، وهي تشكّل مرحلة مهمة في حياتي لا أريد أن أنساها أبداً. لذلك، قررت الاحتفاظ بالألعاب وبدأت في تجربة دمج العناصر التي أراها حولي في فني، وبهذه الطريقة بدأت رحلتي الفنية التي جمعت بين الحنين إلى الماضي والفن المعاصر، ما سمح لي بابتكار قطع لها صدى على مستويات متعددة.
كيف اكتسبتِ تقنيات العمل الفني والنحتي؟ ما هي الصعوبات التي لا يعرفها الجمهور عن كواليس هذا العمل؟
لقد طورت تقنياتي من خلال الكثير والكثير من التجارب، كما أنّ نشأتي في عائلة فنية سمح لي باكتشاف الفنون والتعرّف عليها مبكراً. كانت لدي أيضاً هواية عندما كنت أعيش في باريس وهي زيارة متحف أو معرض فنّي واحد على الأقل في نهاية كل أسبوع.
وبالنسبة للصعوبات، فهناك دائماً بعضاً منها خلف الكواليس، فكل عمل أقدّمه يتطلب التخطيط الدقيق والتفكير بتأنّي بطرق التنفيذ الفني لإضفاء الحيوية على القطع، خاصةً عند دمج التكنولوجيا والعناصر الآلية بالمواد الأولية. هناك أيضاً مشكلات لوجستية، مثل تحديد مصادر الألعاب والمواد المعاد استخدامها والمتطلبات المادية للأعمال النحتية التي قد لا يكون الجمهور على علم بها.
أدخلينا قليلاً على عالم النحت ثلاثي الأبعاد، وكيف يختلف عن المنحوتات التقليدية التي اعتدنا رؤيتها؟
يتضمن النحت ثلاثي الأبعاد إنشاء قطع ديناميكية وتفاعلية غالباً ما تعتمد على التكنولوجيا والحركة. وعلى عكس المنحوتات الثابتة التقليدية، حيث أصمم أعمالاً ثلاثية الأبعاد لجذب المشاهد إلى مستويات حسية متعددة، تتضمن أحياناً الضوء والصوت وحتى الحركة الآلية. يتيح هذا النهج تجربة أكثر حداثة وواقعية، ما يعكس اندماج الحنين إلى الماضي والتكنولوجيا المعاصرة.
صفي لنا أحاسيسكِ حين تعملين على منحوتة جديدة؟ ما هو الجو العام الذي تحتاجينه للعمل؟
العمل على منحوتة جديدة هو عملية مبهجة بالنسبة لي... يبدو الأمر وكأنّكِ تبدئين مغامرة جديدة حيث الإبداع لا يعرف حدوداً. أحتاج إلى جو هادئ وملهم، وغالباً ما أكون محاطة بأغراض من طفولتي، مثل الألعاب القديمة والألوان النابضة بالحياة التي تثير مخيلتي. وفي الكثير من الأحيان، أهرب أيضاً من الاستوديو الخاص بي إلى غرفتي القديمة في منزل والدي للحصول على مستوى أعمق من الخيال والإلهام، والموسيقى ومساحة العمل المنظمة أمران ضروريان أيضاً للحفاظ على تركيزي وإبداعي.
كيف تبدأ الفكرة لتتبلور وتتحول إلى مشروع معبّر أمامكِ؟
عادةً ما تأتيني الفكرة في أوقات مختلفة من اليوم، ويمكن أن تكون فكرة عابرة أو ذكرى أو حنين. وفي اللحظة التي أحصل فيها على رؤية لهذه الفكرة، أكتبها على الفور في دفتر ملاحظاتي وأتوجّه إلى مشغلي في أقرب وقت ممكن للبدء في الرسم وإنشاء قاعدة لمنحوتة أولية من الورق المعجون. ومن هناك، أقوم بتحسين الفكرة وإنشاء محاكاة ثلاثية الأبعاد مع مراعاة المواد والتقنيات والعناصر التكنولوجية التي أرغب في دمجها. وكل خطوة في العملية تقرّب الفكرة من الواقع، وتحوّلها إلى مشروع معبّر وملموس. أمّا إذا كنت أقوم بإنشاء قطعة فنية لعميل أو زبون، فإنّ الفكرة تبدأ من رؤيته الخاصة التي شاركني إياها، لأقوم بعد ذلك ببناء قطعة فنية تدمج رؤيتي ونهجي الخاص مع ما يطمح بالحصول عليه.
يؤخذ على الفن أنّ نخبوي، ولكنّكِ بسّطتِه بطريقة جميلة. كيف حققتِ هذه المعادلة وما هي رسائلكِ من خلال الفن الجديد والمختلف الذي تقدّمينه؟
أسعى جاهدة لجعل أعمالي الفنية سهلة وبسيطة ومفهومة، يمكن الارتباط بها وفهمها والتماهي معها، وذلك من خلال الاستفادة من الموضوعات العالمية التي تخص الطفولة والحنين إلى الماضي. تدعو أعمالي المشاهدين إلى إعادة التواصل مع طفلهم الداخلي، ما يوفّر إحساساً بالبهجة والتعجّب والذهول الذي يتجاوز الحواجز الاجتماعية والاقتصادية. رسالتي هي رسالة شمولية، تذكّرنا جميعاً بلحظات السعادة البسيطة والعميقة التي غالباً ما نتجاهلها في حياتنا اليومية.
تغيّر شكل الفن كثيراً في السنوات الأخيرة، فلم يعد عبارة عن مجرّد لوحة وألوان وفكرة، بل دخلت عليه وسائط وطرق وأدوات مختلفة للتعبير. ما رأيكِ بهذه التغييرات، وهل تخدم انتشار الفن أم تغيّر من جوهره ومعانيه الأساسية التي اعتاد الجمهور عليها؟
أعتقد أنّ هذه التغييرات أثّرت على عالم الفن بشكل كبير، حيث أنّ تكامل الوسائط والأساليب وأدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة يتيح تعبيرات أكثر تنوعاً وإمكانية وصول أوسع للجمهور. وفي حين أنّ جوهر الفن وقدرته على إثارة المشاعر ونقل الرسائل لم يتغير، فقد تطورت الطرق التي نختبر بها الفن ونتفاعل معه ونعبّر عنه. ويعمل هذا التطور على إضفاء الطابع الديمقراطي على الفن، ما يجعله أكثر شمولاً وجاذبية لجمهور أوسع. لقد ساعدتني هذه التغييرات أيضاً كفنانة، مثل العديد من الفنانين الآخرين، على تقديم أفكاري بطريقة أكثر تعبيراً وأسرع في الوصول للآخر، وهذا مانراه يحصل أيضاً من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي.
كيف تراعين معايير الاستدامة وأهمية الحفاظ على البيئة في عملكِ الفني والتصميمي؟
الاستدامة هي مبدأ أساسي في عملي، فأنا كثيراً ما أعيد استخدام كنوز وألعاب الطفولة التي غالباً تذهب للنفايات، لأمنحها حياة جديدة في فني. كما أنني أعطي الأولوية للحصول على مواد مستدامة وتقليل الهدر في إنتاجي الإبداعي. ومن خلال القيام بذلك، أهدف إلى ابتكار قطع ليست جميلة وذات معنى فحسب، بل أيضاً مسؤولة بيئياً.
أفكاركِ جديدة وخارجة عن المألوف بتميّزها، ما هو التصميم الأقرب إليكِ أو فلنقل التصميم الذي له مكانة خاصة بسبب فرادة فكرته وطريقة تنفيذه؟
أحد تصاميمي المفضلة كانت جزءاً من معرض Dark Play: A Mobile Sculpture Experience. كانت هذه السلسلة بمثابة أول دمج لي للحركة الروبوتية في منحوتاتي، ما أدّى إلى إنشاء قطع ديناميكية وتفاعلية أسرت الجماهير. فإنّ التفرد في الجمع بين عناصر الحنين من جهة، والتكنولوجيا المتطورة من جهة ثانية، جعل هذا المشروع مميزاً بشكل خاص بالنسبة لي.
ما رأيكِ بالفن الرقمي وهل تستخدمينه في عملكِ؟
يُعد الفن الرقمي وسيلة رائعة وقيّمة أدمجها أحياناً في عملي، فهو يتيح إمكانيات إبداعية لا حصر لها والقدرة على الوصول إلى جمهور عالمي. وبينما يبقى تركيزي الأساسي على المنحوتات والتركيبات المادية، فإنّ الفن الرقمي يكمّل عملي بإضافة بُعد حديث ومتعدد الاستخدامات له.
كيف ترين دخول الذكاء الاصطناعي على المجالات الإبداعية والفنية؟ هل يساعد الفنان أو النحّات أو المصمم ويسهّل عمله؟ أو يسلبه دوره ويمكن أن يلغي وجوده مستقبلاً؟
يُعد الذكاء الإصطناعي أداة قوية يمكنها تعزيز العملية الإبداعية من خلال أتمتة المهام المتكررة وتوفير رؤى جديدة وتقديم طرق مبتكرة للتفاعل مع الفن. ومع ذلك، ينبغي أن يُنظر إليه على أنّه مكمّل وليس بديلاً للإبداع البشري. فإنّ اللمسة العاطفية والشخصية الفريدة التي يجلبها الفنانون إلى أعمالهم لا يمكن تكرارها بواسطة الذكاء الاصطناعي ولن يتم استبدالها أبداً. وبدلاً من ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الفنانين على دفع حدود إبداعهم واستكشاف حدود جديدة ومختلفة كلياً.
ما هي حسنات وسيئات دخول الذكاء الاصطناعي إلى المجالات الفنية والإبداعية؟
تشمل مزايا الذكاء الاصطناعي في مجال الفن بدايةً زيادة الكفاءة وتطوير الإمكانيات الإبداعية ومضاعفة القدرة على نقل أفكار الفنان إلى تمثيل مرئي بنقرة زر واحدة، ما يجعل العملية الإبداعية أسرع بكثير. ومع ذلك، تشمل السيئات احتمال فقدان اللمسة الشخصية وخطر تشابه بعض الأنواع الفنية، كما يؤثّر سلباً على عمل مصممي الجرافيك حيث سيزول دورهم في إنشاء محاكاة لبعض القطع. لذا من الضروري إيجاد توازن حتى يعمل الذكاء الاصطناعي كمساعد وليس كبديل للإبداع البشري.
ما هي مشاريعكِ المقبلة وأين يمكن الحصول على منحوتاتكِ؟
أعمل حالياً على التوسّع في خط أثاث "آرت ديكو" خاص بي، وأسعى لدمج المزيد من العناصر التفاعلية في منحوتاتي. ويمكن العثور على أعمالي في الاستديو الخاص بي في الحازمية، في بيروت والذي افتتحته في ديسمبر 2023، وبعض قطعي موجودة حالياً في ArthausBeirut، في الجميزة، حيث قدّمت منحوتات جديدة ومميزة، كما أنشر أعمالي عبر حسابي على إنستغرام وهو rachelk_studio@.
اقرئي المزيد: المصممة المعمارية هنوف منجد تكشف مدى سطوة الذكاء الاصطناعي على مجال التصميم