أنجي جمّال: عملي الجديد «وطني» وهذا ما تعلّمته من الـ2019

عندما عرض كليب «مجنون» للفنّان اللبناني رامي عيّاش قبل سنوات، تسمّرنا أمام شاشة التلفزيون، رأينا صورة مختلفة، وكأنّ الكليب جزء من فيلم هوليوودي مشوّق، فقد نقلنا التصوير إلى أماكن حقيقيّة في دبي وانتظرنا أن نعرف نهاية القصّة الرومانسيّة بفارغ الصبر، كما وترقّبنا شارة الختام كي نكتشف من هي العين التي صوّرت هذا الكليب وقدّمت هذه التحفة الفنيّة: إنّها المخرجة أنجي جمّال، شابّة شغوفة ومليئة بالطاقة والحماس، لا تعرف التعب ولا مجال للتراجع في قاموسها، وإذا أحسّت بالمراوحة أو بإمكانيّة أن تكرّر نفسها، تبتعد كي تستجمع طاقتها وتعود بزخم أكبر.  

أغنية «مجنون» كانت الانطلاقة الحقيقيّة لك. كيف حصل التعاون مع رامي عيّاش؟
التعاون مع رامي جاء صدفة، فهو صديق زوجي وقد شاهد فيديو عائليّاً كنت قد أعددته بمناسبة يوم ميلاد زوجي وصوّرته بهاتفي الخاصّ فأعجب به ورغب في أن نقوم بشيء جديد ومختلف وقد أطلعته على فكرتي فأعجبته وهكذا بدأنا العمل. لم أتوقّع أبداً أن نحقّق النجاح الذي وصلنا إليه وأعتقد أنّ الأمر ينطبق عليه أيضاً. صحيح أنّني وبعد انتهاء التصوير كنت أشعر بأنّ بين يديّ مادّة ثمينة ومميّزة، ولكنّ حجم النجاح والانتشار فاجأني جدّاً ولم أصدّق ذلك إلّا حين تلقّيت اتّصالاً هاتفيّاً أبلغوني خلاله بأنّني ربحت جائزة الموريكس دور. أدين بنجاحي في هذا العمل بدايةً لزوجي ثمّ لرامي الذي آمن بي ودعمني، وأذكر أنّني كنت أصوّر الكليب وكأنّه آخر عمل سأقدّمه وليس الأوّل، أعطيت فعلاً كلّ ما لديّ وساعدتنا الظروف في الإمارات فقد فُتحت لنا الكثير من الأبواب المغلقة، إذ صوّرنا في أماكن يصعب الوصول إليها بسهولة مثل مدرج الطائرات في برج العرب ومطار الشارقة ومترو دبي. قبل «مجنون» لم أكن أتابع الكليبات العربيّة ولكن بعد نجاحه واتّصال فنّانين وفنّانات عرب بي للتعاون معي، بدأت أطّلع على ما يجري في هذا المجال فأدركت حينها إلى أيّ مدى كان العمل مختلفاً، ما حمّلني مسؤوليّة أكبر إذ لم أرغب في تقديم مستوى أقلّ أهميّة في أعمالي اللاحقة.

أين كنت مختبئة قبل هذا الكليب، وهل تعتبرين أنّ انطلاقتك تأخّرت قليلاً؟
لم أكن مختبئة أبداً فقد كنت مخرجة إعلانات في دبي كما وعملت في التلفزيون لفترة. وبعد زواجي استقلت وكان لعلاقات زوجي مع الفنّانين دور في إدخالي هذا المجال، فقد عرفت العديد منهم عن طريقه، ولكنّ رامي كان أوّل من وثق بي وآمن بفكرتي وأنا أدين له بهذا الموقف وأعرف جيّداً ما يعني أن تكون هناك موهبة جديدة تبحث عن فرصة، لذلك أقدّم هذه الفرص للمواهب الشابّة التي تعمل معي لعلّني أساهم في إيصال فكر جديد للناس.

في 7 سنوات قدّمت العديد من الأعمال المصوّرة. ألم تخشي الوقوع في فخّ التكرار؟
بالطبع أخاف من التكرار وقد مررت بفترة شعرت خلالها بأنّني أراوح مكاني فتوقّفت عن العمل وعدت حين شعرت فعلاً بأنّه لديّ جديد لأقوله. وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ مخرج بصمة خاصّة يمكن رصدها في أعماله وهي ما يميّزه، ولكن حين تتحوّل إلى تكرار يجب أن ينتبه ويغيّر اتّجاهه فلا يعيش على أمجاد ماضيه بل يبحث عن صورة مختلفة يطلّ بها كي يحافظ على الاحترام الذي حصده سواء من قبل الفنّانين الذين وثقوا به أو الجمهور الذي يتلقّى أعماله. 

تبدو أغانيك أشبه بأفلام قصيرة. هل تعوّضين من خلال الكليبات عن إخراج الأفلام؟
كلّا، ثمّة فرق كبير بين إخراج الكليبات وإخراج الأفلام، ففي الأوّل لا يسعني اختيار الموسيقى أو الممثّلين أو تفاصيل أخرى في العمل إذ يقرّرها الفنّان، أمّا عند تنفيذ فيلمي الخاصّ، فسيكون كلّ شيء من اختياري، والخطوة حاليّاً مؤجّلة لأنّ أطفالي ما زالوا صغاراً وتنفيذ فيلم كامل يحتاج إلى التزام، وأنا أمّ متفانية ولا أرغب في التقصير تجاههم... في الكثير من كليباتي كنت أعمل وأنا حامل وحين أنجبت كنت أجلب صغيري معي إلى مكان التصوير حيث كان يخصّص لي مكان لإرضاعه، وأحياناً لم أكن أنام خلال الـ24 ساعة لأنّني لم أكن أرغب في التقصير سواء مع عائلتي أو في عملي، لذلك سأستمرّ في إخراج الكليبات التي أعشقها إلى أن يحين الوقت كي أقوم بإخراج فيلمي الأوّل.

كيف تبنين فكرة كلّ كليب من الصفر؟ وهل تضعين تصوّراً في رأسك للفيديو النهائي؟
يختلف تنفيذ كلّ كليب بحسب الفنّان فأحياناً أستمع إلى أكثر من أغنية لأنتقي تلك التي حاكتني أكثر من غيرها وأحياناً أخرى تكون الأغنية خيار الفنّان، وعليّ الحرص بدايةً على صورته كما ولا بدّ من احترام المشاهد الذي خصّص جزءاً من وقته لمشاهدة العمل وهو وقت ثمين يجب أن يصله خلاله محتوى مميّز على قدر توقّعاته أو تصله رسالة تؤثّر فيه. لا أخفي عنك سعادتي حين تصلني آلاف الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد عرض الكليبات التي أخرجها والتي تحمل رسالة إنسانيّة من نساء كنّ عرضة للحالة نفسها التي قدّمتها، وهنا أذكر كليب «يا مرايتي» الذي تطرّقت فيه إلى العنف ضدّ المرأة، فقد وصلتني عشرات التعليقات من نساء معنّفات قرّرن تغيير حياتهنّ بعد الكليب.

تعاملت مع عدد كبير من النجوم. كيف تمكّنت من ابتكار هويّة خاصّة لكلّ واحد منهم؟
لكلّ نجم هويّته الخاصّة وتاريخه المشرّف، ما أقوم به فقط هو تنفيذ فكرة جديدة هو بطلها، وأنا أسعى قدر الإمكان إلى إقناعه بوجهة نظري فألقى موافقة البعض أحياناً فيما يفضّل البعض الآخر الحفاظ على الصورة التي اشتهر بها.

تظهر النجمات في الكليبات التي تحمل توقيعك وكأنّهنّ خضعن لتغيير في المظهر، مثل نوال الكويتيّة وأحلام ونانسي عجرم وهيفاء وهبي. إلى أيّ مدى تستطيع المرأة إظهار مكامن الجمال لدى الأنثى أكثر من الرجل؟
الهدف من كلّ كليب هو تقديم صورة جديدة للفنّان، وبالتالي من الطبيعي أن أسعى لإظهار الفنّانات بشكل مختلف عن السابق، ربّما من خلال تغيير لون الشعر أو كامل التسريحة أو التجديد في طريقة ارتداء الملابس، وأنا مجتهدة جدّاً في أبحاثي عن الصيحات الرائجة في عالم الشعر والماكياج والأزياء، وأحاول إظهار أجمل ما في النجمات والتركيز على ملامح أو زوايا لم يتمّ إظهارها في السابق، ففي النهاية الكاميرا تحبّ الشكل الجميل وكذلك الحال بالنسبة إلى المشاهد. ولكنّني أؤمن أيضاً بأنّ المضمون القوي يفرض نفسه والدليل ما تحقّقه كليبات النجمة إليسا من نجاح على الرغم من أنّنا لم نركّز كثيراً على الشكل بقدر تركيزنا على المضمون.

هل تظنّين أنّ زمن الكليبات سينتهي قريباً مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي لا سيّما YouTube وInstagram وميل الجمهور لكلّ ما هو سريع ومباشر؟
لا أعتقد ذلك وأتمنّى عدم حصوله، فثمّة دائماً مجال للأفكار الجديدة، كما أنّ المضمون القوي والفكرة الاستثنائيّة والرسالة الهادفة تفرض نفسها حتّى ولو كان الحديث عن فيديو مصوّر بكاميرا الهاتف. لكلّ عصر متطلّباته وأعتقد أنّه علينا أن نواكب متطلّبات العصر الحالي، ولكنّني أتمنّى أن يظلّ الذوق العام ميّالاً نحو كلّ ما هو عميق ومعبّر وألّا يميل الجيل الجديد نحو ما هو سطحي ومادّي فقط، فالفنّ بحدّ ذاته جميل يثري إنسانيّتنا ويحرّك حسّنا الإبداعي، ولهذا السبب نستمرّ بزيارة المعارض أو بالذهاب إلى السينما والمسرح وباعتبار الكليبات المصوّرة نوعاً من أنواع الفنون، لذا لا أعتقد أنّها ستزول.

ما هو الكليب المفضّل لديك؟
كليب «جبران» لرامي عيّاش جميل جدّاً وجديد ولكنّه لم يأخذ حقّه كثيراً. كذلك، أحبّ كليب «يا مرايتي» لإليسا وأشعر بأنّه لامس آلاف النساء، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّني صوّرت هذين العملين وأنا حامل في شهري الأخير... لا أدري، أعتقد أنّه ثمّة علاقة بين الحالة النفسيّة للمرأة الحامل وما تراه وتشعر به خلال أعمالها ونشاطها. 

تطرحين قضايا إنسانيّة تهمّ النساء في كليباتك، فقد رأيناك تتطرّقين إلى العنف ضدّ المرأة والتنمّر وإرادة التغلّب على المرض. إلى أيّ مدى تساعد هذه الكليبات النساء فعلاً على تخطّي مشاكلهنّ؟
تطرّق النجوم في كليباتهم إلى مواضيع حسّاسة ليس سهلاً أبداً، وقد عشت هذا الأمر بشكل كبير في كليب «إلى كل اللي بيحبوني» فأن تقرّر فنّانة معروفة مثل إليسا أن تكشف عن إصابتها بمرض خطير من خلال كليب أمر غير مسبوق، فهي لا تتحدّث ضمن مقابلة بل تشارك مراحل من تجربتها الصعبة من خلال مشاهد متتالية ومترابطة أقوم أنا بتنفيذها. وقد شعرت بهول المسؤوليّة الملقاة على عاتقي والتي حمّلتني إيّاها إليسا فالحديث هنا هو عن أوجاعها ومعاناتها الشخصيّة. وبالطبع، لم نصوّر هذا الكليب لجذب الانتباه الإعلامي أو لتحقيق شهرة ما، بل رغبنا في التوعية حول هذا المرض الخطير وأعتقد أنّنا نجحنا في ذلك وهذا ما يهمّ. أتمنّى أن نحدث تغييراً ولو بسيطاً وأن ننبّه العالم إلى ضرورة عدم الحكم على المظاهر.

برأيك، هل بات النجوم يميلون إلى تقديم كليبات ذات رسائل إنسانيّة لمجرّد مواكبة هذه الصيحة أم أنّهم فعلاً مهتمّون بنشر التوعية حول هكذا قضايا؟
بغضّ النظر عن هدفهم، عندما تحقّق الأغنية النجاح والانتشار وتخدم أيّ قضيّة إنسانيّة سواء من خلال كلماتها أو لحنها أو أدائها أو حتّى إخراجها الذي يحمل توقيعي، يكون الفنّان قد قدّم شيئاً إيجابيّاً ويستحقّ بالتالي التحيّة والتقدير.

ما هي الأفكار التي تسعين إلى طرحها مستقبلاً؟
لديّ مشروع قمت بتنفيذه مع النجمة ماجدة الرومي ويتعلّق بالأرض والعروبة وأصولنا المشتركة وعن ضرورة أن نبقى موحّدين، وقد جاء من مكتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أكنّ له كلّ الاحترام والتقدير. كذلك، لديّ عمل ثانٍ مع فنّان عالمي يتعلّق ببلدي لبنان وهذا أوّل مشروع وطني أنفّذه يحمل رسالة محبّة وسلام. وسأتعاون أيضاً مع نجمة لبنانيّة لتصوير أغنية أبكتني عندما سمعتها للمرّة الأولى، وأنا متشوّقة لإخراجها ولكنّني لن أكشف عن الاسم قبل أن أوقّع بشكل نهائي. 

ماذا حقّقت في العام 2019 وإلام تطمحين في العام 2020؟
كان عاماً مليئاً بالتجارب التي علّمتني الكثير وجعلتني أعرف نفسي أكثر وأجابت عن أسئلة لطالما حيّرتني سواء في ما يتعلّق بمهنتي وما أريد تقديمه مستقبلاً أو بأسرتي، وأكثر ما أثّر فيّ هو ما حصل في الشهرين الأخيرين في لبنان، لذلك أتمنّى الخير لبلدي ولأهله فهم يستحقّون العيش الكريم والهانئ وأن تنتهي الأحداث الأخيرة بشكل آمن وتتحقّق مصلحة الشعب.

اقرئي أيضاً:  رقم قياسي جديد تسجله المرأة في مجال الفضاء

 
شارك