ماذا لو غير المستهلكون عاداتهم الاستهلاكية؟
يعتبر جواب هذا السؤال من أشهر الأجوبة التي نبحث عنها. فاستنادًا إلى علم النفس، نحن البشر بطبيعتنا نتساءل كثيرًا ونراقب ونقوم بأبحاث ونحاول فهم ماذا لو كانت الأشياء بحال غير التي هي عليها الآن، وكيف كان سيكون الوضع وكيف سيتغير عالمنا. وفي عالم الموضة الواسع، تغيّر منظور المستهلكين بشكلٍ واضح. وإذا بدأوا بتغيير عاداتهم الشرائية شيءً فشيء، سيحدثون تأثيرًا إيجابي هائل على البيئة سيكون مفيدًا للجميع في النهاية. التفكير على المدى الطويل بدلًا من المدى القصير، على الرغم من أن الأمر ليس سهلًا، سيحدث الأثر المنشود على الصعيدين الشخصي والبيئي.
وفي السنوات الأخيرة، شهدنا تغيّرات كثيرة، بدءًا من رغبة وعادات شراء المستهلكين. وقد حصلت أهم هذه التغيّرات في خلال فترة الحجر الصحي التي استمرت قرابة عامين والتي لم تؤثر على عمليات الإنتاج فحسب، بل غيّرت منظور المستهلك وقراراته بشكلٍ كبير أيضًا. فبدأ المستهلكون يفضّلون ارتداء ملابس مريحة أكثر أصبحت فيما بعد قطع أساسية في خزانتهم وبقيت قطع قابلة للتبديل والتنسيق بسهولة حتى بعد انتهاء الجائحة. ولكن ماذا لو لم يغير المستهلكون نظرتهم إلى طريقة لبسهم فحسب، بل نوع المنتج الذي يشترونه أيضًا؟ التساؤلات كثيرة، وتمت الإجابة عليها بالتحول الجذري لعلاقة المستهلك بالعلامة التجارية الذي نشهده اليوم.
بدايةً، يتزايد الضغط الاجتماعي على مبادرة الأزياء الأخلاقية اليوم بشكل ملحوظ. فمع توفّر المعلومات والمعرفة اللامتناهي، لا يمكننا الادعاء بأن التوعية البيئية غير منتشرة. فلو لم تكن التكنولوجيا موجودة ولم تتطور بهذه السرعة، لكان بإمكان المستهلكين أن يغضّوا النظر بسهولة عن مصدر المنتجات التي يشترونها، والتي تعدّ محرمات في مجتمعات معينة كشراء الفرو والجلود الغريبة.
فعلى سبيل المثال، ارتفع التحول الرقمي في خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وبكبسة زر، أصبح بإمكاننا الحصول على المنتج الذي طلبناه مباشرة إلى عتبة بابنا بكبسة زر. ويلعب التحول الرقمي السريع والتكنولوجيا دورًا رئيسيًا في إحداث هذا التغيير الجذري لعلاقة المستهلك بالعلامة التجارية القائم على الشفافية وإمكانية تتبع المنتج. فأصبح من السهل التحقق من مصدر المنتج وكيفية صناعته بدءًا من مرحلة إنتاجه حتى وصوله إلى المستهلك، ما يسمح لجميع الأطراف بمعرفة ما إذا كانت المواد المستخدمة آتية من مصادر أخلاقية حقًا ومستدامة. وإن ظهور التكنولوجيا السهلة المنال يمكّن المستهلكين من المشاركة أكثر في عالم العلامة التجارية، فيشعرون بأنهم جزء منه من خلال قدرتهم على التفاعل وإحداث تغيير في قيم العلامة. وقد حققت العلامات التجارية التي استجابت للتغيير في تفضيلات المستهلكين وعاداتهم الشرائية نجاحًا. أما العلامات التجارية التي لم تلتزم بهذا التغيير، فماذا سيحدث لها في النهاية؟ الجواب بمنتهى البساطة، فهي ستتراجع وستفقد على المدى الطويل حصة سوقية كبيرة.
«تقوم العلامات التجارية الرائدة في مجال صناعة الأزياء بخطوات جريئة في المجال الرقمي، وتتخذ إجراءات بشأن الأولويات البيئية والاجتماعية وتركّز بشدّة على التنوع والإنصاف والشمول». -تقرير The State of Fashion 2022 من McKinsey
ومع ارتفاع عدد المستهلكين الواعين، ستضطر العلامات التي تسعى إلى زيادة عدد عملائها في النهاية إلى الالتزام بهذه التغييرات المطروحة منذ فترة والتي لم تكتسب شعبية إلا مؤخرًا بفضل منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت أداة أساسية لإيصال أي رسالة. ويرجّح أن صناعة الأزياء تنتج ما يقدر بنحو 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويًا، ويمكن الحد منها بسهولة على المدى الطويل إذا غير المستهلكون عاداتهم الشرائية وبدأوا أخذ مسألة البيئة الجديّة في الاعتبار أكثر عند شراء الملابس.
ويمكن للمستهلكين أن يحققوا ذلك بسهولة من خلال فهم مصدر الإنتاج والتركيز على تغيير طريقة تفكيرهم والتوجّه من شراء كميات كبيرة من الملابس إلى شراء قطع أقل ولكن بقيمة ونوعية أكبر وتدوم أكثر. اليوم، العلامات التجارية الفاخرة هي الرائدة في عالم الاستدامة، ويعود ذلك جزئيًا إلى تأثير المتسوقين المعاصرين والذين يتمتعون ببعد النظر، بالإضافة إلى زيادة التوعية عن أثر الموضة السلبي على البيئة ونشرها بسهولة عبر المنصات الرقمية التي أصبحت في متناول الجميع.
“ إذا حاولت إنشاء شيء ليستمتع به الناس، وحدث ذلك بطريقة مسؤولة، فعندئذٍ يمكنك حقًا تحقيق توازن مذهل”– Stella McCartney
وتولي علامات تجارية رائدة مثل Bottega Veneta و Gucci و Stella McCartney أهمية كبيرة للاستدامة في نهجها، وهي من العلامات التجارية المفضلة عند المستهلكين الذين يبلغون من العمر 20 عامًا وما فوق ويمثلون القوة الدافعة الرئيسية للتغيير الإيجابي. ,لم تبدأ العلامات التجارية الفاخرة في التفكير والتعامل مع الأمور بشكل مختلف فحسب، بل أصبح مفهوم الموضة المستدامة صيحة في حد ذاته أيضًا، ومقرونة بالحرفية والتراث الغني، تصبح محط فخرٍ لكل من الأفراد والعلامات التجارية.
إن الاستدامة جوهر استراتيجية مجموعة Kering بقدر ما هي جوهر رؤيتها الإبداعية والحديثة للرفاهية، كما تعكس قناعة François-Henri Pinault الراسخة، ألا وهي أن «الرفاهية والاستدامة متشابهتان تمامًا».
بالتفكير على المدى الطويل، سيؤدي تأثير عادات الشراء الإيجابية إلى تغييرات مفيدة، أولها التوفير على المستهلك، نظرًا لأن المنتجات المستدامة وذات المصادر الأخلاقية تكلّف أكثر لأنها مصنّعة لتدوم لفترة أطول، فيعد شراء منتج باهظ الثمن اليوم استثمار طويل الأجل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة عدد المستهلكين الذين يغيرون عاداتهم بشكل جماعي يفيد البيئة ومجتمعهم المحلي كثيرًا، ما يعزز الإنتاج المحلي الذي يتيح في المقابل فرص العمل والتوسع.
إقرئي أيضًا: Iseabal Hendry: حيث تنعكس المينيمالية و البساطة من خلال الاستدامة