
ما الذي يجذب المستهلك إلى عالم الرفاهية؟

تُعتبر الرفاهية، بكل أشكالها ومعانيها، مفهوماً مرغوباً به لدى المستهلكين من جميع أنحاء العالم. ولكن ما الذي يجعل مفهوم الرفاهية مرغوباً به إلى هذا الحد؟ عوامل كثيرة تروي هذه الرغبة وخاصةً في عالم الأزياء والساعات والمجوهرات الفاخرة الشاسع حيث تعمل العلامات التجارية الفاخرة على تزرع في قلوب المستهلكين طوق إلى كل ما هو فريد من نوعه وغير اعتيادي، منتجات لا يمكن الوصول إليها، ما يجعل المستهلكين يرغبون بها أكثر. ولكن لا يكمن نجاح العلامات التجارية الفاخرة بجذب المستهلكين بهذه الطريقة فحسب، بل أيضاً في قصتهم، فغالبية العلامات التجارية الفاخرة المشهورة اليوم والتي نسعى جاهدين للوصول إلى منتجاتها تنبع من تاريخ طويل وتراث عريق وقصة مثيرة للاهتمام وملهمة.
Chanel
Prada
Valentino
أمّا ما يضمن قدرة العلامات التجارية الفاخرة على الحفاظ على معاييرها فهي حصريّة منتجاتها وجودتها، ما يزيد في المقابل رغبة المستهلكين فيها. فابتكار منتجات غير اعتيادية يفتح أبواباً واسعة أمام العلامات الفاخرة أكان ذلك على الصعيد العاطفي أو النفسي أو الثقافي أو الاجتماعي، إذ عندما يتسنّى للمستهلك أن يصل إلى منتج فاخر حصري، سيشعر تلقائياً بالرضا والتميّز.
فتسمح المنتجات بطبيعتها للفرد بإنشاء أسلوب خاص بهم، وهو ما سيميّزه عن الآخرين، وإنّ هذا الشعور بالتميّز كما قدرة التعبير عن الذات من خلال الأسلوب هو ما يجذب المستهلكين إلى عالم الرفاهية. ففي عالم الرفاهية، تركّز العلامات التجارية على خلق تجربة فريدة للمستهلك من خلال تقديم منتجات مبتكرة ستجعله يريد أن يتفرّد عن الآخرين وذلك باقتناء كل ما هو فريد من نوعه وحصري. وإنّ رغبة المستهلك بمفهوم الرفاهية لا يقتصر فقط على الرغبة في الحصول على منتج فاخر، ولكن أيضاً عيش أسلوب الحياة الذي تقدّمه العلامات التجارية الفاخرة، ألا وهو الشعور بالخلود والراحة والتميز.
"إنّ الرفاهية تدخل حقبة "أنا بكل ما من معنى للكلمة" التي تدفعها الرغبة في الابتعاد عن المنتجات المرغوبة من الجميع، وتقدير التفرّد بدل المكانة الإجتماعيّة." - Federica Levato، شريكة في Bain & Company
Dior
وعلى مدار السنوات الأخيرة، تغير عالم الرفاهية بشكل ملحوظ، إذ لعبت الجائحة دوراً رئيسياً في تغيير عادات المستهلكين الشرائية وارتفاع عدد بوابات التسوق الالكترونيّة بشكل مفرط. وبالإضافة إلى ذلك، غيّر اهتمام المستهلك أكثر فأكثر بالشفافية والاستدامة الصناعة بأجمعها. وعلى الرغم من أن الحياة قد عادت إلى طبيعتها نسبياً بعد الجائحة، إلا أنّ التغييرات التي حدثت في خلالها ما زالت سارية إلى حدٍ ما، فما زالت العلامات التجارية تولي أهميّة كبيرة لمتاجرها الإلكترونية كما متاجرها التقليديّة، فالمتاجر التقليديّة مهمّة بالنسبة للعلامات التجارية الفاخرة لأنّ التفاعل المادي مع المنتجات يبني تلقائياً اتصالاً عاطفياً بين المستهلك والعلامة التجارية، ما يساعد في المقابل على تعزيز مصداقية متاجرها الالكترونيّة.
مع التغييرات الجذرية التي حدثت على مدار العامين الماضيين في مجال مشتريات السلع الفاخرة، كانت الظاهرة الجديدة التي دخلت عالم الموضة التحول من مفهوم more is more أي المزيد هو الأكثر، إلى less is more أي الأقل هو الأكثر. فإنّ المخاوف المتعلقة بالاستدامة والممارسات الأخلاقية وأهميتها ومخاطر علامات الأزياء السرية قد غيّرت نظرة المستهلك للإنتاج الضخم، وخاصةً مع الأجيال الجديدة والمتنامية. وفقاً لدراسة أجرتها شركة Mention Me، بات المستهلكون اليوم يفضّلون الجودة على الكمية، فيختارون التعامل مع علامات تجارية فاخرة وشراء عدد منتجات أقل مع التركيز على بناء خزانة ملابس تتألّف من قطع عالية الجودة بدلاً من الافراط في شراء منتجات ذات جودة رديئة.
"تُظهر بياناتنا أنّ المستهلكين يختارون الجودة على الكمية، ما يعكس تحولاً حقيقياً في طريقة تفكيرهم. فإنّ تكلفة المعيشة ومخاوف الاستدامة المتعلقة بالموضة السريعة تدفع المستهلكين إلى شراء ملابس أقل ولكن ذات جودة أعلى وستدوم لفترة أطول. "- Simon Dring، مدير العمليات في Mention Me
Bottega Veneta
Louis Vuitton
في ظل مفهوم less is more، أصبح المستهلك يهتم أكثر بالمينيماليّة، سواء على صعيد جمالية المنتج وتصميمه، أو عدد القطع التي يمتلكها المستهلك، ما أعطى في المقابل الحياة لمفهوم الرفاهية الهادئة أو quite luxury التي تستند على القطع الخالدة التي تتميّز بتصميم بسيط خالي من الشعارات، ما يجعلها متعددة الاستخدامات وسهلة التنسيق لعدة مناسبات مختلفة. ويركّز اليوم المستهلكون الفاخرون، وخاصةً الشباب منهم، على أهمية الاستثمار في قطع خالدة ذات جودة عالية وحرفية لا تشوبها شائبة بدلاً من شراء عدد كبير من القطع الأقل جودة. فقد تطور المستهلك الفاخر بشكل كبير في السنوات الأخيرة إذ لم تعد الموضة الفاخرة مخصصة فقط للأثرياء والمشاهير، بل أصبحت في الواقع موضع اهتمام كبير للجيل الجديد الذي يتأثر بشدة بوسائل التواصل الاجتماعي التي سهّلت الوصول إلى المعلومات أكثر من أي وقتٍ مضى وجعلت مستهلك الرفاهية أكثر وعياً واهتماماً بالشفافية والممارسات الأخلاقية. وفي المقابل، بات المستهلكون يفضلون شراء قطع عتيقة أو vintage وقطع استثمارية ليست مدفوعة بالصيحات ولا تحمل أنماطاً وشعارات بارزة ويتم تصميمها بدقة باستخدام مواد عالية الجودة، ما يتوافق بشل تلقائي مع مفهوم الاستدامة والممارسات الأخلاقية. فعندما يصبح المستهلك يفضّل امتلاك قطع قليلة ولكن بجودة عالية، يكون بذلك يدعم بطريقة أو بأخرى مفهوم الإنتاج الأقل، خاصة عند مقارنته بعملية الإنتاج الضخمة لدى علامات الأزياء السريعة التي تستخدم مواد سامة ومضرّة للطبيعة.
Miu Miu
Alexander McQueen
Alberta Ferretti
نمت الرغبة في المنتجات الفاخرة بشكل كبير على مدى السنوات الأخيرة، خاصة بين جيل الألفية الواعي والجيل زد والجيل واي اللذان يزداد اهتمامهم بمفهوم less is more ومفهوم الـquite luxury والمينيمالية والاستدامة والممارسات الأخلاقية. فعوامل عدة تعزز رغبة المستهلك بامتلاك منتجات فاخرة، بدءاً من العوامل النفسية والاجتماعية وصولاً إلى الشخصية. وقد لعب العالم الرقمي دوراً محورياً في تغيير سلوك المستهلك بقدر منصات التجارة الإلكترونية التي تسير جنباً إلى جنب مع تجارب المتاجر التقليديّة، فكل هذه العوامل تلعب دوراً مهماً في تلبية احتياجات وسلوك المستهلك الفاخر الجديدة.