كليم بشارة: الجيل الجديد أكثر جرأة في دعم الفن وتذوقه والاستمتاع باقتناء الأعمال الجديدة

تغيّر مفهوم الرفاهية عما كان عليه في السابق ولم يعد يرتبط بامتلاك المال والثراء، بل بات يتعلق بالكثير من القيم التي تتخطى بأهميتها الثروة المادية. ولأن الجيل الجديد أدرك هذه الحقيقة فهو يبدي توجهات شرائية جديدة ويفرض على السوق العالمي التكيّف مع متطلباته.

فما هي هذه السلع، وما الذي يبحث عنه الشباب من خلال امتلاكها؟ الإجابة ستأخذنا إلى عالم 4 أسماء عربية لامعة في مجالات عدة، ونتعرف على القيّم الفني كليم بشارة.

بعد نجاحه في المجال الرياضي، وجّه الشاب اللبناني كليم بشارة اهتمامه إلى مجال شغفه الأكبر وهو الفن، فبدأ بتجميع اللوحات للمواهب العربية منذ أكثر من 6 سنوات، وأسس قبل ثلاث سنوات غاليري خاص به في بيروت هو Kalim’s art Space ليعرض فيه أعمال فنانين عرب ولبنانيين صاعدين وذوو مستقبل واعد، فيكون مكاناً شبابياً مخصصاً لمحبي وجامعي ومتذوقي الفنون، ويكون هو قيّماً فنياً شاباً يسعى للتغيير والتجديد في المشهد الفني والثقافي العربي. كيف يرى كليم اهتمام الجيل Z بالفنون الراقية؟ وما رأيه باتجاهاتهم الشرائية الفاخرة؟ إليك الإجابات في هذا اللقاء.

 

ما هي الصفات المطلوبة لكي تكون قيّماً فنيّاً في العالم العربي أو Art Curatotr؟

أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في القيّم الفني هو أن يكون ضليعاً بتاريخ الفنون ويقدّر الجمال من حوله، أي تكون لديه العين القادرة على تمييز الفكرة الجديدة وغير المسبوقة، من الأفكار النمطية والمعهودة. عليه أيضاً أن يتخلى عن الهوية الأجنبية للفن، ومعظم ما يتم تلقينه إياه في الجامعات، ليتمكن من فهم فناني الوطن العربي، وكيف يريدون الوصول بالفن الذي يقدمونه من خلال ثقافتهم وهويتهم وخلفيتهم العربية.

كيف راكمت هذه الخبرة الفنية بوقت قصير لكي تدرك مفاتيح النجاح في هذا المجال الجديد على الشباب العربي؟

درست Art Curation في الجامعة ما سمح لي أن ألمّ بالقواعد والأصول والأساسيات المطلوبة في هذا المجال، وافتتحت معرضاَ فنياً خاصاً بي في لبنان هو Kalim Art Space، ما خولني أن أكون على تماس مع الفنانين الشباب، كما بدأت منذ سنة 2018 بتجميع القطع الفنية واللوحات من فنانين عرب، وكنت أحرص على الشراء من الفنان بشكل مباشر، حتى لو حصل ذلك عبر معرض فني، حتى أتعرف عليه وأفهم القصة من وراء اللوحة، وأسبر غور أيدويولجيته وأفكاره، التواجد على الأرض بشكل يومي مع الفنانين، جعلني أراكم هذه الخبرة وأفهم طريقة العمل وأنطلق فيه بحرفية.

حين بدأت تعرضت للمحاربة على نطاق واسع، وقوبلت بأفكار سلبية كثيرة، ولا سيما أني كنت صغيراً في السن وأدخل إلى عالم مليء بالأسماء الكبيرة التي راكمت خبرات على مدى سنوات، ولكني أصريت على الوقوف بثبات وعدم التراجع، وقد ساهم امتلاكي للرؤية وثقتي بنفسي وبنظرتي للجيل الجديد، في جعلي أستمر وأنجح في فتح جميع الأبواب المغلقة، وهذا النجاح برأيي هو ما سيشجع غيري من الشباب على الوثوق بأفكارهم والوصول بها للعالم الواسع.

ما هي الهوة التي أردت سدّها من خلال تواجدك كقّيم فني شاب في الساحة المحلية؟

كوني بدأت بتجميع اللوحات الفنية من الدول العربية في سن صغيرة هي منتصف العشرينات من عمري، لاحظت غياب القيمين والناقدين الفنيين الذين يشجعون الفنانين الشباب الصاعدين، وذلك كي يخطوا خطواتهم الأولى. للأسف هم لا يجدون الدعم والتوجيه والفرص المناسبة لعرض أعمالهم ولفت الأنظار إلى مواهبهم وإيصالها للجمهور العريض، من هنا أردت أن أكرّس وقتي وطاقتي لكي أساعدهم وأعرض أعمالهم في معرضي وفي معارض عربية أخرى.

كيف ترى ذوق الجيل الجديد فنياً وأنت على تماس معهم من خلال عملك، سواء الفنانين الصاعدين، أو المشترين الذين يبدون اهتماماً بالفنون الجميلة الراقية؟

الجيل الجديد أي الشباب الذي لا يزال في بداية العشرين، بدأ يظهر اهتماماً كبيراً بالفن، بعكس ما نراه لدى الأكبر سناً أي جيل التسعينات مثلاً، فأنا اليوم في التاسعة والعشرين من عمري، لا أرى الكثير من القيمين الفنيين من أبناء جيلي، بل نراهم معظمهم في الأربعين أو الخمسين، وهم المخضرمون بالمدارس الفنية التقليدية والمعروفة، إنما ما ألاحظه مؤخراً هو ازدياد أعداد جامعي الفن من الشباب الناشئ، فهم يخصصون أموالاً من مصاريفهم لشراء لوحة كل شهر أو أكثر، لإدراكهم بأهمية هذا الأمر، في الارتقاء بالذوق ومواكبة أنماط العيش الجديدة.

ما هي اتجاهات الشراء لديهم؟ هل يستثمرون أموالاً طائلة على الفن مثلاً مثل الجيل الأقدم؟

جمع القطع الفنية ليس أمراً متاحاً أمام الجميع فهناك لوحات ذات أثمان باهظة جداً تفوق مئات آلاف الدولارات، ولكن يمكن لكل فرد محب للفن أن يجمع بحسب قدرته الشرائية، وما يساعد في هذه الحالة هو الالتفات نحو الفنانين الصاعدين، فهم يقدمون أعمالاً مميزة ولافتة، بأسعار معقولة، وبهذه الحالة يكون الاستثمار جيداً للمستقبل، إذ يمكن بعد 5 او عشر أو 20 سنة، أن يتضاعف سعر اللوحات ويزيد الإقبال عليها، ما يشجع على الاستثمار في الفن لدى الجيل الصاعد.

ما هو هدفك لجمع الأعمال الفنية؟ ما هو في المقابل هدف المشترين من اقتناء الأعمال الفنية برأيك؟

أحببت الفن منذ صغري فهو مجال شغفي وأنا كما قلت أحب أن أشجّع المواهب الجديدة، لأني أرى بعيني إمكاناتهم الكبيرة وأفكارهم الثورية، أما المشترين من الجيل الجديد فقد ازداد إقبالهم على الفنون بسبب كونها باتت متاحة أكثر مع وجود وسائل التواصل، بالتالي تنوع مصادر تلقي الفنون والثقافة.

الى أي مدى تهتم بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي لتكون على تواصل أكبر مع ذوق الجيل الجديد لمعرفة ما يفضلونه؟ وما هو الدور الذي تلعبه هذه الوسائل في تكييف اتجاهات شراء السلع الفاخرة، بما في ذلك االلوحات والقطع الفنية، لجيل Z؟

وسائل التواصل باتت جزءاً أساسياً من حياتنا، فهي سمحت أن يكون الفن متاحاً امام الملايين، فمن دون شك ستصادفين أثناء تفقدك أحدها، معرضاً فنياً أو لوحات لفنان صاعد، ويمكن أن تلفتك لوحة بمعانيها أو ألوانها، فتزداد حشريتك لتعرفي المزيد، ويمكن أن تصلي إلى التفكير بشراءها، وبالتالي فهي تؤثر على جيل الكبار كما الجيل الجديد، من هنا فإن حرص الفنانين والقيمين على التواجد عبرها، أمر ضروري وأساسي لتطوير أنفسهم ومواكبة المنافسة، والوصول إلى فئات جماهيرية أكبر وأثر تنوعاً. أنا أعتبر هذا الانفتاح الحاصل أمراً إيجابياً جداً لأنه يسمح للمزيد من الناس أن تتلقى مختلف أنواع الفنون، فالفن ملك للجميع، وليس لفئة معينة من المجتمع، لذا أحرص على تنظيم معارض مجانية، يمكن دخول الجميع إليها، فإن لم يتمكنوا من الشراء سيفرحون بمجرد رؤية الفن والتعود على فهمه وتقديره.

لطالما كان الفن مرادفاً للجمهور المرفّه، أو فلنقل الثري والقادر على دفع أموال طائلة مقابله، كيف اختلفت هذه الفكرة اليوم؟ وكيف تعرّف الرفاهية الحديثة في المجال الفني؟

في الواقع فإن القدرة على تجميع اللوحات تحتاج بالفعل إلى المال، وهي حقيقة تدل على تمتع الجامع بالرفاهية المادية، ولكن ما تغيّر اليوم كما أشرت سابقاً، أنه بات بالإمكان تجميع لوحات بأسعار معقولة، أو شراء لوحة واحدة ثمينة، والاستثمار من خلالها للمستقبل. ما أسعى إليه من خلال عملي الفني، هو إتاحة أعمال الفنانين الصاعين إلى الجمهور الواسع، ليكونوا قادرين على الشراء بشكل أكبر، بغض النظر عن الاسم أو العلامة الراقية التي تأتي مطبوعة على اللوحة، فعلينا أن نحاول تعزيز الثقة بالأسماء والمواهب الجديدة، هكذا نساعدها في بناء اسم قوي يوازي أكبر العلامات، ونحصل على فن جميل، يرضي شغفنا بالتجميع أم بمجرد اقتناء لوحة مميزة.

ما هو الدور الذي تلعبه الاستدامة في صناعة الفن الراقي اليوم؟

الوعي بأهمية البيئة والطبيعة من حولنا يجب أن يكون موجوداً لدى الفنانين والجامعين والقيمين، فنحن لا نملك إلا هذه الأرض التي نعيش عليها، وبالتالي يجب الحفاظ عليها بكل الطرق، من هنا أنا اشجع الفن المستدام، وأحث الفنانين على استخدام أدوات صديقة للبيئة.

لماذا تتواجد حالياً في دبي وما هو الدور الذي تلعبه الإمارات في دعم المواهب الفنية الناشئة؟

تركت بيروت مجبراً بسبب الحرب، ولكني حريص على العمل فيها وتشجيع فنانينها الواعدين، أما التواجد في دبي فهو أمر طبيعي لأي شخص راغب بالتطور على المستوى المهني والإبداعي، فهناك مشاريع قوية ومبادرات ثقافية وفنية تساعد الفنانين العرب.

اقرئي المزيد: ياسمينا حايك: تتعلق الفخامة بالاحتفال بالقصص والآراء التي يجلبها الطعام الذي نستمتع به

 
شارك