
تقرير: أجيال تغيّر المسار الجمالي وتحديات تواجه الماركات

لا شكّ في أنّ كل جيل جديد يجلب معه تغييرات واتجاهات مختلفة ويُحدث في العالم من حوله العديد من التأثيرات، فيحوّل مسار الأمور. ولاحظنا أنّ ملامح عالم الجمال لم تعد هي نفسها في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة الأجيال الجديدة من العملاء والمستهلكين الذين يفرضون قواعدهم الخاصة و«يجبرون» نوعاً ما العلامات التجارية على الالتزام بها لمواكبة متطلباتهم. فما التغييرات التي يشهدها فعلاً قطاع الجمال وما التحديات التي تُفرض على الماركات لمتابعة مسار التغيير؟
مبادئ ومفاهيم جديدة
حين نذكر الجيل ألفا أو الجيل زد أو أي جيل من بعدهما، تتبادر إلى أذهاننا مباشرةً العديد من المصطلحات الجديدة مثل "الاستدامة"، "الجمال النظيف"، "الحفاظ على الكوكب"، "دعم المجتمع"، "المبادئ الأخلاقية"، "تقدير البشرة"، "الإنفاق المعقول"،... وغيرها الكثير!
فكما أظهرت الأبحاث والدراسات، الاتجاهات التي كانت تهمّ الأجيال السابقة ليست بالضرورة ما يهمّ الأجيال الجديدة. وهذا تحدٍّ بحد ذاته!
مؤثرون بكل ما للكلمة من معنى
يُعتبر كل من الجيل ألفا والجيل زد جيلاً مؤثراً بكل ما للكلمة من معنى، وذلك للعديد من الأسباب التي تتّضح لنا جميعنا. فمن جهة أولى، يتسلّحون بمعرفة رقمية هائلة ويرتاحون تماماً في التعامل مع العالم الافتراضي، لا سيّما أنّهم تعايشوا مع جائحة كوفيد-19 واستطاعوا أن يكيّفوا عاداتهم الحياتية مع التغيّرات الحاصلة. ومن ناحية ثانية، نجح الجيل الجديد في فرض معايير وقواعد جديدة في عالم الجمال، على رأسها الأصالة والشمولية.
في ما يتعلّق بالأصالة، نلاحظ أنّ الجيل الجديد لا يتأثر فقط بما يروّج له المؤثرون أو المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يبحثون عن الصدق والشفافية أيضاً في التوصيات، ولذلك يستعينون بتجارب أصدقائهم ويطّلعون على مختلف الفيديوهات المنتشرة على المنصات الاجتماعية قبل اختيار المنتجات لاستخدامها. أمّا بالنسبة إلى الشمولية، فيدعم الجيل الجديد التركيز على مجموعة واسعة من ألوان البشرة وأحجام الجسم وأنواع الستايلات الجمالية، ويهمّهم دائماً تسليط الضوء على الميزات الفريدة لضمان أن يجد كل مستهلك ما يمثّله في عالم العلامات التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ الجيل ألفا يهتمّ اهتماماً شديداً بالقضايا البيئية والحفاظ على الكوكب بشكل عام، ويعطون الأولوية للاستدامة والشفافية في توريد المواد والمكوّنات والأخلاقيات في عملية التصنيع والإنتاج. أمّا اللافت في هذا السياق، فهو ما تشير إليه الدراسات من ناحية تركيز الأجيال الجديدة على ممارسات الشركات والعلامات الخلفية أي الممارسات التي لا تؤثر على المستهلكين بشكل مباشر، مثل معاملة الموظفين ومبادرات الشركة لناحية دعم المجتمع أو الحفاظ على الصحة النفسية وغير ذلك...
قوة التعبير عن الذات
وبالنسبة إلى الجيل الجديد أيضاً، يُعتبر الجمال أداةً للتعبير عن الذات، وشغفهم واضح لناحية اختبار الألوان والتركيبات والستايلات المختلفة بطرق تعبّر عن شخصياتهم. وخير دليل على ذلك انتشار الفيديوهات التعليمية وفيديوهات الحيل الجمالية وظهور صيحات وأساليب مكياج أو شعر جديدة يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي. ولذلك، نراهم يدعمون بشكل خاص العلامات التي لا تروّج للصورة "المثالية"، بل صورة أقرب إلى الواقع.
ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى
العلامات التجارية؟
قوة الإنفاق
يتميّز الجيل زد باكتسابه القدرة على الإنفاق في سنّ أصغر مقارنةً بالأجيال السابقة، فحوالي 60% منهم يصرّحون بأنّهم يمتلكون الإمكانات المالية لتحمّل تكاليفهم الشخصية وبالتالي تدليل أنفسهم بالمشتريات والتفكير أيضاً في المدّخرات. وبشكل عام، يرتفع إنفاق الجيل زد بشكل خاص على منتجات العناية ببشرة الوجه والعناية بالشعر، فيما يتساوون في الإنفاق على المكياج مع جيل الألفية.
وانطلاقاً من هذا، يجب أن تفكّر العلامات التجارية – بخاصّة الفاخرة منها – في كيفية جذب الجيل الجديد من المستهلكين الذي ستزداد قدرته الشرائية بطبيعة الحال فيما يتخرّج ويبدأ العمل.
استراتيجيات تسويق مختلفة
إنّ جذب الجيل الجديد لم يعد يقتصر على التعاون مع أحد المؤثرات لنشر صورة مع المنتج. فالمستهلكين الشباب يفكّرون في عوامل مختلفة لتبرير المبلغ الذي يجب دفعه مقابل الحصول على أي منتج، مثل الجودة العالية وفعالية المكوّنات وممارسات العمل العادلة والالتزام بمبادئ الاستدامة. وبالتالي، لم تعد الفخامة ترتبط بأسماء معيّنة اعتدنا سماعها لسنوات طويلة، بل بالقيم التي أصبحت مهمة في عالم العملاء مثل الحرفية والأخلاقيات والاستدامة وغيرها.
وبالتالي، من الضروري أن تعتمد العلامات التجارية نُهج تسويق مختلفة، مثل نشر تجارب رقمية تُدخل المستهلك إلى عالم العلامة التجارية للتعرّف على العمليات الخلفية لابتكار المنتج، بما يعكس الشفافية والمساءلة، والحفاظ على هوية متّسقة عبر جميع قنوات الماركة سواء عبر الإنترنت أو داخل المتاجر، وتعزيز التفاعل مع المستهلكين ليس فقط على المنصات الأكثر استخداماً مثل تيك توك، بل أيضاً من خلال المتاجر المؤقتة.
اتّباع الاتجاهات وليس إطلاقها
من التحديات التي تُفرض أيضاً على العلامات التجارية ضرورة أن تواكب توجّهات الجيل الجديد وتتماشى مع تفضيلاتهم، بدون أن تكون هي بالضرورة مطلقة الصيحات. ففي سوق المكياج على سبيل المثال، نلاحظ توجّهاً واضحاً نحو مستحضرات معيّنة بدلاً من أخرى، مثل البلاش والهايلايتر بدلاً من الفاونديشن. ولذلك، يجب أن تتبع الماركات تغيّر سلوكيات الجيل زد والجيل ألفا وغيرهما من الأجيال الجديدة. وتشمل الأمثلة الأخرى مثلاً اهتمام الجيل الجديد بحماية البشرة من الشمس، ولذلك أصبحنا نلاحظ أنّ غالبية المنتجات المتاحة في السوق، مثل كريم الأساس والبي بي كريم والكريمات المرطبة تحتوي على عامل حماية من الشمس.
إعادة التعبئة والتدوير
سعياً إلى مواكبة الجيل الجديد وتلبية متطلبات المستهلكين الأصغر سناً، تقف العلامات التجارية أمام تحدٍ يفرض عليها الالتزام أكثر وأكثر بالممارسات الصديقة للبيئة، مثل زيادة نسبة استخدام المواد المعاد تدويرها والقابلة لإعادة التدوير كما وزيادة عدد المنتجات القابلة لإعادة التعبئة للحد من إنتاج النفايات.
وبالحديث عن التصميم، لا يعني التفكير في احترام البيئة إهمال العناصر الجمالية الأخرى. فمن الضروري أن تراعي العلامات التجارية الألوان والأساليب التي تروق للجيل الجديد من المستهلكين، كي تكون المنتجات التي تقدّمها ملفتة للنظر تماماً كما فعّالة.
وفي هذا السياق، لا بدّ من القول إنّ الجيل الجديد يهتمّ بالمنتجات التي تراعي سهولة استخدامها، مثلاً كريم العيون الذي يأتي مع رأس أو كرة لتوزيع المنتج أو البلاش الذي يأتي مع اسفنجة من الأعلى لمزج التركيبة على البشرة.
ولمزيد من المعلومات حول الاتجاهات الجديدة في عالم الجمال، أجرينا مقابلة مع Irina Eliseeva، المديرة العامة لشركة هنكل للعلامات التجارية الاستهلاكية في دول مجلس التعاون الخليجي.
1. ما أبرز 5 سلوكيات تنشأ على مستوى المستهلكين الشباب في عالم الجمال في دول الخليج؟
يشهد سوق الجمال في دول الخليج تحولاً ديناميكياً، حيث يرسم المستهلكون الشباب ملامح الاتجاهات من خلال تفضيلاتهم. وأبرز 5 سلوكيات سائدة هي:
- الجمال المخصّص: أصبحت المنتجات الجمالية المصمّمة خصيصاً لتلبية الاحتياجات الحياتية الفريدة أساسية. ولم يعد التخصيص ميزة من ميزات الفخامة، بل أحد توقّعات العملاء.
- الوعي بالاستدامة: ثمة تفضيل متزايد للمنتجات الصديقة للبيئة، ويهتمّ المستهلكون بقراءة الملقصات ودائماً ما يبحثون عن الشهادات التي تؤكد الممارسات الخضراء وجهود الحفاظ على البيئة.
- التجارب القائمة على التكنولوجيا: تجذب التجارب المدعومة بتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزّز المستهلكين الشباب المتمرّسين في مجال التكنولوجيا.
- الرفاه الشامل: يُنظر إلى الجمال من منظور شامل، ويعطي المستهلكون الشباب الأولوية للمنتجات التي تعزّز الجمال الطبيعي كما الصحة الجسدية والنفسية.
- المشاركة المجتمعية: يرتبط المستهلكون اليوم ارتباطاً وثيقاً بقيم العلامة التجارية، ويختارون الماركات التي تتماشى مع معتقداتهم ومجتمعاتهم.
2. كيف تغيّر عالم الجمال مؤخراً تماشياً مع الاحتياجات الفريدة للمستهلكين الشباب؟
يشهد القطاع تطوّرات لمواكبة أولويات الجيل الجديد من المستهلكين، وعلى رأسها الاستدامة والأصالة والشمولية، بالإضافة إلى الشفافية والغاية، وهذا ما يدفع العلامات التجارية إلى إعادة النظر في المنتجات التي تقدّمها.
3.ما الصعوبات التي تواجه العلامات التجارية في هذا السياق؟
تواجه العلامة التجارية الراسخة تحدي التخلي عن التصوّرات التقليدية والظهور بهوية عصرية تلقى صدى لدى الجيل الجديد في عصر المرونة والأصالة. كذلك، من الضروري أن تجد العلامات التوازن الصحيح بين الابتكار والتقاليد، إذ يُتوقّع منها أن تقدّم حلولاً رائدة بدون أن تفقد ثقة العملاء بها وإرثها اللذين بنتهما طوال سنوات. ومن ناحية أخرى، لا يزال التحوّل إلى الممارسات المستدامة مع الحفاظ على القدرة على تحمّل التكاليف إحدى العقبات الكبيرة. وأخيراً، يجب أن تعيد العلامات التجارية النظر في استراتيجيات التواصل مع عملائها في ظل العالم الرقمي الذي نعيش فيه اليوم.
اقرئي أيضاً: تقرير يكشف أبرز جوانب الشمولية في عالم الجمال