تعرفي معنا إلى مسيرة تطوّر الدنيم من المناجم إلى مدرّجات عروض الأزياء

في عالم الموضة، تكون الصيحات والحداثة في طليعة ما يحفّز أي صناعة ويلفت اهتمام المستهلكين، فتصبح بعض القطع أيقونية وتبرز كمقتنيات قيّمة خالدة يتم الاعتزاز بها لسنواتٍ وسنوات. وقد نجحت حقائب اليد الأيقونية، والأحذية المميزة، وبعض أنواع الأقمشة في اكتساب شعبية هائلة عبر السنين، إذ يسهل التعرّف إليها ولا بدّ من اقتنائها في أي خزانة ملابس. ولا شك في أنّ سروال الدنيم المثالي، ذاك الذي يناسب مقاس الفرد تماماً ويمكن ارتداؤه في كل المواسم، يُعدّ قطعة لا بدّ من اقتنائها في خزانة الملابس. وعبر السنين، كانت القطع الأكثر طلباً والتي عُرفت حديثاً بأساسيات خزانة الملابس تنتمي إلى عالم الدنيم. غير أنّ تاريخ هذا القماش وبروزه يزيدان من أهميته، فيضاف بذلك قطعة أساسية إلى خزانة الملابس فيما يكرَّم تاريخ واسع وتراث غني. وتعود جذور المصطلح jean إلى القرن التاسع عشر، عندما اكتسب شهرة في صناعة النسيج. وهو مصنوع من القطن المضلّع المستخدم في صنع سراويل ابتُكرت لأول مرة في بلدة Nîmes في جنوب فرنسا. وعُرف هذا القماش بمتانته ونوعيته الطويلة الأمد، إذ بدأ العمال وبالأخص عمال المناجم بارتدائه، إلى أن اعتمده رعاة البقر، ونجوم الروك، ودور الأزياء الفاخرة اليوم.

وُلد سروال الدنيم الأزرق بشكل رسمي في العام 1873، وهو تاريخ منح شركة .Levi Strauss & co وخياط يدعى Jacob Davis براءة اختراع. وعلى مدار السنوات، تتالت التحسينات والتعديلات في ما يخص الستايلات وتفاصيل التصنيع، على غرار إضافة مسامير البرشام المعدنية لثبات أقوى. ومع انتهاء مدة براءة الاختراع في العام 1890، انضمت عدة علامات تجارية أخرى إلى عالم الدنيم، وذلك بسبب ارتفاع الطلب عليه في أوساط العمال بفضل متانته ونوعيته الطويلة الأمد. وبعد اكتساب الجينز سمعة جيدة، ازدادت شعبية هذا الأخير لدى نجوم الأفلام والمشاهير في منتصف القرن العشرين. وكان Calvin Klein أول مصمم يقدّم الجينز الأزرق في عرضه سنة 1976، فدخل بذلك سروال الجينز عالم مدرّجات عروض الأزياء. وبحلول التسعينات، انضمت بدورها دور أزياء فاخرة كبرى إلى عالم الدنيم، وقدّمت كلّ منها تلك الصيحة بطريقتها الخاصة فطرحت ستايلات وقطع ملابس مختلفة مكوّنة من قماش الدنيم الشهير.

ويُعرف قماش الدنيم بكونه إحدى القطع الأكثر تنوعاً، وعلى مر السنين، تحول من قطعة عملية ومتينة إلى قطعة لا بد من اقتنائها في خزانة الملابس. ومع دخول العلامات التجارية الفاخرة عالم الجينز، عرّفت العالم على تصميم جديد للدنيم الذي تخطى كونه مجرّد سروال، فقد طرحت كلّ منها تلك الصيحة بطريقة مختلفة تماماً. وساهمت كل حقبة في ترسيخ صيحات معيّنة للدنيم بشكل كبير.

"إنّ الجينز يمثّل الديمقراطيّة

في عالم الموضة".

Giorgio Armani

وخلال الستينات والسبعينات، تلك الفترة التي برزت فيها مبادئ حرية الرأي والتعبير والحياة الهانئة والمساواة بين الجنسين، أصبح الجينز الأزرق قطعةً بارزة، فشهد العالم خلال تلك الحقبة فترة تحوّل أعيد فيها تصميم الجينز. وشهدت تلك الفترة أيضاً بروز السراويل ذات القصة الواسعة عند القدمين bell-bottomed التي كانت أحياناً مزخرفة ومزينة بمختلف أنواع الطلاء، في دلالة على حقبة الهيبيز والحركة غير التقليدية. أما سراويل الجينز الممزقة وتلك العالية الخصر، التي نراها بكثرة في عالم الموضة اليوم، فقد بدأت تكتسب شهرة واسعة في الثمانينات حين دلّ قماش الدنيم الباهت على أسلوب الروك آند رول في ذلك الوقت.

وبدءاً بسروال الجينز ذات الخصر المنخفض الذي اشتهر عام 2000 وعاد رائجاً اليوم، مروراً بالسراويل الواسعة عند القدمين، وتلك الفضفاضة، وسراويل dad jeans وmom jeans، وصولاً إلى تلك الضيقة، والعالية الخصر، والقصيرة، تطول لائحة الصيحات التي يُعاد طرحها من موسم إلى آخر. وعلاوةً على تنوّع تصاميم الجينز، دخل هذا القماش الشهير عالم السترات والمعاطف والقمصان والتنانير والشورتات إضافة إلى الإكسسوارات والأحذية والحقائب، مشكّلاً بذلك قسماً كاملاً من قطع الملابس المصنوعة من قماش الدنيم.

وتغيّر الكثير خلال السنوات الماضية في تقديمات المصممين وتفضيلات المستهلكين. ولم يعد أحد مقيداً بتخصيص قطع معيّنة في خزانة الملابس لمناسبة معينة. ففي يومنا هذا، بات تغيير بسيط في الإكسسوارات يبدّل المظهر ويحوّله من نهاري إلى مسائي. وما اعتُبر قديماً لباساً أساسياً يرتديه العمال نسبةً لمتانته، بات اليوم يشكّل جزءاً أساسياً في خزانة كل فرد. وباتت العلامات التجارية الفاخرة المفضلة لدينا تُدخل الدنيم في مجموعاتها الموسمية، وتدمجه بشكل ساحر مع ألبسة متباينة كفساتين السهرة والمعاطف الجلدية وسترات الفرو. وتُعزى الشهرة التي اكتسبها هذا القماش إلى سهولة لبسه والراحة التي يقدمها وتعددية ارتداءاته. ففي عالمنا اليوم ذات الوتيرة السريعة، يفضل الأفراد ارتداء ما يتناسب مع راحتهم ويحررهم من أي قيود.

لمع اسم الكثير من العلامات التي تُعرف اليوم ببيع هذا السروال المستحب مثل Citizens of Humanity وRe/Done وLevi’s وMother. ناهيك عن العلامات التجارية الفاخرة التي أدخلت الدنيم إلى عروضها مثل Dior وChanel وBalmain وBalenciaga وGucci. فأضفى دمج هذا القماش مع ألبسة رائعة مظهراً راقياً يعكس سهولة ارتدائه. أما فساتين الدنيم، فهي مستوحاة بشكل أساسي من صيحات التسعينات، وتقدّمها علامات تجارية مثل Alexander McQueen وStella McCartney على مدى المواسم، فتمزج موضة التسعينات مع بعض لمسات الحداثة التي تترسخ في هوية العلامة التجارية.

ومن المدهش رؤية تلك القطعة، التي أنشأت عالمها الخاص وابتُكرت أساساً لتوفير الجودة المتينة والعملية، تجتاح أسواق الموضة اليوم. ومع ازدياد عدد مصممي الأزياء الفاخرة الذين يهتمون بإدخال قماش الدنيم إلى مجموعاتهم، تتوافر تشكيلة من مختلف الستايلات المستوحاة من تاريخ الدنيم وتطوره، التي يُعاد تصميمها كصيحات تلقى رواجاً بشكل متكرر. غير أنّ بعض القطع كسترة الدنيم الكلاسيكية لا بد من اقتنائها في كل موسم، إذ يمكن ارتداؤها صيفاً وشتاءً، ونادراً ما تصبح موضة قديمة، كما أنها متعددة الارتداءات بما يكفي لاعتمادها نهاراً ومساءً. ففي معظم الثقافات والتقاليد، لطالما شكّل الدنيم قطعة أساسية في خزانة الملابس، شأنه شأن القميص الأبيض البسيط والفستان الأسود الكلاسيكي القصير. وكون الدنيم يعكس بشكل هائل أسلوب مَن يرتديه، تسمح وفرة الستايلات والقصات والألوان المختلفة للدنيم بأن يتخطى كونه مجرد صيحة وأن يصبح قطعة أساسية في خزانة الملابس.

"الغموض قاعدة أساسيّة في عالم الموضة. لمَ يُعدّ الجينز الأزرق قطعة كلاسّيكيّة؟ لأنّه بكلّ بساطة قطعة خالدة ومثاليّة".

Diane von Furstenberg

يُعرف قماش الدنيم بكونه إحدى القطع الأكثر تنوّعاً. وعلى مرّ السنين، تحوّل من قطعة عمليّة ومتينة إلى قطعة لا بدّ من اقتنائها في خزانة الملابس.

ما اعتُبر قديماً لباساً أساسياً يرتديه العمال نسبةً لمتانته، بات اليوم يشكّل جزءاً أساسياً في خزانة كل فرد.

مع ازدياد عدد مصمّمي الأزياء الفاخرة الذين يهتمّون بإدخال قماش الدنيم إلى مجموعاتهم، تتوافر تشكيلة من مختلف الستايلات المستوحاة من تاريخ الدنيم وتطوّره.

"في أحيان كثيرة قلت يا ليتني اخترعت الجينز الأزرق. فهو القطعة الأروع والأكثر عمليّةً وراحةً ولامبالاةً. وهو معبّر ومتواضع وبسيط، أي يتضمّن كلّ ما أتمنّى أن أجده في ملابسي".

Yves Saint Laurent