الفنانة فاطمة النمر: لكل قطعة فنية حس ورائحة وذاكرة ومعانٍ خالدة
فاطمة النمر اسم له وقعه وأثره الحالم والراقي في الحياة الفنية والثقافية في المملكة، فهذه الشابة التي ترعرعت في واحدة من أجمل المدن السعودية وهي القطيف، امتلكت الحس العالي الذي خوّلها التعبير عن ذاتها من خلال الألوان، لتبدع لوحاتاً رائعة وصل صداها إلى المعارض المعالمية. تعرّفي عليها وادخلي إلى عالم فنّها الجميل من خلال هذا اللقاء.
لماذا اخترتِ دخول مجال الفن؟ وهل واجهتِ صعوبات في إثبات ذاتكِ في مجال إبداعي وليس مهني بحت؟
ولدت في القطيف بالمنطقة الشرقية، وبدأت رحلتي الإبداعية كمصممة ذهب ومجوھرات، قبل أن أتجه بالكامل إلى العمل كفنانة بصریة. وقد كان الانتقال سلساً ولم أواجه صعوبات تذكر. تتنوع تجربتي من حيث الأسلوب بین الأعمال التصويرية الزیتیة والأكريليك والكولاج، بالإضافة إلى أعمال النسيج والطباعة والأعمال التركیبیة. اشتهرت بتركيزي على الموضوعات المستوحاة من الموروث الشعبي الاجتماعي، مع الاحتفاء بالمرأة كأحد العناصر الرئیسیة للموضوع، حیث كثیراً ما أضع نفسي في قلب اللوحة، فتظهر بصورة بطلة إحدى قصص التاريخ أو التراث الشعبي الملهمة، وكأنني أعيش مع كل عمل أقدّمه حياة جديدة أبحر من خلالها في مكامن روح تلك الشخصیة، الأمر الذي جعل لي بصمة مميزة تُعرف بها أعمالي أينما عُرضت.
لقد قمت بالعديد من المعارض الشخصية الناجحة، كما شاركت في العديد من المعارض المقامة في مراكز ومتاحف هامة حول العالم، من بینها: معرض الفن المعاصر في متحف الفن الحدیث في السوید في 2012، معرض الدول الاسكندنافية في متحف موبي للفن الحديث في الهند في 2010، معرض طریق البخور في قصر اليونسكو في باريس في 2015، معرض وقائع الكتاب الأول معرض للفن العربي المعاصر في لندن، بينالي الفن الإسلامي بالشارقة في الإمارات في 2014، في ذكرى مرور 30 سنة على تأسيس معهد العالم العربي في 2018، مهرجان فحيص العربي للفن والموسيقى في 2022، بينالي مالمو الدولي في السويد في 2022.
حصلت على عدة جوائز هامة، منها: الجائزة الأولى في معرض الفن السعودي المعاصر وجائزة مسابقة الشباب الثانیة للعام 2010، ولي العديد من المعروضات العالمية والمحلية في المتحف الهولندي والمتحف السويدي الحديث والسفارة الفرنسية والسعودية وغيرها بحكم كوني فنانة أسافر وأعمل بمجال الفن.
تغلّبتِ من خلال الفن على مشكلة نفسية وهي الرهاب الاجتماعي. حدّثينا عن هذا الأمر، كيف ساعدكِ هذا الشكل المختلف في التعبير من الوصول للآخر؟
كنت طفلة خجولة تخشى الاختلاط بالمجتمع، لذا وجدت في الفن صوتي المتجلّي على الورق الأبيض، فهو حررني من الخجل الزائد، وكان وسيلتي للتعبير عن أفكاري وشخصيتي. أذكر جيداً أنّ الفن بات أسلوب حياتي وصوتي الذي أتكلم وأشارك أفكاري من خلاله، حيث لا وجود للتردد أو الخوف والخجل، وهذا الأمر ساعدني في استرجاع ثقتي بنفسي ومكّنني من مواجهة الناس بثقة وثبات داخلي وقوة.
ما هي الوسائط أو الأدوات التي ترتاحين بالعمل عليها وتساعدكِ بإيصال رسائلكِ بأفضل طريقة؟
كوني فنانة متعددة الوسائط، فهناك تقنيات مختلفة أحب التعامل معها، من نسيج أو كتان أو حرير معالج على كانفس، ومن بعدها أقوم بمزج الألوان والطبقات المختلفة على الكانفس.
كيف استطعتِ المزج في فنكِ بين التقنيات الحديثة والعناصر الرمزية التراثية المتجذرة في الثقافة السعودية؟
بأسلوب حديث ومعاصر، أفضّل دائماً استخدام مواد وقطع معاد تدويرها من تراثنا الخليجي لإحيائها وتحويلها إلى قطع فنية معاصرة، اعتزازاً بإرثنا وثقافتنا وأصالة مجتمعاتنا التي نعتز ونتفاخر بها أمام العالم .
حدّثينا عن معرض "دخون" الذي أقيم مؤخراً، لماذا اخترتِ النسيج والسجاد تحديداً لكي يكون وسيطة تعبيركِ من خلاله؟
فكرة المشروع استغرقت 9 سنوات من بحث وأرشفة القصص لشخصيات حقيقية وإقامة العديد من اللقاءات مع نساء ملهمات كان لهنّ أثر في حياتي وفي المجتمع. فأنا كفنانة أقوم بأبحاث دائمة ساعدتني في معرفة عوالم النساء وخولتني أيضاً اكتشاف نفسي من خلال كل امرأة، حتى تمكنت من اقتناص حكايات خلّدت النساء، فأبحرت بهنّ إلى عالمي المليء بالحكايات. وفي معرضي الحادي عشر اخترت كلمة "دخون" والتي تعني حرفياً "أرقى أنواع البخور الثمينة"، ولكنها ترتفع في المعنى بهذا العمل الفني لترمز إلى السمو والأحاسيس التي نشعر بها بداخلنا كالخير والنقاء والرضا، عندما نستنشق رائحة معينة نقوم بإغلاق أعيننا بشكل بديهي لننغمس بالعواطف التي نستشعرها، ومن هنا جاءت تسمية المعرض باسم "دخون" للإشارة إلى سمو يفوق الحواس، ويجسّد بصيرة المرأة ونبلها، وجوهرها السَّامي الشبيه بأغلى أنواع البخور. ويضم المعرض 8 قطع فنية من السجاد المصنوعة بعناية فائقة، حيث تم تصنيع كل قطعة بدقة باستخدام أقمشة متنوعة من الحرير، وتمت معالجتها ودمجها في 4 طبقات على لوحات الكانفس. تُضاف بعد ذلك ألوان الأكريليك، وينتج عن ذلك سيمفونية من الألوان والأنسجة تعكس عمق وثراء الثقافة السعودية.
هل أنتِ مع تحويل الفن من قطع جامدة (لوحة مثلاً) إلى أدوات استهلاكية مفيدة في حياة الإنسان اليومية (كالسجاد)؟
أؤمن أن لكل قطعة حس ورائحة وذاكرة، لذا فإنّ تحويل قطع معاد تدويرها إلى عمل فني، يتجسد في جعلها تملك من الذاكرة والثقافة المكان والزمان التي كانت فيه، يحولها إلى غرض أساسي في حياتنا.
حدّثينا عن عملية خلق عمل فني جديد لكِ، ما هي الخطوات المعقدة التي تتم خلف الكواليس، وأي مراحل تستمتعين بها أكثر من غيرها؟
في حالة البحث عن قصصي، أسافر من منطقة إلى أخرى ليبدأ شغف الاكتشاف، ولكن تبقى أصعب مرحلة هي تجميع الصور وتحويلها إلى عمل فني مع رموز تحتاج إلى تفسير وإجلاء لمعانيها.
المرأة حاضرة بقوة في أعمالكِ، ما هي الصورة التي تحرصين على إظهارها بها؟ هل هي القوة، أو التمكن، أو امتلاك الحس العالي والمرهف، أم المحافظة على التراث...؟
ركزت على صنع لوحات فريدة من المنسوجات وربطت مختلف الأنواع بماضي من تراثنا وحاضره، وقمت بتسليط الضوء على جمال الشخصيات النسائية وقوتها وذكائها، وسعيت إلى إبراز أصالة مختلف المناطق بحيث أن كل قطعة تروي قصة امرأة رائعة. وهذا يخلق نافذة للمشاهدين لعيش رحلة الشخصية من الصمت إلى اكتشاف الذات والسلام الداخلي والتعبير عن الروح الحقيقية.
ما رأيكِ بالتطورات على الساحة الفنية والثقافية في المملكة؟ إلى أي مدى يساهم هذا الانفتاح في تسليط الضوء على المواهب النسائية السعودية في كل المجالات؟
المملكة العربية السعودية أكبر داعم للمرأة وقد قامت بتمكين النساء عالمياً وإقليمياً، فهي فتحت جميع المجالات أمامهنّ ليعبرن عن حسهنّ الإبداعي. اليوم نرى للفن دوراً حيوياً في المملكة حيث تشهد تطوراً مذهلاً في مجال الثقافة وتسعى لإحداث تغييرات إيجابية في المجتمع، والتواصل مع العالم الخارجي من خلال التعبير الفني وجعل الفن حجر أساس لرؤية 2030 وحلقة وصل مع العالم. لقد فتحت المملكة فرصاً عديدة للفنانين السعوديين والعالميين وجرى تخصيص هيئات للفنون لاستقطاب عقول مبدعة كما يتم تنظيم مهرجانات ثقافية، لذا لم يعد الفن أمراً ثانوياً بل بات متداخلاً مع الحياة في السعودية ونرى الرياض وقد أصبحت قبلة للفن والفنانين من جميع أنحاء العالم.
اقرئي المزيد: غادة الربيع: الاستدامة خيارنا الوحيد للمراحل المقبلة