العنود الحجيلان: الاجتهاد هو ما مكنني من اقتناص الفرص لتحقيق النجاح
خلال رحلتها الحياتية، مرت الشابة السعودية العنود الحجيلان على مجال العزف والتأليف الموسيقي والتلحين، والمحاماة والإنتاج، وقررت اليوم أن تصب اهتمامها على ريادة الأعمال، وتحديداً المشاريع الثقافية والترفيهية التي تخص الأطفال وتعنى بتطوير مخيلتهم، وقدراتهم وحسّهم الإبداعي، ليفهموا منذ سن صغيرة أسس الحياة ويدركوا أهمية القيم في تعزيز رفاه الإنسان. غزيرة هي خبراتها، فكيف استفادت من كل تجاربها لكي تنجح في مجال الأعمال؟ عن هذا السؤال وغيره تجيبنا العنود في هذا اللقاء.
تقول العنود "كل تجربة مررت بها ساهمت في تشكيل رؤيتي الشمولية وإثراء مهاراتي. العزف والتأليف الموسيقي علّماني الصبر والإبداع، حيث يتطلب التأليف مزيجاً من الإحساس والانضباط. المحاماة عززت قدرتي على التحليل وحل المشكلات، وكذلك إدارة المخاطر والتفاوض. أما الإنتاج فقد زودني بمهارات التنظيم والتخطيط والعمل ضمن فرق متعددة التخصصات. الآن، في ريادة الأعمال، أستفيد من كل تلك التجارب، حيث أمزج بين الإبداع والتنظيم والتحليل لإدارة مشاريع ناجحة، مع الحرص على الابتكار والاستدامة في تقديم القيمة للمجتمع".
أنت شابة ناجحة استطاعت أن تصل بذكاءها وشجاعتها وأفكارها ومشاركاتها إلى أعداد كبيرة من الناس، هل تعتبرينه اجتهاداً منك أو حظ واقتناص للفرص المناسبة في الوقت المناسب؟
أعتقد أن النجاح هو مزيج من الاجتهاد والتوفيق. الاجتهاد جزء أساسي، فهو ما يدفعني للعمل بجدية وتطوير أفكاري ومشاريعي، لكن لا يمكن إنكار أن الحظ يلعب دوره في اقتناص الفرص المناسبة في الوقت المناسب. النجاح يأتي عندما يلتقي التحضير المستمر بالفرص التي تظهر في اللحظة الصحيحة. أشعر بالامتنان لكل فرصة أتيحت لي، لكنني أيضاً أؤمن بأن الاجتهاد هو الذي مكنني من الاستفادة القصوى منها.
ما هي الخبرات والمعرفة التي اكتسبتها من مجال القانون وحقوق الإنسان؟ وكيف تصفين تلك المرحلة من حياتك؟
خلال فترة عملي في مجال حقوق الإنسان، كان من أكثر الأمور التي لمست قلبي هي حقوق الأطفال، نظراً لضعفهم وبراءتهم. على الرغم من الألم الذي رأيته في العالم، إلا أنني شهدت أيضاً الكثير من الخير والتضامن، حيث قابلت متطوعين يعملون بلا مقابل، مدفوعين بشغفهم لحماية حقوق الآخرين، وخاصة الأطفال. هذه التجربة جعلتني أدرك أن التغيير يحتاج إلى تضافر الجهود من مختلف الجهات، سواء عبر القوانين أو المبادرات الفردية، لخلق تأثير ملموس. ومع أن تحسين حقوق الإنسان قد يبدو صعباً في ظل التحديات الحالية، فإنني أؤمن بأن كل خطوة صغيرة يمكن أن تُحدث فرقاً على المدى البعيد. كانت تلك المرحلة محطة مهمة في حياتي، وآمل أن أعود إلى هذا المجال يوماً ما لمساعدة الأطفال الذين يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان مثل العنف المنزلي أو الاتجار بالبشر."
قلت أن ولادة ابنك دفعتك لتغيير مسيرتك المهنية. هل تندمين على هذا القرار؟ أم تجدين أنه يمكن للمرأة أن تجد الحلول الوسط التي تخولها أداء واجباتها كأم مع الاستمرار في التطور مهنياً وتحقيق ذاتها ورؤيتها الخاصة لمستقبلها؟
أحياناً أفكر في ما كان يمكن أن يحدث لو واصلت مسيرتي كمحامية لفترة أطول، ولكن في نهاية المطاف اتخذت قراراً يمنحني حياة أكثر توازناً. أشعر الآن بسعادة أكبر مع المرونة التي أحظى بها بصفتي رائدة أعمال، والأهم من ذلك أن وقتي أصبح ملكي، مما يمكنني من قضاء وقت أكبر مع أطفالي والتواجد في كل اللحظات المهمة في حياتهم. ومع ذلك، كوني رائدة أعمال ليس بالأمر السهل، فهو لا يوفر الاستقرار ويتطلب الكثير من المرونة والصمود. لكن في الوقت ذاته، أشعر بأنني أسعد لأنني أعمل في مجال أحبه وأشعر بالشغف تجاهه.
وأؤمن أن الأمهات قادرات على إيجاد توازن بين حياتهن المهنية ودورهن كأمهات، لكن يجب على الشركات أن تكون أكثر مرونة تجاه الأمهات. فحتى لو كانت النساء متفوقات ومسؤولات، فإن عقولهن مشغولة أيضاً بأطفالهن. إن توفير المرونة من قبل أصحاب العمل سيمكن الأمهات من استعادة طاقتهن وإعطاء المزيد في حياتهن المهنية. من الضروري أيضاً أن يحصلن على الدعم من العائلة والأصدقاء، لأن هذا الدعم يساعدهن على التكيف والتوازن بين جميع التحديات التي يواجهنها. علاوة على ذلك، يجب أن تهتم المجتمع ككل بأطفالنا، فهم الجيل الجديد، وبالتالي، نحن جميعاً مسؤولون عن مساعدة الأمهات العاملات في تحقيق هذا التوازن."
هل واجهت صعوبات كونك شابة وجميلة بإقناع المجتمع السعودي بأفكارك؟ هل ترين اختلافاً في وجهة نظر المجتمع نحو سيدات الأعمال؟
أعتقد أن القضايا والأفكار تُقيّم بناءً على محتواها وتأثيرها، وليس على مظهر الشخص. بينما قد تكون هناك آراء متنوعة بشأن دور النساء في الأعمال، أرى أن المجتمع السعودي يمر بتحولات إيجابية نحو دعم وتمكين سيدات الأعمال.
في الوقت الحالي، تتزايد الفرص للنساء في مختلف المجالات، مما يعكس تغييرات في النظرة العامة نحو سيدات الأعمال. أعتقد أنه من المهم التركيز على كفاءاتنا وإبداعنا ونجاحنا في تحقيق الأهداف، بدلاً من الانشغال بالتصنيفات السطحية. كلما تمكنا من إثبات قدرتنا على الإسهام بفعالية في مجالاتنا، ستتغير وجهات نظر المجتمع بشكل أكبر
لماذا اخترت الانطلاق في شركة ترفيهية مخصصة للأطفال؟ وما الذي أردت تقديمه لدعم النمو العاطفي والذهني للأطفال وهم جيل المستقبل؟
الإلهام لأفكار جديدة يأتي من مجموعة متنوعة من المصادر، منها تجربتي الشخصية كأم ورحلتي في عالم الطفولة. ألاحظ ما يثير اهتمام الأطفال وما يساعدهم على التعلم والنمو. كذلك، أعتبر نفسي محظوظة لوجود شريكتي المؤسِّسة، سارة الشميمري فنحن نعمل معًا بجد لتطوير أفكار مبتكرة تعكس ثقافتنا وهويتنا. من خلال ابتكار الدمى السعودية، نهدف إلى تعزيز انتماء الأطفال لثقافتهم، حيث تمثل هذه الشخصيات أطفالنا بشكل يعكس تنوعهم وجمالهم. تحمل هذه الدمى رسائل إيجابية حول قيم مثل الصداقة، والثقة بالنفس، واحترام الآخرين. نريد أن يشعر الأطفال بأنهم جزء من هذه الشخصيات، مما يعزز من فهمهم لذاتهم ويشجعهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطريقة مبدعة. أيضًا، ندرك أن الأطفال يتعلمون من خلال اللعب، لذا نسعى إلى دمج عناصر تعليمية في قصص هذه الدمى، مما يساعدهم على اكتساب المعرفة بطريقة ممتعة وشيقة. في النهاية، نأمل أن تساهم هذه الشخصيات في إثراء عالمهم وتوجيههم نحو قيم إيجابية تساهم في بناء جيل واعٍ ومحب وقادر على عيش حياة مستقرة، مرفهة ومريحة مستقبلاً.
هي المهارات المطلوبة للنجاح في ريادة الأعمال؟ وماذا تعلمت في طريقك لتصيري رائدة اعمال ناجحة؟
للنجاح في ريادة الأعمال، هناك العديد من المهارات الأساسية التي يجب تطويرها، ومنها القدرة على التفكير النقدي، والابتكار، والتخطيط الاستراتيجي، بالإضافة إلى مهارات التواصل الفعّال. كما أن التكيف مع التغييرات والتحديات أمر حاسم، لأن بيئة الأعمال دائمًا ما تكون متغيرة. من تجربتي كرائدة أعمال، تعلمت أن المثابرة والإصرار هما من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها أي رائد أعمال. هناك أيام قد تكون صعبة، وقد تواجه تحديات قد تبدو مستحيلة، ولكن التمسك برؤية واضحة وعدم الاستسلام هو ما يفرق بين النجاح والفشل. أدركت أيضًا أهمية المرونة والاستعداد لتغيير استراتيجيتك عندما ترى أن ما تعمل عليه لا يحقق النتائج المرجوة. التكيف مع الظروف وتعديل الخطط يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة ويتيح لك فرصة أفضل للنجاح. بالتالي، من المهم أن نستمر في العمل بجد، حتى عندما تبدو الأمور صعبة. الصمود في مواجهة العقبات يُعزز الثقة بالنفس ويشجع على اتخاذ خطوات جريئة نحو تحقيق الأهداف. بالمجمل، النجاح في ريادة الأعمال يتطلب شغفًا حقيقيًا بما تقوم به، واستعدادًا للعمل الجاد، ومرونة في مواجهة الصعوبات، لأن كل خطوة صغيرة تقربنا من تحقيق أحلامنا.
كيف تعرفين العيش المرفه في أوقاتنا الحالية؟
أؤمن أن مفهوم الرفاهية يجب أن يتغير ليصبح أكثر ارتباطاً بالمعنى والجوهر بدلاً من المظاهر المادية فقط. بالنسبة لي، الرفاهية الحقيقية تكمن في الاستمتاع بتجارب ذات قيمة، مثل الحفاظ على صحتنا النفسية والجسدية، وإيجاد التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وبناء علاقات إنسانية عميقة. لا يمكننا إنكار أن المال مهم لتأمين حياة مريحة ولإعطاء الإنسان الحرية لمتابعة ما يحبه، ولكن الهوس بالماديات لا يحقق السعادة. في الوقت ذاته، وسائل التواصل الاجتماعي قد أثرت بشكل كبير على تصورات الكثيرين، خاصة الجيل الأصغر، الذين قد يشعرون بأن الرفاهية تتعلق بالماديات التي يرونها على الإنترنت. آمل أن يتعلم الجيل الجديد أن الرفاهية ليست مجرد مظاهر مادية، بل هي في العيش بطريقة تتماشى مع قيمهم الشخصية وتطلعاتهم. من الضروري أن يدركوا أن ما يعرض على وسائل التواصل ليس دائماً واقعياً، وأن السعادة الحقيقية والرفاهية تأتي من تحقيق الرضا الداخلي والتوازن في الحياة، وليس من السعي وراء المظاهر الفارغة.
في مشاركاتك المحلية و العالمية سواء مهرجانات أو ندوات ومؤتمرات، ما هي الصورة التي تحبين إعطاءها عن الشابة السعودية؟
في مشاركاتي المحلية والعالمية، أحرص على تقديم صورة تعكس التنوع والقوة التي تمتلكها الشابة السعودية. أحب أن أظهر أن المرأة السعودية قادرة على النجاح في مجالات متعددة مثل ريادة الأعمال والإنتاج الفني، مع الحفاظ على هويتها الثقافية وقيمها. أرى أن دورنا لا يقتصر على النجاح الشخصي فقط، بل يشمل أيضًا المساهمة في إحداث تأثير إيجابي في المجتمع، سواء من خلال تقديم محتوى ثقافي هادف للأطفال أو إظهار جمال تراثنا وثقافتنا. كما أؤمن بشدة أن على النساء دعم بعضهن البعض لتحقيق النجاح والتمكين الجماعي. أحب أن أكون مثالاً للشابات على أنهن قادرات على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وأن النجاح لا يُقاس بالمظاهر، بل بالقدرة على المساهمة في تحسين المجتمع والتفوق في ما نقوم به بحب وشغف.
ما الذي يحركك للاستمرار في العطاء، وما هي مشاريعك المقبلة؟
ما يحركني للاستمرار في العطاء هو رؤية الأثر الإيجابي الذي نحدثه في المجتمع، سواء من خلال التفاعل مع الأطفال وأسرهم أو من خلال ردود الفعل الإيجابية على الأعمال التي نقدمها. معرفة أن ما أفعله يساهم في تعليم الأطفال وتوسيع مداركهم ويُعزز قيمهم وثقافتهم هو أكبر دافع لي للاستمرار. أعتبر أن تأثيرنا ليس فقط على مستوى الترفيه، بل يمتد إلى بناء جيل واعٍ وقادر على فهم هويته وثقافته بأسلوب ممتع وتعليمي.
اما عن مشاريعي المقبلة، فأنا أعمل حالياً على فيلم رسوم متحركة لعزوز وجود نطمح إلى عرضه على المستوى العالمي، بهدف إظهار جمال السعودية للعالم من خلال عيون الأطفال. كما لدينا خطط لإطلاق المزيد من العروض الترفيهية المميزة، بالإضافة إلى تطوير ملكيات فكرية جديدة تحمل رسائل تعليمية وثقافية تعزز القيم الإيجابية لدى الأطفال. نسعى دائمًا لتقديم محتوى فريد يُسهم في نموهم العاطفي والفكري ويشجعهم على حب التعلم والاكتشاف.
اقرئي المزيد: كريستينا عاصي قصة إرادة استثنائية بوجه هجوم غادر