
الصحة النفسية الحفاظ عليها وتجربة تشاركها المؤثرة إلسا قهوجي

أصبحت الصحة النفسية أو Mental Health موضوعاً يحظى بالكثير من الاهتمام خلال السنوات الأخيرة، لا سيّما أنّ الأجيال الجديدة هي أجيال إلكترونية تتعرّض للكثير من التحديات في ظلّ هيمنة وسائل التواصل وتغيّر القواعد الاجتماعية والتحوّل من المفاهيم التقليدية إلى أخرى أكثر انفتاحاً. فما أهمية أن تحافظ كل منّا على صحتها النفسية؟ ما متطلبات ذلك؟ وما التجربة التي شاركتنا إياها المؤثرة اللبنانية إلسا قهوجي بشأن حب الذات وتقبّل الذات، باعتبار أنّهما ركيزتان من ركائز الصحة النفسية؟
نعيش في عالم تتسارع وتيرته وتكثر متطلباته، ما يجعلنا نواجه ضغوطاً متزايدة سعياً إلى تحقيق الرضا الذاتي والتوازن بين مختلف الجوانب الحياتية. وبين الحياة الشخصية والحياة المهنية والطموحات المستقبلية، تتأثّر صحتنا النفسية ونشعر بأنّنا نفقد أحياناً التحكم فيها والسيطرة عليها.
مفهوم الصحة النفسية
يُعتبر مفهوم الصحة النفسية مفهوماً واسعاً إلى حد ما، حيث تندرج ضمنه الكثير من الجوانب مثل العناية بالنفس وحب الذات وتقبّل الذات والثقة والوعي والاعتراف بالواقع وغيرها...
لكن لو أردنا الانطلاق من التعريف الرسمي لما تعنيه الصحة النفسية، يمكن أن نقول:
الصحة النفسية هي حالة الرفاه النفسي، ويعني الحفاظ على صحة نفسية جيدة وامتلاك القدرة على مواجهة الضغوط الحياتية وتحقيق الإماكانات وتوسيع دائرة المعرفة واستكمال التعلّم و/أو العمل بطريقة سليمة كما المساهمة في المجتمع.
وبما أنّ مفهوم الصحة النفسية يتفرّع إلى كل هذه الجوانب، لا تقلّ أهميته عن الصحة الجسدية. فحين تكون صحتنا النفسية جيدة، نستطيع الاستمتاع بكلّ ما تقدّمه لنا الحياة ونتمكّن من مواجهة الصعوبات لتشكّل فرصاً لنا لتحقيق النمو على مختلف الأصعدة.
الحفاظ على الصحة النفسية في عالم اليوم
سنطرح عليكِ سؤالاً بسيطاً: "متى كانت المرة الأخيرة التي زرت فيها الطبيب أو أجريت فحوصات طبية للاطمئنان على صحتكِ؟ منذ شهر، أو 6 أشهر، أو حتّى عام؟ لكن، متى كانت المرة الأخيرة التي خصّصت فيها وقتاً للتحقّق من صحتكِ النفسية؟"... لا تذكرين حتّى، أليس كذلك؟
أتعرفين السبب في ذلك؟ إنّه العجز عن فهم الرابط الفعلي بين الجسم والعقل، وأهمية العناية بعقولنا وإعطاء الصحة النفسية الاهتمام نفسه كما الصحة الجسدية. ومع كثرة المسؤوليات في حياتنا أحياناً، وعلى الرغم من التعب والإرهاق وعدم التوازن الذي يمكن أن نشعر به، نردّد على أنفسنا عبارات مثل "لا بأس"، "ليس مهمّ"، "ستتحسّن الأمور تدريجياً"، "لا داعي لأي تغيير"، ...
تأثير العالم من حولنا
وتنشأ هذه الضغوط في كثير من الحالات بسبب التوقّعات التي نضعها لأنفسنا. فلو كنتِ أماً على سبيل المثال، تفكّرين في أنّ الجميع يتوقّع منكِ الأفضل تجاه زوجكِ وأطفالكِ ومنزلكِ. ولو كنتِ موظّفة في شركة، تفكّرين في أنّ الإدارة تتوقّع منك أفضل أداء على الإطلاق. ولو كنتِ تعملين على حسابكِ الخاص، تتوقّعين من نفسكِ أن تحافظي على مهاراتكِ المهنية. وهذه التوقّعات تتَرجم في ضغوط، وتؤثر بالتالي على صحتكِ النفسية. وحتّى بعيداً عن المسؤوليات، نشعر بالضغوط سعياً إلى تلبية المعايير السائدة في المجتمع، سواء كانت المعايير الجمالية أو معايير الجسم أو غيرها. فالخوف من ألّا تكوني كافية والتوتّرات التي تواجهكِ تؤثر على مشاعركِ وتصعّب عليكِ الحفاظ على توازنكِ النفسي.
عادات يومية مفيدة
تكشف لك د. Chasity O’Connell من مركز Thrive Wellbeing Centre مجموعة من النصائح أو العادت التي يمكنكِ اتّباعها بانتظام للحفاظ على صحتك النفسية:
1. التحقّق من صحتكِ يومياً: من الضروري أن تحافظي على علاقة صحية مع نفسكِ، ولذلك اطمئني على نفسكِ يومياً واطرحي الأسئلة الآتية: كيف أشعر اليوم؟ هل أنا بخير؟ وهكذا، تراقبين أي مشاعر سلبية قد تختبرينها، سواء الحزن أو الإحباط أو التوتّر.
2. رفض المثالية: ابذلي جهداً لكي لا ترهقي نفسكِ سعياً إلى تحقيق المثالية. فمن المهم أن تفهي إمكانياتكِ وقدراتكِ وحدود ما يمكنكِ إعطاءه.
3. إعطاء الأولوية لأصغر الأمور في حياتك اليومية: خصّصي مساحة يومية للأمور الصغيرة التي تسعدك، سواء الاستماع إلى الموسيقى أو ممارسة هواية معيّنة أو ممارسة الرياضة أو التلذّذ بالقهوة في أحد الأماكن المفضّلة بالنسبة إليكِ. فهذا يساعد في تعزيز التواصل مع نفسك.
4. عدم الخوف من كلمة "كلّا": لا يمكن أن تقبلي كل شيء وعليكِ أن تحدّدي أولويات الأشياء في حياتك. ويعني هذا أنّكِ قد ترفضين بعض الأمور! وحتّى لو عنى ذلك عدم تلبية توقّعات الآخرين، فكّري أولاً بنفسكِ وتأكّدي أنّ ذلك لن يؤثر على الحب والاحترام بينك وبين أيٍ كان.
5.طلب المساعدة: في حال شعرتِ أنّكِ بحاجة فعلاً إلى مساعدة متخصّصة، لا تتردّدي من طلبها من اختصاصي موثوق. فالعلاج هو الطريق نحو النمو واكتشاف الذات، والأهم من ذلك تقدير وحب الذات.
إلسا قهوجي تشاركنا تجربتها
منذ فترة قليلة، كشفت المؤثرة اللبنانية الشابة إلسا قهوجي عن مشكلتها مع البثور وحب الشباب، وقالت إنّها تظهر للمرة الأولى بدون مكياج بعد أن قضت أشهر طويلة وهي تخبئ مشكلتها. وقد أثّرت فينا للغاية، واعتبرناها مثالاً لحب الذات وتقبّل الذات وللمساعي التي يمكن أن تبذلها كل منّا للحفاظ على صحتها النفسية، بدون أن تخشى آراء الآخرين أو مقارنة نفسها مع ما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولذلك، أجرينا معها هذه المقابلة.
1. ماذا تعني لكِ الصحة النفسية؟
الصحة النفسية هي كل شيء، هي أساس هويتنا وقدرتنا على التعامل مع كل ما تقدّمه لنا الحياة.
2. لماذا تعتقدين أنّه من الضروري الحفاظ على صحتنا النفسية تماماً كما صحتنا الجسدية؟
تتساوى أهمية الصحة النفسية بأهمية الصحة الجسدية لأنّها تؤثّر على كل جانب من جوانب حياتنا. ولا يمكن أن نمضي قدماً في حياتنا ما لم يكن عقلنا سليماً.
3. التواجد طوال الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي ليس أمراً سهلاً، ويمكن أن يؤثر على الصحة النفسية. فكيف تحمين نفسكِ؟
أحاول ألا أعمل فوق طاقتي النفسية. فإذا شعرت بالإرهاق أو الإحباط، أسمح لنفسي بأخذ قسط من الراحة والابتعاد قليلاً. كما أنّني أشارك منشوراتي حين أشعر برغبة في ذلك، وليس تحت الضغوط. كذلك، أضع حدوداً من خلال الحفاظ على خصوصية جزء كبير من حياتي.
4. منذ أسابيع قليلة، تحدثتِ بصراحة عن مشكلتكِ مع البثور وحب الشباب على مواقع التواصل، لماذا اعتقدت أنّه الوقت المناسب للقيام بذلك؟
بعد سنوات من تجنّب العلاجات القاسية، قرّرت أخيراً أن أبدأ رحلتي لمعالجة حب الشباب وشعرت أنّه الوقت المناسب لأتحدث مع الجميع عن مشكلتي. وأردت أن يفهم جمهوري عبر الإنترنت أنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي مساحة منظّمة حيث يختار الأشخاص مشاركة ما يريدونه فقط. ولنكن واقعيين، لا أحد يريد تسليط الضوء على مخاوفه، غير أنّ هذا لا يلغيها.
لذلك، كنت آمل، من خلال مشاركة تجربتي، أن أظهر جانباً أكثر صدقاً من شخصيتي. وصحيح أنّني أضع المكياج وأستخدم إضاءة جيدة، غير أنّني أعاني من مشكلة البثور وراء الكواليس، تماماً كما الكثيرين غيري. وقد أردت أن يتفاعل المتابعون معي ويعرفوا أنّني أحسّ بمعاناتهم، فيعلموا أنّهم ليسوا لوحدهم.
5. كيف أثرت هذه المشكلة الجمالية على صحتكِ النفسية؟ وكيف ساعدتكِ الصراحة على تقبّل نفسكِ ومخاوفكِ؟
شعرت في مرحلة ما أنّ هذه المشكلة بدأت تؤثر على صحتي النفسية، وهنا أدركت أنّني بحاجة إلى بدء العلاج. لم أكن أخرج من المنزل بدون مكياج لأنّ بشرتي تحرجني. لكن المضحك في ذلك هو مشاعري السلبية التي كانت تزيد في كل مرة حاولت إخفاء الأمر. ولذلك، شعرت براحة كبيرة حين تحدثت بصراحة عن مشكلتي، وأدركت أنّ الكثيرين يعانون مثلي. وقد أحسست بتحسّن كبير بعد الدعم الذي وصلني، حتّى أنّني، وبكل صراحة، تصالحت مع بشرتي.
6. ما رسالتكِ إلى فتيات الجيل الجديد اللواتي يعانين من مشكلة تقبّل الذات ويواجهن صعوبة في الحفاظ على الصحة النفسية؟
صحيح أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تمثّل مساحة جميلة، غير أنّها لا تخلو من السلبيات. تذكّري دائماً أنّ غالبية ما ترينه هو عبارة عن منشورات يختارها أصحابها بعناية، بدون أن يظهروا الصورة الكاملة للواقع.
أنتِ فريدة، وهذه هي قوتكِ. لا تقارني نفسكِ بالآخرين ولا تسعي لتحقيق معايير غير واقعية. تقبّلي نفسكِ كما أنتِ مع كل عيوبكِ، لأنّ الثقة الحقيقة تأتي من قبول الذات، وليس من الكمال.
اقرئي أيضاً: المؤثرة زهرة خليل في حديث عن الجمال وحب الذات والصحة النفسية