السرد القصصي: رسالة من العلامات التجاريّة الفاخرة
الجميع يحب سماع القصص، وإنّ القصص هي ما يوحّدنا ويقرّبنا من بعضنا البعض ويساعدنا على فهم بعضنا البعض. ولطالما تم استخدام فن سرد القصص في عالم الرفاهية كأداة فعّالة لإيجاد أرضية مشتركة بين العلامات التجارية والمستهلكين. وبالاستناد على تراث العلامة التجارية وتاريخها، يصوغ السرد القصصي بشكل فعال جوهر ما تمثله هذه الأخيرة. وإنّ كل قصة ترويها علامة تجارية فاخرة هي رسالة للمستهلك. إنّها حكاية أصلية تنقل ما تمثّله العلامة التجارية ومصدر إبداعها. وفي عالم الرفاهية على وجه التحديد، تلعب الخبرة والمشاعر دوراً مهماً في إنشاء علاقة بين المستهلكين والعلامات التجارية، ما يعزّز في المقابل ولاء المستهلكين للعلامات التجارية. ويُعتبر فنّ سرد القصص من أقوى الأدوات التي تسمح للعلامات التجارية بتصوير خلودها وعرض درايتها وجذب المستهلك إليها من خلال حرفيتها غير المسبوقة.
"أقوى شخص في العالم هو الشخص الذي يتقن مهارة السرد القصصي، فهو يصوغ رؤية جيل قادم بأكمله ويؤسس لهم القِيم ويضع لهم خطّة العمل."– Steve Jobs
وقد نجحت العلامات التجارية الفاخرة الرئيسية التي تهيمن على سوق الأزياء والمجوهرات الراقية في المحافظة على أهميّتها على مر السنين، وذلك من خلال مهارة واحدة ألا وهي سرد القصص. حتى في عالم اليوم السريع التطور، والذي دخل عليه التحول الرقمي، لا يزال فنّ سرد القصص يُستخدم كأداة فعّالة تسمح للعلامات التجارية ليس فقط بالتواصل مع المستهلكين، ولكن أيضاً بتحديد مكانتها في السوق. ومن السهل على المستهلكين تحديد مكانة علامة تجارية ما كما تمييز علامات الأزياء الفاخرة عن السريعة، ويعود ذلك إلى المعلومات المتاحة والتي يسهل الوصول إليها، وارتفاع معرفة المستهلكين وفضولهم. وإنّ تراث العلامات التجارية وتاريخها الغني هما ما يرفعانها إلى قمة الهرم، والسرد القصصي هو الطريقة الأكثر شيوعاً والأنجح في تصوير هذا التراث.
وفي عالم شديد التنافس ويزداد فيه الوعي الاستهلاكي، يبحث المستهلكون عن الجمال في المنتجات. فهذا ما يجذبهم إلى علامة تجارية أو إلى الشراء. ولكن عندما يتعلق الأمر بعالم الرفاهية، تلعب الحرفية دوراً حيوياً في الحفاظ على تاريخ العلامة التجارية، وفي المقابل، ولاء العملاء. وتولي العلامات الأساسية التي تهيمن على السوق أهمية كبيرة لتوعية المستهلكين حول درايتها بالإضافة إلى القصة التي تقف وراء كل مجموعة تقدّمها؛ فإنّ المصداقية وتعلّق العميل بالعلامة ينبعان من تراثها، وأفضل طريقة لعرضه هي من خلال سرد قصة.
"القصة العظيمة تكون حقيقية. ليس بالضرورة لأنها واقعية، ولكن لأنها متماسكة وصادقة ". – Seth Godin، كاتب، محاضر، معدّ استراتيجيات تسويق
Credit: HARLEY WEIR
وتُعد Gucci و Dior و Burberry و Chanel و Van Cleef & Arpels و Tiffany & Co من أهم العلامات التجارية الرائدة في مجالات الموضة والمجوهرات الراقية، وتمتلك تراث متين وقوي يقف في طليعتها. وإنّ هوية كل واحدة من هذه العلامات التجارية مبنيّة على عناصر تاريخيّة تشكلّ جوهرها الأساسي، ويتم عرضها من خلال مهارة سرد القصص الناجحة التي تؤدي إلى تعلّق العميل بالعلامة وتعزّز ولائه. ومع التغييرات السريعة التي تحدث اليوم في عالم التحوّل الرقمي، فإن العلامات التجارية الفاخرة قادرة على الوصول إلى عدد أكبر من المستهلكين وخاصةً الجيل زد وجيل الألفية اللذان يتمتّعان بقدرة شرائية كبيرة، ويمتلكان دافعاً متأصلاً لاكتساب المعرفة والوعي من خلال الوسائل التكنولوجية، وخاصةً من خلال البوابات الإلكترونية، ما يسمح للعلامات التجارية الفاخرة بنقل رسالتها عبر الإنترنت، وتحقيق توازن مثالي بين التراث والتحديث. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يقدّمون للمستهلكين اليوم تجربة فاخرة تحترم وتقدّر تراث العلامة التجارية، ولكن يتم تقديمها بالطريقة التي يرغب المستهلك اليوم في رؤيتها.
ويكمن جمال عالم الرفاهية اليوم في السرد القصصي الذي يقف كعنصر أساسي لدى العلامات التجارية. ومع التحول السريع نحو التكنولوجيا، تكيّفت العلامات التجارية مع التحديث، مع المحافظة على وفائها لجوهر السرد القصصي. فعلى سبيل المثال، استعانت دار الأزياء الفرنسية الفاخرة Chanel بمفهوم السرد القصصي وقدّمت كتاب رقمي يحمل إسم Inside Chanel. يضمّ الكتاب مقاطع فيديو مقسّمة إلى فصول تماماً كالكتب التقليدية، وتسرد تاريخ العلامة التجارية، ما يتيح للمستهلكين فهم وتقدير أسس الدار والتسلسل الزمني لتاريخها. وبالاستعانة بالسرد القصصي، تزيد Chanel وعي المستهلكين بها وتبني معهم ارتباط عاطفي وتعزّز تقديرهم بمنتجاتها. من جهّة أخرى، تقوم علامة Burberry باستخدام الفيديو كوسيلة لسرد القصص لتعرض تاريخها وتحتفل به. وأحد الأمثلة البارزة هو الفيلم الذي يحمل عنوان The Tale of Thomas Burberry، والذي يأخذ المشاهدين في رحلة آسرة عبر حياة مؤسس العلامة التجارية، ويسلط الضوء على الأحداث المحورية التي شكلت تاريخ العلامة التجارية وهويتها الحالية. فمن خلال استخدام الفيديو كوسيلة لسرد القصص، مكّنت Burberry المستهلكين من فهم تراثها وشخصيّتها.
ولطالما استخدمت Dior السرد القصصي كوسيلة للتواصل والتفاعل مع المستهلكين، مدركةً أن المستهلك يبني رابط أقوى مع العلامة التجارية عندما يكون على دراية بأصلها وتراثها المتجذّران في كل مجموعة ومنتج تقدمه الدار. قصة Christian Dior وعنوان 30 Avenue Montaigne الأسطوري و The Granville Villa، كما الشغف القوي بالزهور والحدائق، كلّها قصص رمزية للعلامة التجارية مستمجّة من حياة الراحل Christian Dior، وتدمج عناصر طفولته لإنشاء قصة تعكس مجموعات العلامة التجارية اليوم؛ قصة يكون المستهلكون على دراية بها وقادرين على ربطها بمنتجات العلامة الشهيرة. فمثلاً مجموعة خريف 2023 التي تم عرضها في مومباي، كانت تتمحور حول إيجاد طرق جديدة لمشاركة المشاعر والعواطف مع بلد وثقافة جديد. فصورت المجموعة بشكل جميل تبادلاً للقصص. ومن خلال حوار فني آسر، عرضت المجموعة الحرفية الاستثنائية العلاقة الاستثنائية بين فرنسا وإيطاليا، ما يمثّل التجارب والحكايات المشتركة بينهما.
Credit: Ketaki Sheth
أما علامة Gucci الإيطالية الفاخرة، فقد غيّرت مفهوم إعادة الابتكار على مدار العامين الماضيين. ظلت العلامة التجارية وفية لتراثها، ولطالما دافعت عن صوتها وقيمها، وهي تحتفل بها اليوم من خلال إنشاء محتوى فيديو بشكل متواصل يحتضن جمال أسلوب حياة Gucci. جزء كبير من أسلوب الحياة الذي تركّز عليه العلامة التجارية هو احتضان الاحتفال بالفردية التي تعكس تراث الدار الغني وجوهرها. ومن خلال الحملات الإعلانية الموسمية التي تطلق مجموعات جديدة، تركز العلامة التجارية على سرد قصة معينة يتم تصويرها طوال الحملة من خلال عدسة مصورين مشهورين يستخدمون الصور كوسيلة لتوصيل رسالة. فمثلاً لشهر رمضان 2023، أصدرت العلامة التجارية مجموعة مخصصة أطلقتها في حملة تسرد قصة الضوء المنبعث من سماء الليل في خلال هذه الفترة الخاصة من العام، والتي اندمجت بشكل جميل مع مجموعة Gucci Nujoumالتي تمثل أيضاً انعكاساً لجمالية الدار الراقية ودرايتها المعاصرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معرض Gucci Summer Stories يسرد قصة الاستكشاف والمنفس التي تنعكس من خلال أيقونات الدار.
ومن جهّة أخرى، تقف قصة الحب الأبدي والرومانسية في جوهر كل ما تطلقه Tiffany & Co. من المنتجات إلى الحملات، يتم تصوير موضوع الحب والتاريخ من خلال قوة السرد القصصي، ما يسمح لنا بالتعلّق بموضوع وتجربة مشتركة. كعلامة تجارية تكرّم الالتزام، أطلقت حملة Love& Engagement لتكتشف الدور الذي تلعبه في قصص الحب الواقعية، وتصوّر بإيجاز القصص الشخصية للأزواج وكيف وقعوا بالحب، ما يؤدّي إلى قصص ديناميكية تشرك عملاء Tiffany مباشرة مع العلامة التجارية. ويستند المحتوى الذي تقدّمه على السرد القصصي الذي ينقل رسالة قوية تدمج تراث الدار الغني مع مفهوم الحداثة، ما يشعل المشاعر. وكونTiffany علامة تجارية تركز على المناسبات الاحتفالية والاعتزاز بالعلاقة بين السعادة والمجوهرات الثمينة، احتفلت سفيرة الدار Nancy Ajram بيوم ميلادها الأربعين في خلال زيارتها الأخيرة للمشاركة في افتتاح متجر The Landmark الشهير في الجادة الخامسة مع خاتم Tiffany Setting® Diamond Ring - وهو قطعة أسطورية تحكي قصة جمال استثنائي وحرفية لا مثيل لها. أمّا علامة House of Van Cleef & Arpels، فبالاعتماد على القصص الرومانسية، أنشأت قصّة مصوّرة يتم إضافة فصول جديدة عليها باستمرار منذ أن تأسست العلامة التجارية الفاخرة، وبذلك، تجدد هويتها مع البقاء في إطار نفس القصة. وبتقديم سلسلة من القصص، ترسل العلامة التجارية رسالة إلى الجمهور تصور درايتها غير المسبوقة وتراثها الغني من خلال إنشاء قطع حديثة يتردد صداها مع الماضي، فتكون بذلك كشفت عن قصة قديمة من الماضي لا تزال ساحرة حتى يومنا هذا. ولرمضان 2023، أرسلت العلامة التجارية الفرنسية الفاخرة رسالة نور وتآلف من خلال مشروع تعاوني مع الرسامة Charlotte Gastaut، نتجت عنه مجموعة Lucky Spring التي نقلت رسالتها الخاصة وسردت قصتها المتعلّقة بالتجديد والإشراق والازدهار.
من بين عدد كبير من الوسائل المختلفة لسرد القصص، تتفق العلامات التجارية الفاخرة على أهمية السرد القصصي لنقل رسالة للمستهلكين وبناء علاقة طبيعيّة معهم. وفي الآونة الأخيرة، أولت العلامات التجارية المشهورة دولياً أهمية كبيرة للشرق الأوسط، بحيث ركزت اهتمامها على صياغة قصص تكون ذات صلة بالمنطقة وتعكس التراث الغني للعلامة، ما أدى إلى قصة جديدة مذهلة تربط الشرق بالغرب. العامل الرئيسي الذي تحتاجه علامة تجارية لتنجح في السرد القصصي هو أن تعكس القصّة التي تقدّمها مكانة الدار في السوق. لطالما كانت هذه قوة دافعة لفكرة التواصل مع المستهلكين من خلال السماح لهم بالتعمق في العالم التاريخي للعلامات التجارية الفاخرة. ولطالما كانت قوة سرد القصص سلاحاً مؤثراً لبناء علاقة مع المستهلكين، واليوم أكثر من وقتٍ مضى، نتيجةً للتأثير الذي يحدثه الجيل الجديد. تعكس قصة العلامة التجارية على معانيها الرمزية وتكشف عن تاريخها الفريد الذي يبني بشكل طبيعي علاقة بين العلامة والمستهلك. في عالم اليوم، نمت علاقة العلامة التجارية بالمستهلك عبر الإنترنت بسرعة بسبب التحول نحو سرد نفس القصة ولكن من خلال بوابات إلكترونيّة، ما يسمح للعلامات التجارية بالوصول إلى عدد عملاء أكبر مع الحفاظ على ولائها لتراثها وتاريخها الغني.