اعلى جبل في اليابان وميزاته الطبيعية والجغرافية
يعتير جبل فوجي أعلى قمة في اليابان، حيث يبلغ ارتفاعه 3,776 متراً، ويمكن رؤيته في حال كان الطقس جيداً وغير غائم من العاصمة اليابانية طوكيو، فما هي الخصائص الطبيعية والجغرافية التي تميز هذا الجبل وتجعل لديه قيمة كبيرة لدى الشعب الياباني؟
يعرفه اليابانيون باسم "فوجي سان"، وعلى الرغم من مظهره الذي يوحي بالهدوء، نظرا لموقعه الإستراتيجي وبعده عن الأماكن الحضرية، قام اليابانيون بإنشاء مرصد فضائي في أعلى قمة الجبل. ويعتبره اليابانيون جبلا مقدسا منذ القدم، حيث كان يحظر على النساء الاقتراب منه ولكنه اليوم أصبح مكانا مفضلا للسياح ولهواة التسلق من مختلف أنحاء البلاد.
يقع جبل فوجي عند نقطة تلاقي الصفيحة الأوراسية مع صفيحة أوكتسوك والصفيحة الفلبينية. حيث تشكل هذه الصفائح الثلاثة الجزء الغربي من اليابان، الجزء الشرقي من اليابان وشبه جزيرة إزو على الترتيب. كذلك يعد جبل فوجي من أكبر البراكين الخاملة وآخر انفجار له عام 1707 م ومن بعدها لم ينفجر أبدًا.
يرتفع الإطار الخارجي لفوهة بركان فوجي على قمة الجبل عن أقرب مناطق محيطة بالجبل بثماني نقاط، وعند كل نقطة تم تشييد بوابة «توري» المعتادة في العمارة الشنتوية والدالة على وجود معبد، وتشير الحبال الزخرفية أو «ناوا» إلى الطبيعة المقدسة للمنطقة، هذا ويربط المتسلقون أجراس في تلك الحبال لتبعث رنينها مع هبوب الرياح.
تقع غابة ساحل ميهو نو ماتسوبارا الصغيرة على بعد 45 كيلومتر جنوب غرب قمة الجبل وهي غابة من أشجار الصنوبر، وهنا يوجد معبد ميهو الذي أقيم لتبجيل شجرة صنوبر مقدسة، وتقول الأسطورة القديمة أن أنثى ملاك نزلت من السماء إلى هذه البقعة وخلعت الرداء التي كانت ترتديه (هاغورومو) لكي تسبح وقامت بتعليقه فوق تلك الشجرة، والواقع أن غموض الغابة وروعة منظر جبل فوجي من هذه البقعة جعلا هذا المكان مصدرًا لإلهام الرسامين وشعراء قصائد «واكا» وفناني مسرح النوه.
مع تطور هذا النوع من عبادة الطبيعة تأصل عند اليابانيين الإحساس بأن الجبال يجب التطلع إليها بإجلال من أسفل لأن الآلهة تسكن عند قممها في العالم الآخر. وعلى قمة جبل فوجي يوجد معبد شنتوي يسمى سينغين جينجا وهو مقر آلهة الجبل الشتوية وقد أقيمت أيضًا معابد أخرى كثيرة تحمل نفس الاسم على منحدرات الجبل وبتأثير من الرغبة القوية لدى اليابانيين نحو تعظيم جبل فوجي باعتباره إله أو كامي في حد ذاته.
هذا الاعتقاد نراه مسجلًا فيما يسمى «مان يوشو» وهي مجموعة أشعار من طراز «واكا» تم تجميعها خلال مئة سنة تقريبًا ابتداءً من النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، وفيها نجد أن أحد شعراء البلاط وهو «يامابي نو أكاهيتو» يمدح ارتفاع جبل فوجي وجماله وطبيعته المقدسة قائلا: «كامي سابيتي-إيرو» ومعناها «يتصرف مثل إله»، وهنا نرى إشارة أدبية مبكرة وواضحة جدًا للطبيعة المقدسة لجبل فوجي.
رغم الجمال الباهر لجبل فوجي فهو يضم في تاريخه وجهًا أخر يجعله جبلًا رهيبًا ويبرر تصنيفه كبركان نشط (رغم أنه خامد منذ فترة طويلة)، وقد حدث آخر انفجار ضخم لهذا البركان في عام 1707 أي منذ أكثر من ثلاثمائة عام كاملة.
وهكذا ينتصب جبل فوجي كإله كامي من ناحية وكمصدر لكوارث مخيفة من ناحية أخرى رغم ندرتها، ونحن اليابانيون يكمن في أعماقنا شعور برهبة شديدة من الطبيعة وندرك تمامًا أننا نعيش وسط طبيعة متغيرة لا تستمر أبدًا على حالها، جميلة لكنها قادرة أيضًا على السحق والتدمير كما رأينا في زلزال شرق اليابان الضخم عام 2011 وما حدث بعد وقوع الاهتزازات واكتساح أمواج التسونامي، والواقع أن معابد سينغين جينجا المنتشرة على جبل فوجي تجسد أمل اليابانيين في التحرر من تلك الكوارث المرعبة.