إلهام الشحيمي: كل خطوة نحو الاستدامة تقود لمستقبل أفضل نعيشه بتناغم مع بيئتنا

الوعي بأهمية وخطورة تأثير الإنسان على البيئة لم يعد أمراً ثانوياً في حياتنا العصرية، بل بات حاجة ملحة يجب أن تكون في ذهن كل من يفكر بافتتاح مشروع جديد في أيّ من القطاعات الحيوية والاقتصادية، فكل خطوة وتصرف مهما بدا صغيراً يؤثر على البيئة بل ويترك آثاره لسنوات طويلة إلى الأمام. من هذا المنطلق كانت فكرة مشاريع خمس شابات عربيات ناجحات في مجال الاستدامة، فاستحقين أن نلقي الضوء عليهن في عدد مخصص لهذه الأرض ولكل ما يسمح لنا بحمايتها والحفاظ عليها، لتكون المكان الذي نبدأ منه ونذهب إليه. تعرفي على 5 قصص ملهمة وابدأي معها عامك الجديد.

بدأ اهتمامك الدكتورة إلهام الشحيمي بالمجال البيئي وبالاستدامة، من خلال إدراكها للترابط الوثيق بين قراراتنا اليومية، مهما بدت صغيرة، ومستقبل الكوكب، وهي تقول "كل اختيار غذائي أو شرائي أو حتى وسيلة تنقل، يُحدد موقفنا من الاستدامة، سلباً أو إيجاباً. لقد زاد هذا الوعي مع تفاقم التحديات البيئية، كارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء والماء، فأدركت أن الاستدامة ليست مجرد حماية للبيئة، بل هي إعادة تعريف لكيفية عيشنا، وتحقيق رفاهيتنا، من خلال أنماط حياة أكثر صحة واتزاناً، وتوفير فرص عمل، وبناء اقتصاد قوي ومستدام، فكل خطوة نحو الاستدامة هي خطوة نحو مستقبل أفضل، يعيش فيه الإنسان في تناغم مع بيئته". التقينا الدكتورة إلهام لتحدثنا عن مشروعها Bright Path، والدور الذي يلعبه في مجال الاستدامة.

تقول "في Bright path ندعم المشاريع المستدامة، ونقدم الحلول البيئية: يُشبهُ بناءَ صرحٍ شامخٍ على أسسٍ متينة. لا نكتفي بوضعِ الحجر الأول، بل نُشارك في تخطيطِ كلِّ بنايةٍ، ونُحرصُ على أن تكونَ متماسكةً، مستدامةً، قادرةً على مواجهةِ تقلباتِ الزمن. نُؤمنُ بأنّ الاستدامةَ ليست مجردَ شعارٍ، بل هي نهجٌ حياة، يُبدأُ من فهمِ جذورِ المشكلة، ويتجلى في إيجادِ حلولٍ عمليةٍ، مُبتكرة، تُراعي التوازنَ بين الحفاظِ على البيئة، وتحقيقِ التنميةِ الاقتصاديةِ، والارتقاءِ بالمجتمع. فكما أنّ البناءَ الجميل لا يُكتملُ إلا بتعاونِ المُهندسينِ والعمالِ، فإنّ تحقيقَ الاستدامةِ يتطلبُ تضافرَ جهودِ الجميع، حكوماتٍ، ومؤسساتٍ، وأفرادًا. لقد قطعنا شوطًا في هذه الرحلة الطويلة، لكنّ الطريقَ لا يزالُ طويلًا، ونحنُ مستمرون في البناء، بثقةٍ، وعزمٍ، وسعيٍّ دائمٍ نحو الأفضل. ولن نُغفلُ أي جانبٍ من جوانبِ هذا الصرح، فالتنميةُ المستدامةُ تتطلبُ اهتمامًا مُتكاملاً بالجوانبِ البيئيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعية، ونحنُ نعملُ على ذلك بجدٍّ وإخلاص".

مساعدة الشركات على بناء مستقبلٍ أكثر اخضراراً

تضيف " نؤمن بأنّ الاستدامة ليست مجرد مُصطلح، بل هي جوهر التقدم الحقيقي. نساعد الشركات على بناء مستقبلٍ أكثر اخضراراً، بَدءاً من وضع استراتيجيات استدامة مُبتكرة ومتماثلة مع أفضل المعايير العالمية، وصولاً إلى تطبيق ممارسات الاقتصاد الدائري التي تُقلل الهدر وتُعزز كفاءة استخدام الموارد. نسهم بشكل فعال في بناء أنظمة إنتاج مُغلقة، لا تُلحق الضرر بالبيئة، بل تُحافظ عليها. ونعمل على تصميم وتنفيذ برامج مسؤولية اجتماعية للشركات، لتعزيز تأثيرها الإيجابي على المجتمعات المحلية، وذلك من خلال تعزيز الشفافية والمسؤولية. ونُساعد في قياس الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمة (ESG) عبر تقارير مُفصلة تُمكّن من اتخاذ قرارات مدروسة، وتُعزز الثقة لدى المستثمرين. ولأنّ الاستدامة تبدأ من الداخل، نُقدم دورات تدريبية متخصصة لتمكين المؤسسات من دمج مبادئ الاستدامة في ثقافتها وعملياتها، مُساعدين إيّاها على تحقيق تحولٍ جذري نحو نماذج أعمال أكثر استدامة. ونُقدم دعمًا شاملاً في الحصول على شهادات وعلامات استدامة معترف بها عالمياً، لتعزيز المصداقية وفتح آفاق جديدة. ولأنّ مُكافحة تغيّر المناخ مسؤولية جماعية، نُقدم أيضاً المساعدة في إجراء تقييمات البصمة الكربونية، ووضع استراتيجيات فعّالة للحد من الانبعاثات. نحن نُؤمن بأنّ الاستدامة ليست خياراً، بل هي استثمارٌ حقيقي في مستقبلٍ أفضل، لِكوكبنا وللأجيال القادمة.

سألناها : كيف ترين واقع العالم العربي في مجال الاهتمام بالبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وأين ترين جدية في البدء باعتماد الخيارات المستدامة في بعض القطاعات الحيوية؟ أجابت: واقعنا العربي في مجال البيئة، كما أراه، هو مزيجٌ من التحدي والفرصة. نعم، نرى آثار التغير المناخي واضحةً، من موجات الحرّ الشديد إلى الجفاف والفيضانات، وهذه ليست مجرد أرقامٍ في تقارير، بل هي واقعٌ يُؤثر على اقتصاداتنا وحياتنا اليومية. لكنّني لا أرى هذا كعلامةِ ضعف، بل كدافعٍ للتحرك. فقد بدأنا نلمس جديةً في بعض القطاعات الحيوية، بالتزامٍ واضحٍ نحو الخيارات المستدامة. تشريعاتٌ جديدةٌ تُصدر، ومبادراتٌ تُطلق، وحتى وعيٌ شعبيٌّ يتنامى. مؤتمر COP28 العام الماضي في دولة الامارات العربية المتحدة كان مثالٌ على ذلك، إذ شهد التزامًا دوليًا بزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة. نحنُ نمتلكُ الإمكانات، والإرادة، والعزيمة، والمهم هو التسريعُ بالخطى، بروحٍ من التعاونِ والتكامل، لنحوّلَ التحدياتِ إلى فرصٍ، ونبنيَ مستقبلاً أخضرَ مزدهراً لأجيالنا القادمة. لا مجالَ للتردد، فالمستقبلُ يُبنى اليوم، بأيدٍ عربيةٍ قويةٍ، وإرادةٍ لا تُقهر.

أهمية إبراز قيمةَ الاستثمارِ في الطاقات المتجددة

حول كيفية حث وتشجيع الدول العربية حكومات وأفراد وقطاعات ومؤسسات خاصة، على الانتاج والاستهلاك المستدام، رأت إنه يجب تبنّي الإنتاج والاستهلاك المستدام، "يتطلبُ أكثر من مجردِ قوانين، بل ثقافةً جديدةً، نهجًا شاملاً. يجب أن نُلهم قادتنا بأمثلةٍ ملموسةٍ لِنجاحاتٍ اقتصاديةٍ تُحققُ التوازنَ بين الربحية والحفاظ على البيئةوصحة المواطن ورفاهه. علينا أن نُبرز قيمةَ الاستثمارِ في الطاقات المتجددة، والاقتصاد الدائري، وليس كأعباءٍ، بل كفرصٍ لخلقِ وظائفٍ جديدةٍ، وجذبِ الاستثمارات الاجنبية، وتعزيزِ تنافسيتنا العالمية عبر تشريعات تنافس اكثر الدول نمواً. كما يجبُ أن نُشركَ المواطنَ العربيَّ في هذه المسيرة، بتعزيزِ الوعيِ البيئيِّ، من خلالِ برامجَ توعويةٍ مُبتكرة، تُشجعُ على التصرفاتِ المسؤولة، من تقليلِ الهدرِ، إلى إعادةِ التدوير، إلى اختيارِ المنتجاتِ الصديقةِ للبيئة. ولا ننسى دورَ القطاعِ الخاصِّ، فالشركاتُ المُلتزمةُ بالاستدامةِ ستكونُ أكثرَ قدرةً على النجاح، وستُلهمُ غيرها من الشركات لتبني نفس النهج. فالمستقبلُ الأخضرُ ليسَ خيارًا، بل هو ضَرورةٌ لِبناءِ دولٍ عربيةٍ قويةٍ ومُزدهرة. ولن نصلَ إلى ذلك إلا بِوَحدةِ الجهود، وِبِرؤيةٍ ثاقبةٍ، وإرادةٍ لا تُقهر".

وعن الصعوبات التي تواجه الدول حاليا في مجال اعتماد الاستدامة، أوضحت "إنّ مسيرة التحوّل نحو الاستدامة في عالمنا العربي تواجه تحدياتٍ متشابكة. فأولاً، يُشكل الاعتماد التاريخي على الوقود الأحفوري حجر عثرةٍ أمام التحوّل للطاقات المتجددة، مُتطلبًا استثماراتٍ ضخمةً وتغييراتٍ هيكليةٍ جذريةٍ. ويُفاقم هذه المعضلة الافتقارُ إلى التمويل الكافي، سواءً على الصعيد المحلي أو الدولي، مما يُحدّ من إمكانيات تنفيذ المشاريع الضرورية. ولا يُمكن إغفال دور الوعي المجتمعي، فلا يزال التثقيف والتوعية بأهمية الاستدامة مطلوبًا بشكلٍ كبير لتغيير السلوكيات والأنماط الاستهلاكية. ويُضافُ إلى ذلك نقصُ الكفاءات والخبرات اللازمة للتخطيط والتنفيذ الفَعّالين، مما يُعيقُ الاستفادة الكاملة من الموارد والمشاريع. كما تُشكلُ التحدياتُ السياسيةُ والتنظيميةُ جزءًا لا يُستهانُ به، بدءًا من البيئة التنظيمية غير المحفزة، وصولًا إلى غياب التنسيق بين الجهات الحكومية. إلى جانب ذلك، تبرز التحدياتُ التقنيةُ في بعض المجالات، مثل تخزين الطاقة، ومعالجة النفايات. وأخيرًا، يُعيقُ غيابُ سياساتٍ واضحةٍ ومُنسّقةٍ، مع معاييرَ موحدةٍ لقياسِ الأداء، عمليةَ التخطيطِ والمتابعةِ الفَعّالة. فكلّ هذه العواملِ المتداخلةِ تُبرزُ الحاجةَ إلى إرادةٍ سياسيةٍ قويةٍ، واستثماراتٍ استراتيجيةٍ، وبرامج توعية مُكثفة، وتعاونٍ إقليميٍّ ودوليٍّ للتغلبِ على هذه التحديات، والمضي قدماً في مسيرةِ الاستدامة.

 

تنامي الوعي الفردي حول الممارسات المستدامة

وفيما لو كانت ترى وجود ازدياد الوعي الفردي في مجتمعنا العربي بأهمية الاستدامة في الممارسات والخيارات اليومية، قالت "بكل تأكيد هناك تَنامٍ في الوعي الفرديّ.نعم، نرى بوادرَ تغييرٍ إيجابيةٍ، فالأفرادُ يبدؤونَ باختياراتٍ أكثرَ وعياً، كَتَقليلِ الهَدَر، وإعادة التدوير، والحرصِ على ترشيد استهلاكِ المياه والطاقة. لكنّ هذا الوعي لا يزال مُقتصرًا على فئاتٍ مُحدّدة، والطريقُ أمامنا لا يزالُ طويلًا. نحتاجُ إلى برامجَ توعويةٍ مُبتكرة، وتشريعاتٍ داعمة، وتعاونٍ شاملٍ بين الحكوماتِ، والمؤسسات، والأفراد، لنُحققَ قفزةً نوعيةً في تبني ممارساتٍ حياتيةٍ مستدامةٍ. فالمسألةُ أكثرُ من مجردِ اختياراتٍ فردية، بل تُمثّل ثورةً في أسلوبِ حياتنا، ونحتاجُ إلى أن نُلهم الجميع بِرؤيةٍ واضحةٍ لمُستقبلٍ أخضرٍ مزدهرٍ.

وقامت الدكتورة إلهام بتبسيط مفهوم الاستدامة للجيل الجديد، ليصلهم بأسلوبٍ شيقٍ ومُلهم، بعيدًا عن المصطلحات المعقدة، فقالت: يجب أن نُظهر لهم الاستدامةَ كَحياةٍ أفضل، وليس كَواجبٍ مُمَلّ. نبدأُ بِرسمِ صورةٍ لِلعالمِ الذي يريدونَ العيشَ فيه، عالمٍ نظيفٍ، صحيّ، مُزدهر. نُشرحُ لهم كيف يُمكنُ لِاختياراتهم الصغيرة – من إعادة التدوير، إلى ترشيد استهلاكِ الماء والطاقة، إلى اختيارِ الغذاءِ الصحيّ – أن تُحدثَ فرقًا كبيرًا. نُستخدمُ التقنيات الحديثة - الألعاب، والرسوم المُتحركة، وسرد القصص – لنُلهمَ الجيل الجديدَ بِمسؤوليّتهِ نحو المُستقبل. نُعلّمُهم أَنَّ الاستدامةَ ليست مجرد مُصطلح، بل هي أسلوبٌ حياةٍ يُعززُ من صحتِهم، وسعادتهم، ومُستقبلهم. فهم مُستقبلُنا، وعليهم أن يُشاركوا في بناء عالمٍ أفضل.

اقرئي المزيد: نسيبة حافظ: رسالتي هي الحث على الاستدامة والاستفادة من المواد المتاحة في محيطنا

 
شارك