إسراء علاف: علامة الأزياء The untitled projectتتميز بخياراتها المستدامة المراعية للبيئة

الوعي بأهمية وخطورة تأثير الإنسان على البيئة لم يعد أمراً ثانوياً في حياتنا العصرية، بل بات حاجة ملحة يجب أن تكون في ذهن كل من يفكر بافتتاح مشروع جديد في أيّ من القطاعات الحيوية والاقتصادية، فكل خطوة وتصرف مهما بدا صغيراً يؤثر على البيئة بل ويترك آثاره لسنوات طويلة إلى الأمام. من هذا المنطلق كانت فكرة مشاريع خمس شابات عربيات ناجحات في مجال الاستدامة، فاستحقين أن نلقي الضوء عليهن في عدد مخصص لهذه الأرض ولكل ما يسمح لنا بحمايتها والحفاظ عليها، لتكون المكان الذي نبدأ منه ونذهب إليه. تعرفي على 5 قصص ملهمة وابدأي معها عامك الجديد.

يبدو لافتاً ما كتبته المصممة السعودية الشابة إسراء علاف في خانة التعريف عن علامتها التجارية The Untitled Project عبر إنستغرام، حيث ذكرت أنه مع كل عملية بيع يتم زرع شجرة، في إشارة واضحة إلى اهتمامها بالأرض والطبيعة وحرصها على الخيارات المستدامة في مسعاها الترويجي لعملها التصميمي والإبداعي. وإسراء شابة سعودية متقدة الذكاء والموهبة، سعت قبل 6 سنوات أي حين انطلقت في عالم التصميم، إلى إطلاق علامة لا تشبه غيرها، سواء في التركيز على إبراز الحس الفردي والعصري للعباءة التقليدية، أو عبر دعم مشاريع إنسانية هادفة تراعي المجتمع السعودي وبيئته، فتعرفي أكثر عليها في هذا اللقاء.

حدثتنا إسراء عن بداياتها في عالم الموضة، فقالت "عرفت دائماً أني أريد دخول قطاع الموضة سواء من خلال التصميم أو التنسيق أو عرض الأزياء، ولكن رؤيتي تبلورت في الجامعة أثناء دراسة التسويق، وقد اخترت هذا الاختصاص عمداً لأني أدركت أني أملك الحس الإبداعي في داخلي، ورغبت بأن أدرس ما يساعدني لكي أتمكن من إطلاق شيء يخصني وإنجاحه عبر الترويج الصحيح له، أحببت قطاع الأعمال واستمتعت بدراسته، كما حصلت على ديبلوم في التصميم الغرافيكي، وفي سنتي الجامعية الثانية أطلقت عادة تخصني وهي Abaya of the week، كنت في كل أسبوع أرتدي عباءة مختلفة، وشعرت كأن العالم هو مساحة العرض الخاص بي، فعلياً عشت في فقاعتي الخاصة بالموضة. في ذلك الحين وجدت صعوبات في إيجاد تصاميم تمثلني وتعكس ذوقي الخاص، المختلف والجديد والذي لا يشبه ما أراه في السوق، فبدأت بالتصميم لنفسي بمساعدة والدتي، التي أخذتني إلى الأسواق وعلمتني بعض تقنيات الخياطة. هكذا ظهرت عباءتي الأولى وارتديتها، ونالت إعجاب كل من حولي، فصاروا يسألونني عن اسم المصمم، وتفاجئوا حين علموا أني نفذتها. بعدها قررت التوسع في التصميم، بداية أردت أن يكون مشروعاً خاصاً عبر إنستغرام، يضم نساء من محيطي، ولكن حين شهدت تزايد نجاحه، قررت أن أفتح الصفحة أمام الملأ، واخترت اسم: The untitled project، والفكرة من الاسم أني لا أريد التقيّد بمواسم أو بمجموعات، بل أرغب بتصميم ما يحلو لي ويعكس أفكاري الخاصة.

دمج بين الذوق الخليجي والأسلوب الغربي

سألناها: ما هي اللمسة الخاصة التي امتلكتها ولفتت أنظار الشابات من حولك إلى تصاميمك، فأجابت "لديّ فهم للذوق العربي والخليجي، وأنا متأثرة بالأسلوب الغربي، لذا فإني حين أصمم أعرف كيف أدمج بين هذين العالمين، فتبدو العباءة جديدة ومراعية للموضة العالمية، بحيث يمكن ارتداؤها كقطعة لافتة وجذابة، وليس كخيار أسود موحّد ومتشابه يخفي الملابس تحتها. أدخلت الألوان في عباءاتي، ولم أصمم العباءات المغلقة بشكل كامل، بل بدأت بتنسيق العباءات مع ما نرتديه تحتها، ومع الأكسسوارت والمجوهرات والحذاء والحقيبة التي نختارها معها. لم أرغب أن تكون العباءة كالجلد بالنسبة للفتاة، فتستمر بارتداء تصميمان أو ثلاث طوال أيام العام، وتبدو حين تغيّر عباءتها وكأنها غيرت شخصيتها، احتجت أن تفهم الشابات أنّ العباءة هي قطعة ملابس تماماً كالفستان أو البلوزة، يمكن تغييرها بشكل يومي، لذا قدمت عباءات بأسعار مقبولة تناسب الشابات في الجامعة، أما اليوم وبفضل سيطرة الموضة السريعة، تغيرت أفكاري التسويقية وبات الجمهور المستهدف أوسع بكثير ما أدى إلى تغيّر في الأسعار والتصاميم".

علامة تراعي الاستدامة في كل التفاصيل

تطرقت إسراء إلى اعتمادها الاستدامة في علامتها التجارية فقالت "أنا مدافعة عن الأرض والطبيعة منذ سنوات طويلة، أهتم كثيراً بالتشجير والحث عليه، ونشر الوعي حول الاستدامة، وحين بدأت في مجال التصميم، أدركت سريعاً أنه لا يوجد علامة سعودية مستدامة في مجال الموضة، لم أرد فقط أن أستخدم الأنسجة العضوية، فالجميع يقوم بذلك إنما بشكل جزئي، ولغاية ما. أردت أن تتميز علامتي بكل خياراتها الصديقة للطبيعة، سواء في الأقمشة والخامات أو التغليف، كما نقوم بحملات شعبية، حيث نجمع قارورات المياه الفارغة وننفذ قطعا فنية باستخدامها، كما أننا قمنا بحملة إنسانية لمناسبة اليوم الوطني السعودي، فتعاونا مع جمعية ترعى نساء عاملات، وساعدونا في تنفيذ مجموعة ملابس خاصة بالمناسبة، ونتعاون على الدوام مع الكثير من الجهات الرسمية والمدنية لكي نلهم مجتمعنا ونوصل لهم أفكارنا ونزرع فيهم فكرة التغيير وإمكانيته، في حال تعاونا وبدأنا بخطوات بسيطة، فالتأثير الكبير يبدأ بخطوة، ونحن نحتاج أن ننطلق من مكان ما".

أضافت "ما يميز علامتي التجارية ليس فقط تركيزها على الاستدامة، بل على المرأة بالمقام الأول: احتياجاتها المتغيرة والملائمة لنمط حياتها المتبدل بشكل سريع في السنوات القليلة الفائتة، ولأن الشابة العصرية تراعي كل الظروف حولها، فإنها بالتأكيد سترغب بتصاميم مستدامة. قمت بدراسة على النساء قبل فترة، لأتعرف على أنماط الشخصيات لدى اختيار العباءة، ووصلت إلى 6 أنماط مختلفة، هكذا حين أصمم أعرف جيداً لمن أتوجه، وكيف أرضي كل الأذواق: أتواصل مع الشابة الكلاسيكية، وتلك الخجولة، الجريئة، والعصرية.. وأعرف أن كل امرأة تخفي داخلها أفكاراً وحالات، تتغيّر مع تطور شخصيتها وتقدمها أكثر في السن وازدياد تجاربها ونظرتها للحياة".

تحديات العمل بمواد صديقة للبيئة

وعن التحديات التي تواجهها كمصممة مستدامة، قالت "أؤمن أنه ليس من الصعب العمل بالأنسجة الصديقة للبيئة، فهي متاحة بكثرة ولكنها أكثر كلفة، إلا أنها تعيش لوقت أطول بالتالي فهي ذات نوعية أفضل، فيبدو الأمر وكأنك تشترين قطعة أبدية ذات تصميم يستمر ويمكن أن تنقلينه إلى الأجيال القادمة".

وحدثتنا عن مصادر إلهامها لكي تتميز كل مجموعة عن التي سبقتها "أستلهم من الكثير من الدول والعواصم التي زرتها، لذا ترين أسماء مجموعاتي تعود لشوارع أو شواطئ أو مدن معروفة، كما أستلهم من مصممي ديكور وفنانين وأحياناً من أغراض بسيطة حولي، ربما وسادة أو سجادة أو قماش أعجبني في سوق شعبي، فأدمج الصور في رأسي وأرسمها أو أطبعها أو أنقشها على القماش، فيبدو النسيج فريداً لأنه يدوي الصنع وجديد".

سألناها: أنت فتاة شابة تمثلين كثيرات من سنك، كيف تنظرين إلى الموضة السريعة والصيحات المتغيرة؟ كيف تنصحين الشابات أن يخترن أزياء تعكس هويتهن وشخصيتهن الحقيقية بغض النظر عن التقليد الأعمى للغير ولا سيما للمؤثرات والنجمات الشهيرات؟، فأجابت "من القيم الأساسية التي نريد إرساءها في مجتمعنا، هو أنّ اختيارات المرأة للأزياء لا يجب أن تتعلق فقط باسم العلامة التجارية وشهرتها، فهي بهذه الطريقة تصرف أموالاً طائلة لمجرد الحصول على قطعة تمتلكها آلاف النساء غيرها، وهي هنا لا تتميّز بأسلوبها الخاص، نحن نريدها أن تحسن اختيار ما يعجبها فعلاً ويعكس شخصيتها واحتياجاتها الحياتية اليومية، فلتبحث عن النوعية المميزة، وستجدها في محيطها وستكتشف قصة رائعة خلفها، وسينتقل إليها الإحساس بالرفاهية الحقيقية، وحين تبحث قليلاً وتقرأ وتتابع أجدد مستجات الموضة، ستتمكن من اختيار ما يناسبها، وتخلق أسلوبها الخاص، الذي يمثلها، ولا يحتاج ربما إلى صرف آلاف الدولارات على قطع ثمينة، إنما لا تملك أي خصوصية".

تصميم العباءة بروح جديدة لتحكي قصصاً مختلفة

وحول اختيارها لتصميم العباءة، فهل ركزت عليها لأنها رمز للمرأة الخليجية، أم لأنها تتماشى مع تفضيلاتها الشخصية وترغب بأن يرى العالم جمالها وأناقتها، قالت "في الواقع، إنه مزيج من الأمرين، لقد رأيت فجوة في السوق السعودي فلم أرى أي علامة تقدم العباءة بأسلوب جديد، يحاكي الشابات الصغيرات، لذا في البداية كنت أستعين بفتيات يرغبن ببدء مسيرة مهنية في عرض الأزياء، فيردتين عباءاتي ويتصورن صوراً محترفة تبرز موهبتهن وتساعدهن للانطلاق. أنا أتوجه بتصاميمي للمرأة العصرية التي تتابع أجدد الفعاليات وترغب بالتعرف على أهم الأماكن والفنادق والمطاعم في المملكة، لزيارتها واكتشاف مدى ملائمتها مع شخصيتها، هي ملمة بالموضة والصيحات، وتختار ما يلاءمها منها لكي تعكس فرادتها وشخصيتها الخاصة، تظهر بثقة وبكامل أنوثتها، وتراعي أيضاً البيئة والطبيعة".

شاركت إسراء العام الفائت في أسبوع ميلانو للموضة، وخلال هذا الحدث العالمي تمكنت من الوصول بالعباءة إلى الغرب، تقول "تمكنا من المضي قدماً بعلامتنا وبأزياءنا نحو الصورة الجديدة للملابس، حيث المرأة تختار زياً متكاملاً وليس مجرد غطاء حين تختار العباءة، تحافظ على خصوصيتها وحشمتها، ولكنها تتألق بتصميم مميز وأنيق ولا يشبه أي قطعة ملابس ثانية.. حين أصمم، أرغب للنساء من كل الجنسيات أن يعجبن بالقطعة، سواء أكانت مستوحاة من أفريقيا أو أوروبا أو السعودية، فهي تحمل هويتها وقصتها وفرادتها التي تحاكي مختلف الأذواق".

تعمل المصممة الشابة حالياً على إطلاق خط أزياء للرجال، يملك لمسة فنية جديدة، ويحاكي الشاب العصري الذي يحب أن يعيش حياته بحرية ويرغب بأزياء تعكس توقعاته وتنوّع الخيارات المتاحة أمامه، مستفيدة من الدعم الكبير الذي توليه الدولة السعودية للمواهب التصميمية والفنية، وهي مستمرة بخطها المستدام وبنهجها الذي يضع الحفاظ على البيئة والطبيعة في الطليعة.

 
شارك