هيفاء المنصور: المرأة السعوديّة جبارة

هي هيفاء المنصور، المخرجة السعوديّة التي تخطّت حدود بلدها، من خلال فيلمها «وجدة» الذي صوّر في الرياض، إنما صوّر للعالم أجمع.  استخدمت عدستها لتتكلّم عن مجتمعها، بحلوه ومرّه، فجرّدت الصورة من الكذب، بل دمغتها بمشاعر إنسانيّة قويّة، فجاء العمل ليعبّر عن نساء طموحات، يدافعن عن حقهنّ ويرسمن مصيرهنّ بأيديهن.

عرض الفيلم في مهرجانات عدّة، آخرها مهرجان «أيام بيروت السينمائيّة»، علماً أنّه سيفتتح أيضاً مهرجان الخليج السينمائي. لماذا برأيك هذا التهافت لعرضه في المهرجانات؟

لأنّه فيلم صادق وشفاف، ناهيك عن أنّه أول فيلم يصوّر في المملكة العربيّة السعوديّة، كما أنّه يعرض حالياً في الصالات الفرنسيّة، وقد استطاع أن يحقّق نسبة مشاهدة عالية، مكّنته من أن يتفوّق على فيلم Zero Dark Thirty الذي رشّح لجوائز أوسكار عدة والذي تزامن عرضه معه. ليست هناك صفة أفضل من الصدق، وإذا انعدم الأخير يكون النجاح والترقّي مستحيلاً لأي إنسان ولأي عمل تقوم به، لذا فإنّ نجاح «وجدة» خير دليل على صدقه واحترامه للمشاهد وللإنسان.

ما الذي دفعك إلى المشاركة في مهرجان «أيام بيروت السينمائيّة»؟

هذا المهرجان مهم جداً، والقيمون عليه سينمائيون يقدّرون مدى معاناة المخرج لتقديم عمل ما، ويشرّفني التواجد في لبنان، بلد الثقافة والفن والأصالة، هذا البلد الذي قدّم إلى العالم أجمع عملاقين كبيرين هما السيدة فيروز والدكتور وديع الصافي.

شاهدت الفيلم أكثر من مرّة، وفي مشاهد عدّة لفتتني جرأته. فهل كان الهدف منه صدم المشاهد؟

إطلاقاً، إنما المجتمع الذي ينقله العمل مختلف ومحافظ، وبالتالي سيتفاجأ المتلقّي بما نعرضه له. حاولت أن أنقل المشاهد إلى مجتمع مختلف، من خلال مشاعر تمسّه وتمسّنا جميعاً، فكلنا لدينا عائلات وأولاد ومشاكلنا، ربما قد تختلف وجهات النظر إنما تبقى المشاعر نفسها. ما حاولت أن أظهره في هذا العمل ليس غريباً عن أحد، وهو ليس محدوداً بمكان أو زمان معيّن، بل تخطّى حدود مجتمعه ليصل إلى العالم أجمع، من دون أن يبتعد عن جذوره، لذا كنت مصرّة على تصويره في السعوديّة، حتى أقدّم شريحة معيّنة من مجتمعنا، وهي حقيقيّة إلى أبعد الحدود، من دون أن أتخطّى الخطوط الحمراء، لأنّني أردت أن يكون صوتي أصيلاً.

ألقيت الضوء على مشاكل إنسانيّة كثيرة، كما غصت في عادات المجتمع السعودي وتقاليده. هل الهدف كان إيصال رسالة للآخر بأن يتقبّل المجتمعات الإنسانيّة كما هي، أم للمطالبة بالتغيير؟

لن أثور يوماً على مجتمعي وعلى بيئتي، لأنّني لا أؤمن بأنّ الثورات قادرة على التغيير، جل ما يهمّني هو أن يشاهد الرجل هذا العمل، وقد يعود إلى منزله حاملاً في يده هديّة لابنته وأخرى لزوجته، وهذا يفرح قلبي. من الضروري أن تدغدغ مشاعر الناس، لأنّ التغيير يبدأ في اللحظة التي تعي من خلالها أنّه عليك أن تهتم أكثر بعائلتك.

إلى أي مدى أنت راضية عن المجتمع الذي تعيشين فيه؟

أحب المجتمع السعودي بكل تناقضاته وأطيافه، أحترم المحافظين وغير المحافظين، لكن أشعر بأنّ ثمة تغييرات عديدة تجري في بلدي إنما لا يزال المشوار طويلاً أمام المرأة السعوديّة، فهي يجب أن تثق بنفسها أكثر. أعشق فعلاً هذا البلد، كوني ترعرعت فيه وأصبح جزءاً منّي ومن كياني.

احتضنت النساء في عملك، كون أبطاله من الجنس اللطيف. كيف كانت ردود أفعال النساء عليه وعليك؟

سافرت سعوديات كثيرات إلى دبي لمشاهدة هذا العمل، وقد أعربن عن فرحتهنّ لمشاهدة أنفسهنّ من خلاله، واعتبرنه واقعياً وحميماً، واللافت أنّني حين أعود إلى السعوديّة، تتهافت عليّ النساء في المطار ليخبرنني عن أزواجهنّ وعائلاتهن. أنا سعيدة كثيراً لأنّني وصلت إلى شريحة كبيرة من النساء وأصبحت ربما صوتهن. وهذا تحديداً ما كنت أتمنّى تحقيقه من خلال هذا الفيلم.

هل تشعرين بأنّك أنصفت المرأة السعوديّة في فيلمك؟

حاولت قدر المستطاع أن أنصفها، من خلال الممثلة وعد محمد التي جسدت دور «وجدة» وهي شابة صغيرة ترفض واقعها ولا تقبل أن تكون ضحيّة محيطها، أحببت أن تكون هذه الشخصيّة متفائلة بالحياة وطموحة، خلافاً لما يحاول البعض تصويرها كامرأة مغلوبة على أمرها، أو أنّ الزوج يتعرّض لها... فالمرأة السعوديّة ليست مظلومة كما يعتقد البعض، بل هي امرأة جبارة، تتخطّى الصعاب بحنكة وبحب كبير.

اعتمدت على نساء جميلات في عملك، مثل الفنانة عهد (التي تلعب دور الناظرة أو مديرة المدرسة) والفنانة ريم عبدالله التي لعبت دور والدة وجدة؟

الجمال مختلف ونسبي، وعد فتاة ظريفة، إنما جمالها الداخلي طغى على جمالها الخارجي، وهذا هو الجمال الحقيقي. وعد تمثل الفتيات السعوديات، كذلك عهد وريم، وهما مثال للجمال السعودي.

ما هي الانتصارات الأخرى التي كشفها فيلمك؟

شخصيّة وجدة، هي بحد ذاتها شخصيّة منتصرة، لقد وجدت صعوبة في البحث عنها، خصوصاً أنّني كنت سأبدأ بتصوير العمل ولم أجد حينها الممثلة التي ستلعب دورها، في وقت وجدت أبطال كل الشخصيات الأخرى، لا سيما أنّ معظم الأهل يرفضون أن تظهر ابنتهنّ في عمل ما أو على الشاشة... قابلت فتيات عديدة، إنما لم يكنّ يملكن ما كانت تتمتّع به وعد، إلى أن جاءت بحذاء رياضي وجينز وTshirt، واضعة سماعات تسمع من خلالهما إلى أغنيات Justin Bieber، علماً أنّها لا تجيد اللغة الإنكليزيّة، فوافقت عليها من دون تردّد.

 
شارك