Uncategorized

هل غيّرتك الأمومة؟

نوفمبر 4, 2013
إعداد: Nathalie Bontems

دينا زين الدين-بيروت
يلفت منظر فتاة صغيرة تهتم بدميتها فتمشّط لها شعرها وتطعمها وترتّب ملابسها أنظار كل من يراه، ويبعث على الشعور بالسكينة والسلام، ويغيب عن الناظر إلى هذا المشهد التفكير أو التعمّق في السبب الذي يدفع الفتيات إلى اقتناء دمى على شكل طفل أو طفلة، وتفضيلها على كلّ أنواع الألعاب الأخرى. الدافع ببساطة هو غريزة الأمومة التي تبدأ عند الفتاة منذ لحظة ولادتها، فتولّد لديها مشاعر صادقة وفطريّة تظهر تجلياتها منذ سنوات وعيها الأولى.

عاطفة فطريّة
معروف عالمياً وسيكولوجياً أنّ هذه الغريزة هي من أقوى الغرائز لدى النساء، وهي غالباً أهم من غريزة التزاوج، والدليل أنّ نساء عديدات يدخلن في مشروع زواج لتحقيق حلم الأمومة أولاً ويحلّ التفكير بالرجل في المرتبة الثانية، بينما يبحث الرجل عن العلاقة الزوجيّة في الدرجة الأولى ومن ثمّ يفكّر بعاطفة أو غريزة الأبوّة. فماذا تقول الأمهات في يومهنّ عن شعور الأمومة، وما هي التغييرات التي يلمسنها في حياتهنّ بعد الإنجاب؟
تقول السيدة عايدة (31 عاماً): «الأمومة تحوّل المرأة إلى مخلوق مختلف كليّاً عمّا كانت عليه في السابق، إنّه إحساس مذهل وجميل ولا يقدّر بأيّ ثمن. لم أكن أفهم سبب خوف أمي الشديد عليّ وعلى إخوتي، وكنت أمتعض من مبالغتها في رعايتي وإخوتي، لكن بعدما صرت أمّاً عرفت جيداً معنى تصرّفاتها فازداد تقديري وحبّي لها».

اختبارات محبّبة
تكمل السيدة الثلاثينيّة: «أكتشف كل يوم شيئاً جديداً عن الأمومة وأتعرّض لاختبار جديد مع ولديّ، فمسؤوليّة الأولاد تزداد مع تقدّمهم في السن بعكس ما يظنّه كثيرون لم يرزقوا بالأطفال بعد، لكنّ الأمر ليس سيّئاً أبداً، فاعتمادهم عليّ يزيدني رغبة في تطوير نفسي لكي أعطيهم أفضل النصائح وأعدّهم بشكل مناسب لمواجهة مصاعب الحياة».
من جهتها، تعتبر السيدة لمى (27 عاماً) أنّ الأمومة ميزة خصّ بها الله سبحانه وتعالى النساء، فهذه النعمة تزيدها حناناً ورأفة كما تمدّها بقوّة هائلة لا يمكن لأحد تخيّلها. تشرح وجهة نظرها: «ولادة ابني جعلتني أكثر قوّة من الناحيتين الجسديّة والنفسيّة، فبالإضافة إلى الآلام التي نعاني منها سواء كانت الولادة طبيعيّة أم قيصريّة، نكتسب حبّاً غير مسبوق للحياة، لأنّ هذا الطفل الصغير الذي أحضرناه إلى الدنيا يحتاج إلى وجودنا واهتمامنا».

قوّة غير محدودة
تضيف السيدة لمى: «صرت أكثر حرصاً على حياتي، ولم أعد محبّة للمغامرة، بل أصبحت أفضّل قضاء الوقت في المنزل، فلم أعد كثيرة السهر في الخارج، واختلفت أولوياتي، إذ أصبحت سعادة ابني وراحته أهم من أي شيء آخر».
يصبح التقصير في تلبية حاجات الطفل هاجس العديد من الأمهات بعد الإنجاب، وفي هذا السياق تقول السيدة لارا (25 عاماً): «أنجبت طفلتي الأولى منذ حوالى ستة أشهر، ولا أكفّ عن القلق عليها أو عن التساؤل هل أقوم بكلّ ما تحتاج إليه؟ هذا الأمر ضاعف قدرتي على التحمّل، وبعدما كان نومي ثقيلاً صرت أستيقظ أكثر من مرّة في ساعات متأخّرة من الليل كي أطعمها وأهدهدها حين تبكي، من دون أن أبدي أيّ امتعاض أو انزعاج».
أما السيدة منى (37 عاماً)، فتخلّت بعدما أصبحت أمّاً عن أنانيّتها وباتت تبدّي مصلحة أولادها على أيّ أمر آخر. تقول: «لا شيء أجمل من أن ترى المرأة جزءاً من ذاتها يتحوّل إلى كيان مستقل. لا يمكن أن أنسى اليوم الأوّل الذي مشى فيه أولادي، أو كلمتهم الأولى، أو المرة الأولى التي قصوّا فيها شعرهم أو يومهم الدراسي الأوّل وصعوبة تسليمهم إلى المعلّمة، كما أنّني أتشوّق لليوم الذي يتزوّجون فيه، فيحوّلونني إلى جدّة تهتم بأولادهم».

غضب عابر
تستطرد السيدة منى: «من الطبيعي أن أعيش لحظات غضب أو توتّر، فأصرخ في وجههم كي لا يعاودوا القيام بأخطاء وتجاوزات سلوكيّة أو لكي يحسّنوا أداءهم الدراسي، لكنّني أندم بعد دقائق وأشعر بالذنب حين أرى الدموع في عيونهم، وأجد طريقة لإرضائهم، فهم أجمل هديّة حصلت عليها وسبب وجودي وسرّ سعادتي».

رفض أوّلي
يحصل الحمل لدى بعض النساء من دون تخطيط مسبق، فيصبن بالصدمة ويشعرن بأنهنّ غير مستعدات لتحمّل مسؤوليّة الإنجاب، وتزيد آلام الوحام من شعورهنّ بالنفور، ويتفاقم هذا الإحساس مع الوقت لأنّه يترافق مع تغييرات تطال أجسامهن، فيكسبن الكثير من الكيلوغرامات وتتغيّر معالم الأنوثة لدى بعضهن. تستمر المشاعر السلبيّة أحياناً بعد الإنجاب، فتحسّّ المرأة أنّ هذا الطفل سرق راحتها إلى الأبد وغيّر علاقتها بزوجها، وتصاب كثيرات باكتئاب ما بعد الولادة فيكرهن المولود لفترة.
مع الوقت يتغيّر الشعور ويصبح الطفل محور حياة والدته، وهذا ما حصل مع السيدة رهف (29 عاماً) التي واجهت هذا الموقف حين علمت بحملها الأول ولكنّها تغلّبت عليه، ومع حملها بمولودها الثاني عاشت اللهفة التي تمرّ بها كلّ امرأة حين تعلم أنّها تنتظر طفلاً بعد تسعة أشهر.

رأي علم الاجتماع
تقول الاختصاصيّة في علم الاجتماع زينة نعمان: «يبدأ الإحساس بعاطفة الأمومة منذ اليوم الأول الذي تعرف المرأة فيه أنّها حامل، فتشعر بأنّها مسؤولة عن الجنين الذي بدأ يتكوّن داخلها، ويزداد اهتمامها بغذائها وبصحّتها. تكتمل هذه العاطفة لحظة الإنجاب وخصوصاً إذا كانت الولادة طبيعيّة، لا سيما بعدما تحتضن الأم رضيعها وتشعر بنبضه وبحرارة جسده. وتزداد عاطفتها مع مرور السنوات ولا تنتهي أو تتقلّص مهما باعدت الظروف بينها وبين أولادها».

عاطفة نسبيّة
تؤكد الاختصاصيّة «أنّ نسبة العاطفة تختلف من امرأة إلى أخرى وهذا الأمر ينعكس على طرق تعبيرها عنها، لكنّ الغريزة موجودة لدى كلّ النساء الطبيعيات أي اللواتي لا يعانين من خلل عصبي أو عقلي مزمن». تشرح وجهة نظرها بالقول: «هناك أمهات عاطفيات زيادة عن اللزوم، يظهرن خوفهنّ على صغارهنّ بشكل كبير، بينما تتحلّى أخريات بتفكير عقلاني، فيتركن أطفالهنّ على حريّتهم كي يختبروا الحياة ولا يُصدموا بصعوباتها دفعة واحدة، مع مراقبتهم عن بعد».

اختلاف الشعور بين الأب والأم
تجزم الاختصاصيّة بوجود اختلاف بين عاطفة الأبوّة والأمومة، فالعلاقة بين الأب والأولاد تبدأ بعد أن يراهم ويلمسهم فيشعر مع الوقت أنّ عاطفته نحوهم تكبر، بينما عاطفة الأم تبدأ حين تشعر بحركة الجنين في أحشائها. «هذا لا يعني الانتقاص من أهميّة وجود الأب والدور الذي يلعبه في تربية أولاده بالإضافة إلى ضرورة غمرهم بحنانه وحبّه، ولكنّه يبرّر إلى حدّ ما اتّجاه الأب إلى القسوة مع الأولاد أكثر من الأم وتحكيمه لعقله حين يتعلّق الأمر بضرورة معاقبتهم على أخطاء ارتكبوها، مع التأكيد على استحالة التعميم، ففي بعض الأحيان تفوق عاطفة الأب شعور الأم تجاه أولادها بأضعاف».

المجلات الرقمية

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية