سمر معتوق-بيروت
من الممكن، بعد اقتراف الخطأ، أن يسيطر علينا الندّم ويؤثّر على نفسيّتنا تأثيراً كبيراً. وخبرات الفشل والحزن وخيبات الأمل في الحياة تميل إلى أن ترافقنا دوماً، كما يصعب عادة التخلّص من كلّ النتائج السلبيّة لما نقوم به – أو لما قد لا نقوم به. أما الجزء الكبير من قدرتنا على التخلّص من شعورنا العميق بالنّدم، فيكمن في أن نتصالح مع أنفسنا. ليس هناك من وصفة سحريّة لذلك، لكن لا بدّ من أن يكون كلّ واحد منا قادراً على القيام بهذه الخطوة الهامّة. فكلّنا نملك القدرة على وضع حدّ لعذاب الندم والاستمرار في حياتنا!
أخطأت؟ لا بدّ أنّ هناك سبباً لهذا. فأخطاؤك هي جزء أساسي من تكوّن شخصيّتك التي قمت طوال حياتك بتطويرها والتي هي أساس لشخصيّة الغد. فإذا تركت أخطاءك تسيطر عليك، تصبحين خاضعة لها، أمّا إذا كنت قد تعلّمت منها واكتسبت الخبرات، فتكونين قد سيطرت عليها سيطرة تامّة. وتذكّري دوماً، أخطاؤك هي صديقة وعدوّة في الوقت ذاته.
بعد ارتكاب الخطأ، لا تقومي بمقارنة وضعك مع وضع الغير. فكلّ فرد منّا يعيش في ظلّ ظروف مختلفة وأسلوب حياة خاصّ به، وعلى كلّ فرد أن يتعلّم من تجاربه الخاصّة. قد تكون التجارب مؤلمة ولكن لا يمكن الهروب منها، فهي ضروريّة لتطوير الذات كما يجب عدم القيام بالمقارنات غير المنطقيّة لأنّها لا تجلب إلّا الألم والعذاب. تطلّعي إلى الأمام، أخطاؤك تجعل منك شخصاً أفضل وتدلّك على طريق السعادة والسلام.
يبقى أهمّ ما يجب أن تسألي نفسك عنه بعد ارتكابك الخطأ: ماذا يمكنني أن أتعلّم من هذه التجربة؟ وتكمن القيمة الحقيقيّة للسؤال في القدرة على تغيير السلوك في المرّة المقبلة.
ما هو الخطأ؟
الخطأ هو أيّ هفوة أو تصرّف طائش أو عن غير قصد قمت به وتشعرين بالأسى بعد اقترافه. وقبل أن تختبئي أو تشعري بالذنب حيال ذلك، اطرحي على نفسك هذا السؤال: «هل أنا متأكّدة من أنّ الخطأ الذي ارتكبته كان خطأ فادحاً؟». فما قد نعتبره خطأ فادحاً قد لا يدلّ على أيّ خطأ عند شخص آخر، والعكس صحيح. بعض الأخطاء لا يمكن تجنّبها لأنّه من المستحيل التكهّن بما قد يمكن أن يحصل معنا أو مع غيرنا من الأشخاص.
اعترفي بأخطائك
اجلسي مع نفسك وتأمّلي سلبيات وإيجابيات الخطأ الذي اقترفته. فمهما يكن «الجرم» أو التصرّف الطائش الذي قمت به، إنّ إدراك الأخطاء التي قمت بها والاعتراف بها هما أوّل خطوة تقومين بها على طريق المصالحة مع الذات. وهذه الخطوة غالباً ما تكون الأصعب إذ إنّها تدفعنا إلى التعرّف على الضرّر الذي حصل وإلى الاعتراف بعيوبنا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه المرحلة أن تكون مؤلمة إلى حدّ ما لأنّ حكم الآخرين علينا كما حكمنا على أنفسنا يمكن أن يكون هدّاماً. بعض الأشخاص يصعب عليهم تخطّي هذه المرحلة، لكنّ الاعتراف بالخطأ من شأنه أن يشكّل راحة تامّة للشخص المعني.
أهميّة أن تسامحي نفسك
بعد ارتكابك الخطأ، تتطلّعين إلى داخلك، تكرهين نفسك وتفكّرين بكلّ أخطائك وخياراتك السابقة.تشعرين بالخجل ولا تتقبّلين نفسك. يحقّ لك أن تخطئي من دون أن تحكمي على نفسك أو تنتقدي ذاتك، لأنّ لا أحد يتمتّع بالكمال وأنت تتعرّفين إلى ذاتك أكثر من خلال أخطائك، ما يدفع بك إلى التقدّم والإدراك والتغيير. أسامح أخطائي لنفسي تماماً كما أسامحها لصديقتي المفضّلة وللأشخاص الذين أحبّهم. فإذا كنت قاسية على نفسي سوف أفقد قيمتي لذاتي بدلاً من أن أشجّع نفسي. لذلك، يجب أن تكوني متسامحة أكثر مع نفسك تجاه ضعفك وأخطائك، يجب أن تتعرّفي عليها، تستخلصي الدرس منها لكي لا تكرّريها في المرّة المقبلة. بهذه الطريقة، تحافظين على طاقتك وسلامك الداخلي من أجل إعادة النهوض والتقدّم بدلاً من النّدم وأذيّة النفس.
كيف يمكن أن نصل إلى مسامحة الذات؟ عندما نعترف بأخطائنا في حالة معيّنة، من المهمّ أن نتقدّم ونسير إلى الأمام. ومسامحة الذات لا تعني نسيان ما حصل، فالشخص الذي يصل إلى نسيان غلطة كبيرة اقترفها يعيش بلا شكّ حالة من النّكران وهو لم يخطُ الخطوة الأولى بعد على طريق مسامحة نفسه. من المهمّ والأساسي تذكّر أخطائنا بهدف تجنّب تكرارها لاحقاً. مسامحة الذات تقود إلى إمكانيّة التعايش مع ما حصل من دون الشعور بالنّدم الدائم ومجموعة الأحاسيس التي قد تؤدّي بنا إلى الشلل.
باستطاعة بعض الأشخاص التوصّل إلى مسامحة الذات أكثر من غيرهم، ولكلّ فرد وسائله الخاصّة لتحقيق ذلك. لكن، قد يكون أحياناً من الضروري البحث عن مساعدة خارجيّة للتوصّل إلى ذلك. فبمساعدة اختصاصي معالج، يمكن أن نفهم سبب تصرّفاتنا والعوامل التي أدّت إليها كما نقاط الضعف، إلخ… مهما كان الخطأ الذي اقترفته، من الممكن أن تسامحي نفسك. وإذا لم تسامحي نفسك، لن تشعري بالحريّة أبداً.
توقّفي عن الإحساس بالذنب
يدلّ الشعور بالذنب على التمسّك والغرق في الأخطاء التي تمنعنا من التطوّر وتتآكلنا من الداخل بحيث توقف تقدّمنا. لكي تشعري بالسلام والهدوء، عليك أن تتعلّمي كيفيّة عدم الشعور بالذنب. لذلك، إليك بعض النصائح:
• لا تتردّدي في التكلّم والتعبير عن مخاوفك.
• في حال أذيّة شخص آخر، الحلّ الوحيد هو في مقابلته وشرح تصرّفك له.
• تعلّمي أن تفكّري ببساطة وتبسّطي طريقة تفكيرك. فهناك شعور بالذنب يتّسم بالـ«غرور» وكأنّ العالم يدور حولنا.
• تعرّفي على الأسباب التي تغرقك في الشعور بالذنب من أجل التخلّص من كلّ المشاعر السلبيّة.
تعلّمي الاهتمام بنفسك
نحن مدعوّون لأن نكون مخلصين لأنفسنا وحاجاتنا وتطلّعاتنا وقيمنا. والاهتمام بالذات يعني أن نتعلّم حبّ الذات، وحبّ الذات كما هي، وليس كما نرغب في أن تكون. الاهتمام بالذات هو تعلّم أن نكون أنفسنا ونوازن بين الحريّة الداخليّة والضغط الذي يمارسه علينا المجتمع. وذلك من أجل سعادتنا وسعادة من يحيط بنا.
امدحي ذاتك
ما يميّز عصر اليوم هو الانتقاد الدائم ونحن قد أصبحنا أبطالاً في انتقاد الذات. هذا التصرّف لا يخلو من الجوانب السلبيّة وأهمّها نوع من تخريب الذات. فمساندة ذاتنا من قبل ذاتنا أمر ضروري في تحقيق أهدافنا وأحلامنا. وأن نمدح ذاتنا لا يرفع فقط من ثقتنا وتقديرنا لذاتنا، بل يزيد أيضاً من قدرتنا على تحويل طاقتنا نحو تحقيق الذات وتطويرها. لا تتردّدي في أن تفكّري بأنّك محظوظة لأنّك تعرفين شخصاّ مثلك وأنّ كلّ ما أنت عليه يجعلك شخصاً فريداً ومميّزاً.
متى تكونين بحاجة إلى اللجوء إلى اختصاصي؟
هذا سؤال هامّ تطرحينه على نفسك. لأنّه مهما يكن تفكيرك ومنطقك وشخصيّتك، في بعض الأحيان، ربّما قد تحتاجين إلى المساعدة للتخلّص من الشعور بالذنب. يجب عليك عدم الجلوس والتفكير بأنّك لا تستطيعين القيام بأيّ شيء حيال ذاك الخطأ الذي اقترفته، فطلب المساعدة يكون غالباً الخطوة الأولى نحو انسجام وسلام تامّ مع أنفسنا. قد يكون لديك صديقة أو فرد من العائلة تثقين بمساعدته في هذه الأوقات الحرجة التي تمرّين بها، لكن متى يجب عليك تجربة حلول أخرى؟ ما الذي يدلّ على أنّك بحاجة إلى مساعدة معالج اختصاصي؟
• تتناولين الدواء لتخفّفي من حدّة قلقك.
• تعانين من غضب وانفعاليّة شديدة، ونتيجة ذلك تجدين صعوبة في التعامل مع الآخرين.
• تبكين باستمرار ولا تستطيعين التوقّف عن التفكير بالغلطة التي قمت بارتكابها.
• تتوقّفين عن القيام بما كنت تحبّين القيام به من قبل.
• قمت بكلّ ما هو لازم للشعور بحال أفضل ولكنّك تشعرين بالشعور نفسه بعد أيّام أو أسابيع.
• تشعرين بالسوء حيال نفسك وتأثّرت ثقتك بنفسك جرّاء ذلك.
كيف تعرفين أنّك سامحت ذاتك؟
بكلّ بساطة، تعرفين أنّك سامحت نفسك عندما تتوقّف ذاكرتك عن مدّك بالمزيد من الألم أو الغضب. عندها، يمكنك القول: «تحرّرت من الألم والشعور بالذنب». والمسامحة لا تكتمل إلّا إذا غيّرت الأشخاص والعلاقات معها وهذا التغيير يشمل أيضاً، بلا شكّ، عدم تكرار الخطأ.
هذه هي مسامحة الذات – لا ننسى الخطأ، ولكنّه لا يشكّل أيّ انزعاج لنا، كما أنّ ذكراه ترافقنا فقط من أجل الذكرى.















