
The Power of Streetstyle: كيف غيّرت موضة الشارع مسار صناعة الأزياء

في صناعة الأزياء اليوم، نرى أنّ موضة الشارع تأثّر بشكل ملحوظ على المستهلكين والعلامات التجارية على حدٍ سواء. وغالباً ما نسمع مصطلح streetstyle أو موضة الشارع، ونسند معناه على ما نراه على Instagram ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى وعلى الصيحات التي تنتشر بسرعة ولفترة معيّنة. ولكن ما جعل موضة الشارع تأثّر اليوم على عالم الموضة إلى هذا الحد هو أصلها وكيف بدأت.
فيعود أصل موضة الشارع إلى ثقافة الموضة البريطانية، وفي القرن العشرين، كانت ظاهرة مهمّة جداً وانشهرت بشكلٍ ملحوظ، إلّا أنّها لطالما كانت جزءاً من ثقافة الشارع، ولكن لم تأثّر على عالم الأزياء إلّا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك بفضل مصممي أزياء بارزين منهم Pierre Balmain و Christian Dior. ورأينا ذلك مع الدار الفرنسيّة Dior التي اشتهرت بجرأتها في تقديم ملابس تسمح بحرية الاستكشاف، وسرقت قلوب النساء بتقديم مجموعة New Look في عام 1947 التي ضمّت قطع بأكتاف عريضة وخصر مدبب وتنانير دائريّة طويلة. كانت هذه المجموعة بمثابة احتفالاً بالأنوثة والتحرر، وهي رمز لنهاية حقبة الكورسيهات والقصّات الضيّقة، وبداية الأزياء المعاصرة.
"أفضل عرض أزياء هو بالتأكيد الذي يحدث في الشارع. هكذا كان الأمر في الماضي وهكذا سيظل ".- Bill Cunningham
ومع الرغبة في التغيير عن المعتاد والابتعاد عن كل القواعد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت صيحات جديدة وستايلات متنوّعة مع جماعات تضم أفراد لا يخشون التغيير ولفت الأنظار، عُرفوا آنذاك بالـPunks والـHippies وسائقي الدراجات النارية، وأعطوا الحياة لموضة الشارع.
أمّا اليوم، فزاد تأثير موضة الشارع على عالم الأزياء بشكلٍ هائل، ويعود ذلك إلى ارتفاع رغبة المستهلكين في التعبير عن الذات والتنوع والفردية، ما سمح بظهور ستايلات شخصية تتراوح من الكاجوال إلى الطليعية ومن الرياضية إلى الأنيقة، وفي كثير من الأحيان تمتزج معاً لإعطاء حياة لصيحات جديدة. وإنّ قوة موضة الشوارع لا تأثّر فقط على الأفراد، ولكنّها غيّرت أيضاً مفهوم الموضة ككل بوضع معيار جديد يُثبت أنّ الموضة والصيحات لا يحددها الأفراد الذين يمتلكون قوة شرائية عالية ودور الأزياء الرائدة فقط، بل أي شخص يرغب في إيصال صوته وأسلوبه الخاص إلى الآخرين أيضاً، ما يثبت مدى قوّة عالم موضة الشوارع.
"الموضة قطع يمكن شراؤها، أما الأسلوب، فهو ما نمتلكه حقاً. والمفتاح لامتلاك أسلوب خاص هو أن نكتشف أنفسنا بالفعل، وذلك قد يتطلب سنوات. الأمر يتعلّق بالتعبير عن الذات، وقبل كل شيء، بالموقف من الحياة". – Iris Apfel
ومع التغييرات الهائلة التي شهدناها على مدى السنوات الماضية، نمت شعبيّة موضة الشوارع بشكل ملحوظ كما تأثيرها على الأفراد، وسيستمران في النمو. فقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشار موضة الشوارع لتصبح مصدر إلهام للكثيرين وتبقيهم على اطّلاع بأحدث الصيحات. وبالإضافة إلى ذلك، فتحت منصات التواصل الاجتماعي الأبواب لاحتضان التنوع من خلال عرضها لصور ومقاطع فيديو مباشرة من الشوارع. وفي المقابل، أثّر هذا الانتشار الواسع على الجيل زد الذي يقضي وقتاً طويلاً على منصات مثل TikTok و Instagram ، ما يسمح لهم بالاستلهام من المحتوى المتعلّق بإطلالات موضة الشوارع. فوفقاً لتقرير صادر عن لجنة الخدمة المدنية الدولية، 45٪ من الجيل زد قالوا أنّ TikTok و Instagram هما من أهم المنصات التي تؤثر على قراراتهم الشرائية، بالإضافة إلى أنّ 85٪ منهم زعموا أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على خياراتهم الشرائية، ما سلّط الضوء أكثر على التأثير الهائل الناتج عن سهولة الوصول إلى المعلومات بفضل الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي وقوة تأثير موضة الشوارع.
"الموضة موجودة في السماء، في الشوارع، الموضة لها علاقة بالأفكار وبالطريقة التي نعيش بها وبما يحدث من حولنا" - Coco Chanel
وفي السنوات العشر الماضية، اشتهر المؤثرون المختصّون بالموضة بشكل ملحوظ. إنّهم أشخاص يأثّرون كثيراً على متابعيهم على وسائل التواصل ويقفون كمصرد إلهام لهم. ولذلك تحب العلامات التجارية العمل مع المؤثرين، لأنه بإمكانها الوصول من خلالهم إلى عدد كبير من المستهلكين وترك انطباع إيجابي فيهم، كما استهداف العملاء المهتمين ليس فقط بالعلامة التجارية بل أيضاً بمنتجات محددة. وفي المقابل، أدّى نمو ظاهرة موضة الشارع إلى زيادة مصوري موضة الشوارع المكرسين لالتقاط صور لعشاق الموضة الذين يرغبون في عرض إطلالاتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
"ما ترتديه هو كيف تقدّمين نفسكِ للعالم، وخاصةً اليوم مع سرعة التواصل البشري، الموضة هي لغة فورية". - Miuccia Prada
التأثير الذي أحدثه نمو موضة الشارع لا يقتصر فقط على المستهلكين، فلقد شهدنا أيضاً على مدى العامين الماضيين أنّ أسابيع الموضة المخصصة للأزياء الجاهزة كما الأزياء الراقية والتي تحدث في المدن البارزة مثل نيويورك وباريس وميلانو، باتت تعتمد بشكل كبير على موضة الشارع وكعنصر أساسي، ما سمح بزيادة انتشار هذه الأخيرة عالمياً بفضل نمو وسائل التواصل الرقمية. ونظراً لكون موضة الشارع أداة بصرية لعبت دوراً محورياً رئيسياً في إعادة تشكيل صناعة الأزياء، فقد أثّرت بشكل كبير على الأفراد الفضوليين والمهتمين بالموضة، وألهمتهم على مستوى عالمي. ونظراً لاعتبارها شكل من أشكال التعبير عن الذات، فقد فتحت فكرة موضة الشارع الأبواب لصناعة أكثر ديناميكية تتطلع اليوم إلى مفهوم الشمولية والتنوع والفردية. وبالإضافة إلى إلهام الأفراد، تقف موضة الشارع أيضاً كمصدر إلهام لدور الأزياء الفاخرة، ما يسمح للعلامات التجارية بفهم جمهورها المستهدف بشكل أوضح، وتلبية رغباتهم واحتياجاتهم وعاداتهم، فيصبحون بالتالي سفراء غير مباشرين للعلامات التجارية.