مقابلات

نهير زين:أن نصنع تصميماً وفناً من الصفر رائع ويعكس الرفاهية الحقيقية

الفن بكلّ أشكاله نوع من أنواع التعبير عن الذات والتواصل مع الآخر، وحين يكون العمل يدوياً فإنه يعكس روح وشغف وحب كبير للعمل لدى من يقدمه، فتتحوّل اليدين إلى وسيلة للخلق والإبداع، في شكل رائع يعكس الرفاهية الحقيقية، ويتجلى في قطع فريدة لا يمكن لأي مصنّع مهما بلغت قوته الإنتاجية وتقنياته الحديثة أن يوازيها جمالاً وتأثيراً. تعرفي على 4 فنانات شابات يعملن بحب وقوة لإبراز مواهبهن بشكل يحاكي الجيل الجديد ويلبي رغبته في التميّز والفرادة والأصالة، فاكتشفي تالياً فن الشابة نهير زين.

درست الشابة المصرية نهير زين الهندسة وعملت في هذا المجال لأكثر من 6 سنوات، وعرفت منذ كانت في الجامعة أنها تعشق العمل اليدوي والعمل على المواد الخام بشكل مباشر، ودخلت مجال التصميم والفن بالصدفة، لتكون اليوم واحدة من الأسماء التي تتواجد في أهم الفعاليات التصميمية والفنية في الإمارات والعالم العربي، حيث تشارك قريباً في أسبوع دبي للتصميم، وذلك من خلال مشروعها Leukeather الثوري المستدام والمراعي للبيئة. اكتشفي قصتها وكيفية بناءها لعلامتها التجارية التي تتمحور حول الإبداع باليدين.

تقول نهير “سنة 2020 وقت الحجر بسبب كوفيد، كنت أقود سيارتي في شوارع الإمارات وأنا أشعر بالملل، ورأيت شجرة “لوسينيا” وانبهرت بجمالها ولمعتها تحت أشعة الشمس، ووقفت لوهلة أتأملها وعرفت أني سأبتكر شيئاً بها، في ذلك الوقت كنت أقوم بالكثير من الأبحاث حول النباتات، فقد كان لديّ قت فراغ وشعرت أن عالم النبات واسع جداً وجميل، وكان اكتشافي لهذه الشجرة وكأنه مقدّر لكي أركز عليها في عملي لاحقاً. قمت بأبحاث حولها وعرفت أنها تتواجد في العديد من الدول العربية مثل الأردن ومصر وسوريا وفلسطين، لذا كان من السهل عليّ استخلاص المادة الخام والعمل عليها في الإمارات لأني نشأت فيها وتركز كل عملي على أرضها”.

الناس لديها فكرة محدودة عن المواد الصديقة للبيئة ويجب علينا كفنانين ومبدعين أن نطوّر من معارفهم

تكمل المصممة الشابة “بدأت بالعمل عليها مع استمراري في مهنتي كمهندسة، وكان الأمر شاقاً ومتعباً على المستوى الشخصي، حتى قررت أن أتفرغ لعملي التصميمي قبل شهور، وأنشأت مشروعي الخاص Leukeather، ولمست تعطّش الجمهور لفكرته، بالتحديد حين يعرفون أن كل المواد المستخدمة مستخلصة من الطبيعة ولا يوجد أي مادة مستوردة، بل إن التصاميم تمثّل روح منطقتنا العربية، وهي مميزة ولا تشبه غيرها، ولا سيما في ظل العولمة التي سيطرت على كلّ المجالات، حيث كل شيء بات متشابهاً وتجارياً إلى حدّ كبير. وأنا بطبعي أحب التفاعل مع الجمهور، فكنت أشرح لكلّ من يرى أي تصميم ماهيته وكيفية تصنيعه واستدامته، وأرصد الإعجاب الكبير بما أقوم به، لأن فيه احتفاء بمنطقتنا وهويتنا وثقافتنا، كما اني كنت أدفع باتجاه فهم الصناعة المستدامة، فالناس لديها فكرة محدودة عن المواد الصديقة للبيئة، ويجب علينا كفنانين ومبدعين أن نطوّر من معارفهم، في ظلّ الاهتمام الكبير الذي توليه الدول جميعها ولا سيما الإمارات للمشاريع المستدامة، والتي تخدم الطبيعة والبيئة”.

تشارك نهير الشهر المقبل في أسبوع دبي للتصميم، وعن هذا الحدث تقول “أنا فخورة لأني سأكون جزءاً من فعالية كبيرة تستقطب المصممين من مختلف الدول، حيث التفاعل يكون كبيراً لمشاركة الأفكار الجديدة وأحدث الصيحات والإصدارات، ومشاركتي ستكون من خلال معرضي الفردي مع 1971 Design Space، حول كامل العملية الصناعية ابتداءً من المادة الأولية من الشجر وحتى المنتج النهائي، في احتفال بالهوية، حيث ينتقل المشاهد من قاعة إلى أخرى ليرصد التغيّر والتحوّل نحو النتيجة النهائية، تماماً مثل علاقتنا بالأشخاص فحين نقترب منهم أكثر سنتعرف عليهم ونعرف حقيقتهم”.

صحيح أنّ نسب بيع المنتجات اليدوية تظل أقل من التجارية التي تُغرق الأسواق ولكن هناك ميل مجتمعي نحو القطع الفريدة والتي تحمل رسالة

ترى المصممة أن هناك إقبال نحو التصاميم المستدامة من ناحية الشراء، تقول “صحيح أنّ نسب البيع تظل أقل من المنتجات التجارية التي تُغرق الأسواق، ولكن هناك ميل مجتمعي نحو القطع الفريدة والتي تحمل رسالة، كما أنّ أسعار الحرف أو التحف اليدوية والمصنّعة محلياً في الإمارات أقل نسبياً من التصاميم المستوردة، إنما يوجد تحدّ في إقناع الجمهور بجودتها وفكرتها ومعانيها الكامنة، فالناس بدأت تهتم لأن الحكومة تدعم هذه المنتجات، وتسلط الأضواء عليها وتحثّ على الاستثمار بها”.

وعن رفاهية العمل باليدين، وما تعنيه من أن تضع المصممة جزءاً من روحها وشخصيتها وأفكارها في القطعة التي تصممها، تقول “فكرة أن نصنع شيئاً من الصفر رائعة ولا تقارن! العمل مع مادة خام من الطبيعة، حيث يوجد من زرع الشحرة بيديه ومن سقاها، ومن جذّبها، والتفكير بالأمطار التي تساقطت عليها، والهواء الذي تلاعب بها وأشعة الشمس التي أثرت في لونها وشكلها، كل هذه العناصر تجعل العملية فريدة واستثنائية، لآتي أنا وأضع بصمتي البشرية عليها، وكأني أكمل عمل الطبيعة، فأقطع وأرتب وأصفف، تماماً مثل إبداع لوحة موزاييك، ولتكون النتيجة تصميم جديد ومختلف ولا يشبه أي شيء سبقه”.

تضيف نهير “أقصد إبراز هويتنا العربية في أعمالي التصميمية، لأني أشعر أنها طريقة لمشاركة شيء عن الثقافة والتاريخ الذي يميزنا، فنحن مسؤولون أن نذّكر للجيل الجديد بخصوصياتنا، ولا سيما أنه معرّض لأنماط تصميمية مختلفة عبر وسائل التواصل، وهي إن كانت جميلة وثمينة ومطلوبة، ولكنها لا تعكس خصوصيتنا ونمط عيشنا، وأنا ممتنة لأني أشهد نقلة في الذوق العام نحو التصاميم اليدوية والحرفية، مع ضرورة إدخال التكنولوجية الحديثة في تصميمها وتصنيعها لكي تواكب الصيحات الحالية الرائجة”.

فكرة أن نصنع شيئاً من الصفر رائعة ولا تقارن من هنا أحببت العمل التصميمي وتركت الهندسة للتركيز عليه

تراعي المصممة أن يكون لتصاميمها بعداً فنياً إبداعياً، مع الإبقاء على الفائدة العملية، أي القدرة على استخدام المنتج والاستفادة منه بعد شراءه، “يوجد تصاميم عملية أكثر من غيرها للاستخدام المنزلي اليومي، ويختلف في هذه الحالة التصنيع كما أن التكلفة تكون أقل، أما القطع الفاخرة والمخصصة للمناسبات الكبيرة، وللعرض في فعاليات فنية، فهي تكون إبداعية أكثر، وتسمح لي بمزيد من الابتكار. مستقبلاً أنوي تطوير مشروعي لتحقيق المزيد من البيع الذي يخولني الاستمرار، ما يعني إنتاج قطع عملية أكثر، مع استمراري بتقديم تصاميم استثنائية فريدة تهم جامعي الفنون والطبقة المهتمة بالإبداع بغض النظر عن سعره أو استخداماته”.

لا تنسى المصممة القطعة الأولى التي صممتها وهي عبارة عن مرآة، تحدثنا عنها بشغف “جمعت بنفسي المواد ولم يكن لديّ أي تمويل فكنت أذهب إلى الأسواق الصناعية لكي أحصل على الخامات التي أحتاجها، وتعاملت مع صناعيين في مسعى لإكمال رؤيتي، وقد أخذها لاحقاً غاليري في سويسرا وعرضها، مع أني اليوم حين أنظر إليها أرى أن فيها بعض الأخطاء، إلا أنّ جهدي وحماسي وشغفي الكبير، ظهر من خلالها وجعلها تصل إلى أهم المعارض العالمية”.

تحب نهير الاحتفاء بكلّ الثقافات العربية من خلال عملها الإبداعي، وتعتبر أن هذه هي رسالتها الحالية والمستقبلية، تقول “أريد أن يرى الشباب ما نملكه من ثروات وإمكانات، فيبادروا مثلي إلى البحث عما يخولهم معرفة تاريخهم واحتواء ثقافتهم وإبرازها والنجاح من خلالها، وهذا التأثر بهويتنا يظهر من خلال تصاميمي شئت أم أبيت”.

ترى نهير أن مفهوم الرفاهية التي يعيشها جيل اليوم يختلف كثيراً عما كان في الماضي “صحيح أن الحياة اليوم مريحة أكثر، حيث كل شيء متاح وقريب وسهل للغالبية، ولكني أعتقد أن فكرة امتلاك المال لم تعد تعني بالضرورة العيش بسعادة، فالأموال تعطينا بهجة آنية لدى امتلاك غرض ثمين، ولكن هذه الفرحة ستزول بعد وقت معين، أما ما يضمن الرفاهية الداخلية والسعادة الحقيقية هو الشعور بالإنجاز والرضى والفخر بما نقدمه، معرفة إمكاناتنا والاستفادة منها في عمل يسعدنا ويرضينا ويساعدنا على التحسن والتطور”.

تشارك نهير في الفترة المقبلة في مهرجان الدوحة للتصميم، وتسعى لتحويل مشروعها إلى عمل تجاري دائم، يقوم على تصنيع المنتجات والعمل مع مصممين وحرفيين لتوسيع استخدام المادة الخام وضمان انتشارها بشكل أكبر.

اقرئي المزيد: نورا زيد: الفن يسمح للناس بالترويّ والتأمل وهذا عمق معنى الرفاهية

المجلات الرقمية

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية