شارك فيلم “فتى الجبل“، للمخرجة الإماراتية الشابة زينب شاهين، في 38 مهرجاناً سينمائياً، حاصداً 22 جائزة، وحصلت زينب على جائزة أفضل مخرج في مهرجان “تتش ستون” للأفلام المستقلة في الولايات المتحدة، إضافة إلى جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان سياتل للأطفال، وأفضل فيلم روائي طويل بمهرجان “سان لويس أوبيسبو” السينمائي الدولي في أميركا، لتكون باكورة أعمال المبدعة الإماراتية عملاً متكاملاً لامس مشاعر الملايين وأثبت أنها صاحبة رؤية وفكر جديد في عالم الإخراج، فماذا تقول عن هذا العمل وكيف سترفع الصوت عالياً من خلال تواجدها على الساحة الفنية لتحاكي قصصاً من قلب الواقع الإماراتي والعربي؟
كيف بدأ حبك للفن والإخراج، ومتى أدركت أنك تملكين إحساساً مختلفاً بالأشياء من حولك ورؤية فنية جديدة ترغبين بإيصالها؟
بدأ كل شيء حين كنت صغيرة، كنت أندهش من الضوء وقت الغروب، من طريقة حركة الستائر مع الهواء، من تعبير وجه إنسان صامت… حركة الغيوم، ظل الأشياء، نغمة معينة في صوت شخص. كنت أحس إن كل شيء حولي ينطق، ولكن لا يمكن للجميع من حولي سماع ما يقال. مع الوقت، صرت أكتب وأرسم وأتخيل. كنت دائماً أشعر أني أرى الأشياء بشكل مختلف، لكن لم أعرف ما الذي عليّ فعله مع هذا الإحساس. اول وظيفة لي كانت موظفة استقبال، علمتني الكثير من الأشياء، لكن كان في داخلي شي ناقص. إلى أن جاء اليوم الذي قررت أن أغتنم الفرصة وأدخل مجال الإخراج، حيث وجدت في السينما الوسيلة التي تجمع كل الأحاسيس والأدوات في مكان واحد. أظنني أدركت مبكراً إن عندي رغبة ليس فقط أن أرى العالم بطريقة مختلفة، ولكن بعد أشاركه مع غيري أيضاً.
ماذا تذكرين عن سنوات الدراسة وكيف تميزت عن باقي زملائك في مجال الإخراج؟
أكثر ما أذكره هو أنني كنت دائمة البحث عن العمق في أي مشهد أو فكرة. لم أعمل على شيء إلا إذا شعرت أنه “خارج الصندوق” أو أنه يطرح سؤال حقيقي. كنت من النوع الذي يحب التجريب، فأنفذ أفكاراً غير متوقعة أحياناً، وكنت أحب أن أراقب الإحساس وليس فقط الصورة الشاملة. وأعتقد أن تميّزي كان في المزج بين الحسية والواقعية.. حتى أن الأساتذة كانوا يعرفون أن سبب تأخري في تسليم المشاريع يعني أن ما أعمل عليه سيكون مميزاً ومختلفاً.
كيف كانت ردة فعل أهلك حين عرفوا برغبتك في العمل كمخرجة، وهل وجدت الدعم المجتمعي الكافي لطموحك؟
في البداية كان هناك علامات استفهام، وقلق طبيعي فالفن والإخراج ليس المسار المتوقع دائماً للفتاة. لكن أهلي أدركوا مدى شغفي وإصراري، وبدأوا يثقون في اختياراتي. المجتمع بشكل عام كان مليئاُ بالتحديات، لكن في نفس الوقت قابلت أناس آمنوا بي وشجعوني.. أحياناً لا يكون الدعم واضحاً، لكن حتى لحظات الصمت والمعارضة أحياناً تكون دافعاً للاستمرار بالتحدي والمثابرة على تحقيق الطموح.
حدثينا عن فيلمك الطويل الأول “فتى الجبل””، كيف تبلورت فكرته وما هي الرسالة التي أردت إيصالها من خلاله؟
“فتى الجبل” قصة قريبة جدًا من قلبي. بطل الفيلم طفل مصاب بالتوحد، يعيش في قرية جبلية معزولة، ويخوض رحلة داخلية وخارجية لاكتشاف الذات. لم يكن الهدف تقديم التوحد كتشخيص طبي، بل كحالة إنسانية لديها حساسية عالية تجاه العالم. كانت الفكرة أن نرى الحياة من زاويته الخاصة، من طريقته في فهم الصوت، الضوء، العلاقة مع الطبيعة والناس. الرسالة كانت عن القبول، عن الصمت الذي فيه لغة، وعن كيف أن المختلف ليس ضعيفاً، بل هو قادر على رؤية أشياء نحن نغفل عنها.
كل شيء بدأ من حنين… من مشهد بسيط لطفل يركض بين الجبال، ومن رغبة أعمق في توثيق ذاكرة ذاهبة نحو الزوال. كنت أريد التطرق إلى الطفولة في بيئة إماراتية مختلفة عن الصورة النمطية. الرسالة كانت عن الروابط، عن الخسارة، عن القوة التي نجدها في االأماكن التي نشأنا فيها حتى لو لم نكن نفهمها تمامًا.
ركزت في الفيلم على الروابط العائلية، والطبيعة الساحرة، وإيقاع الحياة الجبلية في الإمارات، لماذا اخترت ربط هذه القيم الثلاث ضمن عمل إبداعي وفني مرئي؟
الروابط العائلية تمثّل الأمان، الطبيعة تمثّل الحرية، والإيقاع البطيء يعكس عالمه الداخلي. كل هذه العناصر كانت ضرورية لفهم عالم الطفل في الفيلم. كان مهما بالنسبة لي أصوّر البيئة الإماراتية الجبلية بهدوئها، وارتباطها بالذاكرة، كخلفية تُنصت لمشاعر البطل بدل أن تفرض نفسها. أردت إيجاد عالم بسيط لكن عميق، قريب من القلب، ويشبه طفولتي أو طفولة كثيرين لم تتطرق إليها السينما من قبل.
نال الفيلم العديد من الجوائز العالمية، برأيك ما الذي جذب الغرب إليه؟ وما هي أهم جائزة أو ربما إشادة حصلت عليها؟
أظن إن الصدق والبساطة هو ما جذب الجمهور للعمل. لم أحاول أن أُبهِر بقدر ما حاولت أن أكون صادقة في السرد. أكثر جائزة أثّرت فيّ كانت إشادة من مشاهد قال إنه دخل الفيلم لأنه كان يحس بالملل ولم يتوقع أن يعجب به ويخرج وهو منبهر. هذه الكلمات جعلتني أدرك أن الأثر العاطفي الذي نتركه بأعمالنا لدى الآخر، تكون أحياناً أقوى من أي جائزة مادية.
أعتقد إن فكرة تقديم تجربة التوحد من منظور غير نمطي، وبخلفية ثقافية إماراتية أصيلة، كانت شي مختلف وجديد بالنسبة للكثيرين. اعتبر النقاد أن الفيلم إنساني، وصادق، و”لا يشرح بل بل يثق بعمق المشاهد وقدرته على التحليل والفهم والتفاعل بشفافية”.
هل كان من الصعب عليك إدارة الممثلين وطاقم عمل الفيلم الكبير؟
في البداية كان يوجد لحظات تحدي، كن حين شعر الفريق أنّ لديّ رؤية واضحة، ولمسوا مهنيتي واحترامي، صار يوجد بيننا ثقة متبادلة، لم أكن أحاول فرض نفسي، لكن كنت واضحة ومتمكنة. في النهاية الإبداع لا يفرق بين رجل وامرأة، وحين يكون المشروع قوياً يتظافر الجميع لإيصاله للنجاح.
كيف ترين تواجد النساء في مجال الإخراج عربياً وإماراتياً؟
أرى إن حضور النساء في مجال الإخراج بات أقوى وأوضح من قبل، ولكن لا يزال هناك الكثير من التحديات. في العالم العربي، يوجد مخرجات يعملن على مستوى عالي من الإبداع والجرأة، لكن التغطية والفرص أحياناً لا تكون منصفة. أما في الإمارات، فالمشهد ينمو، ويوجد اليوم آفاقاُ جديدة تُفتح للنساء، لكن نحتاج إلى خلق منظومة دعم مستمرة.
الجميل إن الجيل الجديد من المخرجات لا يخشين من طرح أسئلتهن الخاصة، ولا يحاولن إرضاء التوقعات، بل يخلقن لغة مختلفة.. أنا مؤمنة أن النساء يغيّرن شكل السرد السينمائي تماماً، لذا فإن وجودنا مهم، ليس لأننا “نساء في مجال صعب”، بل لأن لدينا رؤى حقيقية تستحق أن تُرى وتُسمع.
كيف تنوين لفت الأنظار إلى الواقع النسائي الإماراتي من خلال أعمالك المقبلة؟
أسعى إلى التركيز على القصص التي لا تُقال عادة… عن النساء اللواتي لا يسمعهن المجتمع، ولكنهن متواجدات في كل بيت. ليس فقط البطلات القويات، ولكن الهشات، الغاضبات، المليئات بالتناقضات. أريد أن أقدم شخصيات حقيقية، إماراتية، لكن عالمية في شعورها.
ما هي رسالتك من العمل الإخراجي، أو فلنقل الخط الجديد الذي تريدين إرسائه برؤيتك الخاصة؟
رسالتي هي خلق سينما صادقة، تشبهنا، وتلامس الناس داخلياً. أحب أن أدمج المنطق بالخيال، وأن أطرح أسئلة من خلال الصور، وليس وضع الإجابات المباشرة. أؤمن إن السينما قادرة أن تغيّر طريقة رؤيتنا لأنفسنا وللعالم.
كيف تطورين أدواتك الإخراجية؟
أسمع وأسمع وأسمع، أراقب، أكتب واقرأ.. أتعلم من الكبار الذين لديهم الخبرة، وأتواصل مع كل فرد في طاقم العمل. أحب أن أجرّب، وأخطيء، وأعيد التجربة. الإخراج بالنسبة لي رحلة تعلُّم مستمرة، لذا أتبع مبدأ: لا بأس أن أفشل فهو أُفضل من أن لا أجرب ابداً.
إلى أي مدى يعنيك الوصول إلى الآخر بأفكارك، أي ربما إحداث تأثير في سلوكه أو حياته؟
يعنيني جداً، ليس بهدف فرض فكرة، لكن إذا استطاع الفيلم جعل شخص يعيد التفكير، أو يحسّ بشيء جديد، أو حتى يتذكّر نفسه… فهذا يكون أعظم إنجاز بالنسبة لي.
ما رأيك بالتجارب السينمائية الإماراتية في وقتنا الحالي؟
نحن على الطريق الصحيح في رحلة طويلة، يوجد خطوات كبيرة قد تم تحقيقها، وأصوات تبرز ع دولياً، لكن نحتاج إلى بيئة متكاملة: دعم، توزيع، منصات، وجرأة في الطرح. الصناعة تبدأ من الإيمان، وأنا أرى إننا بدأنا نؤمن.
ما الذي ينقص النساء لكي يبرعن أكثر في مجال الإخراج والتمثيل؟
الثقة هي ما نحتاج إليه، بداية الثقة بالذات والتي تنبع من داخلنا وليست تلك المستمدة من الآخر، لذا نحتاج أن نقول للبنات منذ صغرهن: صوتك مهم، ولا داعي لأن تبحثي عن المثالية، كما نحتاج مساحات آمنة للتجريب والتعلم، بدون أحكام.
تحضرين فيلمك الطويل الثاني، أخبرينا عنه، وعن مشاريعك المقبلة وأين ترغبين بالوصول بأعمالك السينمائية؟
أعمل حالياً على مشروع جديد في مرحلة التطوير، يستلهم من الذاكرة الجماعية، وفيه لمسة من الغموض والخيال المرتبط بالطفولة. أحاول الاستمرار في خط البحث عن الهوية، والحنين، والأسئلة التي تبقى معنا من الطفولة. طموحي القادم هو بناء لغة سينمائية خاصة تعكس حقيقتي وتحاكي مجتمعي.
هل يمكن أن تخوضي مجال الدراما التلفزيونية، وأي أعمال يستهويك تقديمها؟
بالتأكيد أرحب بالتجربة التي تشبهني والنص الذي يصل إليّ! اأحب المسلسلات القصيرة التي تدمج الفن مع القصة، وفيها جرعة إنسانية وواقعية. التلفزيون له تأثير كبير، وأتمنى العمل فيه بأسلوبي الخاص.
اقرئي المزيد:إليسا فريحة: وومينا منصة النساء الأصيلات الباحثات عن حقيقتهن وريادتهن