أن نكون في حضرة إليسا فريحة يعني التواجد مع امرأة وصلت إلى درجة عالية من النضج والوعي والعمق والفهم والإدراك لكل ما يخصّ النساء، فهذه الشابة التي نشأت في كنف أسرة عريقة، ملكت الكثير من الثقافة والمعرفة في شتى أمور الحياة، وكرّست نفسها خدمة لقضايا المرأة العربية، فأسست Womena وهي مجموعة تهدف إلى تمكين الشابات من خلال جذب المستثمرين إلى الشركات الناشئة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. هي حفيدة سعيد فريحة رجل الأعمال الذي أسس دار الصياد الإعلامية الكبيرة، وابنة بسام فريحة الذي كرّس جزءاً كبيراً من حياته لدعم القضايا الثقافية والتعليمية، نشأت بين فرنسا ولبنان والإمارات، وتخرجت بدرجة البكالوريوس في الاتصالات العالمية من الجامعة الأمريكية في باريس، وعملت بعد ذلك في مجال العلاقات العامة لتؤسس بعد ذلك Womena التي حققت وتحقق الكثير من الإنجازات التي تصب في خدمة مصالح رائدات الأعمال. اليوم ندخل عالمها ونتعرف على أفكارها وطموحاتها.
لماذا فكرت وقررت إطلاق Womena، وهل كان السبب صعوبة واجهتها في إطلاق مشروع خاص، أم رصدك لصعوبات تواجهها النساء في سبيل النجاح بأفكار فردية؟
لديّ قناعة وإيمان بأن أي رائد أعمال يبدأ بمشروع جديد، لأنه يسعى لحلّ مشكلة واجهها، سواء حين كان أصغر سناً أو أقل نضجاً وحكمة، فنحن حين نعرف هدفنا بالضبط وما الذي نريد أن نقوم به، يكون الدافع لدينا كافياً لإصلاح ما أعاقنا في الماضي. خلال نشأتي لم أفهم تماماً معنى “النسوية”، ولم أعتقد أنها موجودة، لأني تربيت على أساس أن المساواة موجودة ولا داعي للتحدث عنها أو المناداة بها، ولكن حين انتقلت إلى الإمارات وتحديداً دبي، أدركت أنه في مجال الأعمال هناك تجاهل لطاقات المرأة، وهذا الأمر كان يسبب ضعف ثقة النساء بقدراتهن، ولأني كنت أعرف داخلياً أنه لدينا الكثير من المزايا والصفات التي يفتقدها الرجل، والتي يمكنه أن يتعلم ويتطور حين يدركها، أردت للمجتمع العريض أن يعرف المزيد عن نساء فاعلات وقويات ومؤثرات، ولا سيما أني شخصياً لم أملك الكثير من النساء العربيات اللواتي اعتبرتهن أمثلة عليا بالنسبة لي، والسبب ببساطة أنه لا يتم إظهار هذا النوع من النساء والتركيز على التحدث عنهن وإبراز إنجازاتهن. من هنا انطلقنا في Womena لكي نلقي الضوء على شخصيات تستحق الدعم والتشجيع، لكي نكتشف قصصها فتكون مثالاً أعلى لشابات الجيل الجديد، ولكي نقول لهنّ إن كل حلم يراودكن يمكن تحقيقه، وإن هناك من يرى ويسمع ويقدّر ويدعم بكل قوته.
قلت أن الانطلاق من الإمارات سهل عليك الأمور، فما هي الامتيازات التي حظيت بها؟
بحكم تواجد أسرتي في أبوظبي، كنت أعود دائماً إلى الإمارات ورأيت كيف تطورت سريعاً، لذا كان من المنطقي أن أنطلق منها، فهي أرض الفرص حيث لا وجود للمستحيل، فكل عامل ومجتهد سيلقى نصيبه من النجاح والتقدير. في ذلك الوقت لاحظت أن الرجال يسيطرون على قطاع الأعمال، ولا سيما الأجانب، وكانوا يحكمون عليّ كوني شابة وصغيرة وجميلة، بالتالي يجب أن أكون في موقع أقل ولا يتم أخذي على محمل الجد، من هنا قررت أني أريد العمل مع نساء، سيفهمون الأحكام التي يطلقها عليّ المجتمع لأنهم واجهوها قبلي، وسنتمكن معاً من تخطيها وإثبات أننا ناجحات في أي مجال نختاره، هكذا بدأت من دون أموال أو علاقات، كنت أضع لائحة بأسماء سيدات ورائدات أعمال، وأتصل بهنّ وأدعو الله أن يجبن على اتصالي ويكن متعاونات، وللحقيقة فقد كنّ داعمات بشكل كبير، فقد تلقيت إجابات من 75% منهنّ وكانت إجابتهن نعم! في ذلك الوقت كان الوثوق بمشروع جديد صعباً ولكن كنا بحاجة إلى هذا المجتمع الذي يجمعنا، ما كان صعباً هو الحصول على الدعم المادي والرغبة بالتحرك فعلياً على الأرض، فلطاما كان من الصعب على المرأة أن تأخذ قراراً مالياً أو استثمارياً دون الرجوع إلى والدها أو أخيها أو زوجها، وهذا الأمر يتعلق بتربيتنا، فحتى أنا كان والدي يحثني دائماً على استشارة إخوتي الشباب، وكان يطلب مني توجيه جهودي نحو مشروع أسهل، ويطالبني دائماً باستشارة الرجل. هذا حال جميع النساء في كل أنحاء العالم، لطالما ترعرعنا على الشك بأنفسنا، وعلى ضرورة أن نأخذ الموافقة من الاسرة أولاً والمجتمع العريض ثانياً، لذا نسعى في Womena إلى حث النساء على اتخاذ قراراتهن بأنفسهن ودون العودة لأحد، فيجب على المرأة أن تثق بنفسها وتخطو خطوتها بثبات، لأنها تعرف جيداً إمكاناتها وما هي قادرة على تحقيقه. للأسف حتى غالبية النساء في الأربعينات والخمسينات من العمر، لا يملكن هذه الثقة المطلقة بالذات، وقد فهمت أن هذه الحالة عامة لأني عشت في باريس والإمارات ولبنان ورصدت العقلية الغربية لأن والدتي أميركية، فجميع النساء يكافحن حتى يتم أخذهن بجدية في كل أنحاء العالم، وبالتالي نحن أيضاً في الشرق الأوسط، نلقّن من الغرب بكيفية التعامل مع بعضنا البعض، صحيح أننا نسعى لتمكين النساء إنما، نطالبهن أيضاً بأن يظلوا تحت أجنحة الرجل والمجتمع والثقافة المعتادة، لذا برأيي فإن مسؤولية كل شابة تتلخص في أن تخوض طريقها بقوة وثبات لتكتشف قدراتها وتثق بنفسها لتنطلق بحرية كاملة.

كيف تفاعلت النساء سريعاً مع فكرتك؟ وكيف تمكنت في المقابل من جذب أموال المستثمرين، وأكثرهم يكونون من الرجال؟
لم نأخذ في Womena الأموال من مستثمرين خارجيين، ولكن في بداية انطلاقتنا جمعنا 100 ألف دولار من 6 مستثمرين في المنطقة، كانوا من الخليج ومصر ولبنان، وأغلبهم من النساء، كما أن والدي دعمني لأنه أحسّ بأني جادة في مسعاي، فحصلت على دعم مادي ومعنوي من مكتبه في الإمارات، منذ تلك اللحظة كنا محظوظين بالتطور السريع الذي لاقته المبادرة، لتتحول من شركة استثمار إلى محرّك إلى منصة لنقل القصص الملهمة. سمح لنا هذا التحوّل بامتلاك المرونة لفهم ما يحتاجه السوق، وكيف يتغير سريعاً ويتطور، فنوجد مجتمعاً حقيقياً وصادقاً من نساء شابات ومنفتحات ينتمين إلى معظم الدول العربية، يرغبن بأن يشاركن في كل قطاعات المجتمع، ويلبين احتياجات بلادهن، لامتلاكهن الوعي اللازم ليكنّ متساويات مع الرجال، ويضغطن باتجاه أن يسمع المجتمع قصصهن ويرصد قوتهن ويحترم ما يقمن به. صحيح أننا نواجه مشاكل أحياناً في تأمين الأموال اللازمة للاستمرار ولكننا نستمر في التمويل الذاتي وبكل فخر ونجاح.
ما هي الصعوبات التي رصدتها خلال عملك والتي تواجه المرأة رائدة الأعمال؟ ما هي المجالات التي ترين فيها ضعفا في تواجد المرأة؟
تغيّرت ظروف النساء في السنوات الفائتة، وازداد تواجدهن في الكثير من القطاعات الحيوية، ولكن ما لم يتغير هو عقلية معاملة المرأة على أنها أداة تساعد للوصول إلى الهدف، فالكثير من القصص التي تروى تبرز الأمر على أنها “امرأة حققت شيئاً جديداً”، لا تركز على اسمها، حياتها، خصوصيتها، هويتها، الصعوبات التي واجهتها.. مثلاً نحن لا نقول :هذا رجل صار قائد طائرة، بل نقول أول امرأة باتت قائدة طائرة في هذا البلد.. فما هو عادي للرجال يتحول إلى قصة سريعة تدهش العالم لبعض الوقت في حال كان الحديث عن امراة، بينما ما نحتاجه فعلاً هو الإضاءة على الروح التي أبدعت، دون أن نتبع الإعجاب والتقدير لها فقط لأنها “امرأة”. حين نتوقف عن ذلك نكون قد فهمنا فعلياً معنى المساواة وبدأنا بتحقيقها، وحين يتغير منظورنا لعمل المرأة سيأتي جيل جديد هو الذي تتوجهن إليه في مجلة هيا، وقد تحرر من كل الأنماط السابقة، سيبدأ بطرح الأسئلة الصائبة، وسيجد الإجابات العميقة والحقيقية. اليوم يوجد الكثير من المبادرات وحملات الدعم التي تأخذ حيزاً من الاهتمام الإعلامي، ولكن لا شيء يطبق من النظريات على أرض الواقع، فالاحتياجات الحقيقية لإحداث التغيير لا تتحقق. لليوم لا تزال النساء تشعرن بالخوف من التحدث بحرية خشية إزعاج أحدهم أو التعرض للإقصاء وخسارة المنصة التي سمحت لها بالحديث وغيرها من وسائل التواصل والإعلام، وأنا كنت لسنوات طويلة مثلهنّ، ولكني حالياً بتّ متأكدة أن امتلاكي للحرية بأن أقول كل شيء كما هو، سيلهم مستقبلاً شابات صغيرات على أن يكنّ حقيقيات وواضحات وصادقات مع الذات بداية ومع الآخرين تالياً.
كيف ترين الجيل الجديد من الشابات اللواتي نشأن مع انتشار وسائل التواصل؟
يوجد مفارقات في عقليات الجيل الذي نشأ مع سيطرة وسائل التواصل، فهم يرون مجموعة من المؤثرين الذين يركزون على المظهر والماديات والـget ready with me.. وما يقدم له من صورة مثالية عن الحياة، ويرون في المقابل، أناس أزالوا الفلاتر وظهروا على حقيقتهم، وتحدثوا بصدق عن المشاكل والعثرات التي تواجههم، وهم يتوجهون باهتمامهم نحو النموذج الثاني ويرصدون ويفهمون الفرق بين ما هو حقيقي ومزيّف. أعتقد أن الشباب بات يمتلك الوعي والإحساس العالي بما يقدم له، وأراه مستقبلاً أكثر تأثراً ورغبة بالتمثل بالقصص الصادقة والأصيلة، من دون الحكم على أحد بسبب مظهره أو أفكاره أو معتقده وحتى طريقة تربيته وعيشه.
كيف تنظرين للمستقبل؟ وما الذي تطمحين لتحقيقه؟
أنا ممتنة للمجتمع الحقيقي والافتراضي الذي بنيناه في Womena والذي ينمو باضطراد، حيث نشهد ازدياد أعداد النساء الواتي يشاركن قصصهن ويومياتهن وقصص نجاحهن وحتى إخفاقاتهن، وأسعى لتنظيم المزيد من الفعاليات التي تعكس حقيقتنا وهويتنا وتزيد فهم الآخرين لنا، ولا أعني هنا أن يكون حفل عشاء أو فعالية عادية، بل المشاركة في أحداث مهمة ومحورية في عالمنا العربي اليوم، والتحدث بلغتنا الخاصة، وسأعطي مثالاً عن ذلك، وهو مشاركتنا في Dubai design week في نوفمبر الفائت، حيث ابتكرنا مساحة للاحتفال بالحرية، وعملنا وفنانين مع مصممات من لبنان ومصر والأردن، وخلقنا تجربة يمر بها الجمهور، ليدرك دور المرأة في مجال التصميم.. هذا ما ندعو إليه في Womena، وهو تعريف العالم بأسره معنى أن تكون المرأة عربية، طموحة، قوية ومجتهدة في عملها، وهي اليوم قادرة أن تكوّن مجتمعاً خاصاُ بها، تتشارك فيه مع شابات يشبهنها. مثالاً آخر قمنا به في Womena هو إنتاج فيلم قصير بعنوان “كل أسبوعين” كتبته وأخرجته زميلتنا آية الحسيني، ونسعى مستقبلاً إلى تحويله إلى عمل تلفزيوني، تطرق إلى امرأة شابة تعيش في مصر، وتختبر الحياة بكل حقيقتها وصعوبتها، لتشبه بذلك أي امرأة في بيروت أو دبي أو عمّان، وتواجه معايير مجتمعية لم تعد تناسبها، ولكنها تسعى أن تعكس حقيقتها وتحافظ على أصالتها في وجه كل ما يعترضها من عثرات. هذا باختصار مسعانا وتوجهنا ونتمنى انضمام المزيد من الشابات إلينا.
اقرئي المزيد: نيللي عطار: تسّلق الجبال خولني امتلاك صوت لمساعدة الإنسان والطبيعة