مرحلة ما بعد الولادة تُعد من أكثر الفترات حساسية في حياة المرأة، إذ يتعرض الجسم لتغيرات هرمونية وفسيولوجية كبيرة، فضلًا عن الإرهاق البدني والنفسي. وخلال هذه المرحلة، تُصبح الأم عرضة لبعض المضاعفات الصحية، من أخطرها خطر الإصابة بجلطات دموية، خاصة إذا كانت الولادة قيصرية أو صاحبتها مضاعفات أخرى. لهذا السبب، بات استخدام ابر السيولة بعد الولادة أمرًا شائعًا في البروتوكولات الطبية الحديثة
لحماية صحة الأم.
ما هي إبر السيولة وما دورها؟
إبر السيولة هي أدوية تُحقن تحت الجلد وتعمل على تمييع الدم بشكل مؤقت لمنع تكوّن الجلطات. وغالبًا ما تحتوي هذه الإبر على مواد مثل الهيبارين أو أحد مشتقاته، وهي آمنة إلى حد كبير عند استخدامها بجرعات محددة وتحت إشراف طبي. الهدف الأساسي منها هو الحد من تخثر الدم الزائد، الذي قد يؤدي إلى انسداد الشرايين أو الأوردة، وهو ما يُعرف بالتجلط الوريدي العميق أو حتى الانصمام الرئوي.
في فترة ما بعد الولادة، يزداد خطر الإصابة بالجلطات بسبب عدة عوامل، منها قلة الحركة بعد العملية، أو التغيرات الهرمونية، أو حتى الضغط الحاصل على الأوردة أثناء الحمل. وهنا يأتي دور ابر السيولة بعد الولادة كوسيلة وقائية رئيسية للحد من هذا الخطر.
من هنّ النساء الأكثر حاجة لابر السيولة بعد الولادة؟
ليست كل امرأة بحاجة إلى استخدام هذه الإبر، لكن هناك حالات تستوجب إعطاءها وفقًا لتقييم طبي دقيق. ومن أبرز هذه الحالات:
• الولادة القيصرية، خاصة المتكررة.
• وجود تاريخ شخصي أو عائلي للجلطات.
• البقاء في السرير لفترة طويلة بعد الولادة.
• السمنة المفرطة.
• المعاناة من أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري.
• التدخين أو تقدم السن (فوق 35 عامًا).
في هذه الحالات، يُوصى باستخدام ابر السيولة بعد الولادة خلال فترة تتراوح بين 7 إلى 10 أيام، وقد تمتد لفترة أطول حسب الحالة. وتُعطى غالبًا بشكل يومي بجرعة ثابتة يتم تحديدها من قبل الطبيب.
إقرئي أيضاً: ابرة تثبيت الحمل: كل ما تحتاجين معرفته لضمان حمل صحي ومستقر!
آلية الاستخدام وملاحظات السلامة
تُحقن الإبر عادة في منطقة البطن أو الفخذ، باستخدام محقن صغير مصمم لتقليل الألم والانزعاج. ويجب على الأم أو من يعتني بها الالتزام بتعليمات التعقيم وطريقة الحقن الصحيحة لتجنّب أية مضاعفات جلدية.
رغم أمان الدواء، إلا أنه قد يُسبب بعض الأعراض الجانبية مثل الكدمات أو النزيف البسيط في موضع الحقن، وهي أعراض غالبًا ما تكون مؤقتة وغير مقلقة. ومع ذلك، يجب مراقبة أي علامات غير طبيعية مثل النزيف الحاد أو صعوبة التنفس، والتواصل فورًا مع الطبيب عند ملاحظتها.
من المهم التأكيد على أن استخدام إبر السيولة بعد الولادة لا يُغني عن أهمية الحركة المبكرة بعد الولادة، حيث تُساعد الحركة على تنشيط الدورة الدموية وتقليل خطر التجلط. لذلك، يُنصح بأن تبدأ الأم بالمشي البسيط بمجرد سماح الطبيب لها بذلك.
تأثير الإبر على الرضاعة والطفل
تسأل العديد من الأمهات عن تأثير هذه الإبر على الرضاعة الطبيعية. الخبر الجيد أن معظم أنواع ابر السيولة بعد الولادة تُعتبر آمنة تمامًا خلال الرضاعة، إذ لا تنتقل المواد الفعالة إلى الحليب بكميات تُذكر. لذلك، لا داعي للتوقف عن الإرضاع الطبيعي عند استخدام هذه الأدوية، ما لم يكن هناك توجيه خاص من الطبيب.
وعي متزايد وتوصيات طبية حديثة
في السنوات الأخيرة، أصبح وعي الأطباء والمستشفيات أكبر بخصوص الوقاية من الجلطات، ما أدى إلى اعتماد بروتوكولات واضحة حول متى وكيف يجب استخدام إبر السيولة بعد الولادة. وقد أسهمت هذه الممارسات في تقليل عدد الحالات التي كانت تُصاب بمضاعفات خطيرة مثل الانصمام الرئوي، الذي يُعد من أكثر مسببات الوفاة في فترة ما بعد الولادة، خاصة عند غياب التدخل المبكر.
وبفضل التدريب المتزايد للكادر الطبي والوعي الذي بدأ ينتشر بين النساء، أصبحت كثير من الأمهات على دراية بأهمية هذا النوع من الوقاية. بل إن بعضهن أصبحن يطلبن استشارة الطبيب بخصوص الوقاية من التجلط بمجرد معرفتهن بموعد الولادة، خصوصًا إذا سبق لهن التعرض لمشكلات مشابهة.
يبقى قرار استخدام ابر السيولة بعد الولادة قرارًا طبيًا دقيقًا، يُتخذ بناءً على تقييم شامل للحالة الصحية، ونوع الولادة، والعوامل المصاحبة. وعلى الرغم من أنه إجراء وقائي بسيط في ظاهره، إلا أن له دورًا كبيرًا في حماية حياة الأم من مضاعفات قد تكون قاتلة. ومن المهم أن تكون الأم على اطلاع كافٍ، وأن تتعاون مع الفريق الطبي لضمان فترة تعافٍ آمنة ومريحة.
إقرئي أيضاً: كم كيلو تنزل ابر التنحيف اوزمبك؟