نمرّ بساعات وأيّام وأحياناً أشهر صعبة حين نكون على وشك اتّخاذ قرار مصيري من شأنه أن يؤثر على مسار حياتنا المقبل سواء حين يتعلّق الأمر باختيار الاختصاص الجامعي أو الزواج أو تغيير المهنة أو السفر. فالحياة التي نعيشها اليوم هي انعكاس للقرارات التي اتّخذناها بالأمس، من هنا فإنّ التخطيط الصحيح والتفكير الدقيق والمنطقي والبعيد عن العواطف من شأنه مساعدتنا لاتّخاذ القرارات الأمثل. وقد التقينا مدرّبة الحياة رنا الزهيري لنسألها عن السبل المناسبة لتحقيق ذلك مع العلم أنّها التحقت بمؤسّسة لتطوير الذات في الولايات المتّحدة الأميركيّة ثمّ خضعت لدورات في علم الطاقة في فرنسا، بالإضافة إلى اهتمامها بالـFeng Shui وغيره من العلوم الإنسانيّة التي خوّلتها تعميق معارفها الحياتيّة والنفسيّة.
عندما سألناها: في ظل تعدّد الخيارات المتاحة وصعوبة معرفة ما يخبئه المستقبل كيف نعرف أننا نتّجه نحو التخصّص الجامعي المناسب لنا أو نختار الوظيفة التي سننجح فيها؟ فأجابت: «يجب على الشابّة بدايةً أن تعرف ما هي رسالتها في الحياة ولكي تتمكّن من تحقيق هذا الأمر عليها أن تكتشف القصص التي تحرّكها وتملؤها بالادفاع للعطاء. من بين هذه الأشياء الكثيرة أذكر الحبّ والزواج والمال والشهرة والاستمتاع والمعرفة والحرية والسلام والصداقة والتميّز والابداع ومساعدة الآخرين والعائلة والاختلاف والعلم…إلخ. فلتحدّد على الأقل 20 قيمة ثمّ تضغطها وتختار ما هي أولويّاتها من هذه القيم حتى تصبح 10 ثمّ تضغطها مرّة أخرى لتصل إلى 5 قيم أساسيّة في حياتها. سوف تتفاجأ بعد القيام بهذه العملية أن الأشياء التي تفعلها في حياتها حاليّاً تخدم هذه القيم بالفعل وأنّها تقوم بها بحب واستمتاع وسعادة من دون التفكير في المال المنفق عليها أو في المجهود المبذول فيها. أمّا الأشياء التي لا تخدم هذه القيم فتشعرها بالملل وتستفزّها وتسلب منها حماسها وطاقتها».
وتضيف الزهيري: «من جهة ثانية فإنّ تحديد القيم سيساعدها على معرفة نفسها معرفة جيّدة. وهذه الخطوة الأولى لتختار ما يناسبها منذ سنّ صغيرة أيّ بعد التخرّج من المدرسة والانطلاق نحو الحياة الجامعيّة،أو المرحلة المقبلة وهي الأصعب حين يتعلّق الأمر باختيار الشخص المناسب الذي ستمضي حياتها معه، أو حتّى التوجّه نحو سوق العمل ومحاولة استقراء المجال الذي سيحقّق لها النجاح مستقبلاً، سواء في حال قرّرت الانطلاق في مشروعها الخاصّ أو اختارت أن تنضمّ إلى أيّ شركة وتصبح عضواً في فريق عمل كبير».
هنا تبنّه الزهيري إلى فخوخ يمكن الوقوع فيها حين يتعلّق الأمر باختيار الاختصاص الجامعي أو المسار الوظيفي: «ثلاث خرافات يجب التخلّص منها. أوّلاً أنّ ثمّة تخصّصات أو وظائف سهلة وأخرى صعبة، هذا خطأ شائع وفادح. فلا يوجد سهل أو صعب إنّما يوجد تخصّص أو مجال غير مناسب لك وهناك في المقابل ما تحبّينه بالفعل وستنجحين به مهما بلغت صعوبته لأنّك تمارسينه عن حبّ ورغبة حقيقيّة بالعطاء لتحقيق التقدّم».
الأمر الثاني بحسب المدربّة الحياتيّة: «الظنّ أنّ ثمّة تخصّص أو وظيفة لا مستقبل لها ولا فرص عمل مهمّة أو مجال للتطوّر فيها، وتخصّص آخر مجال العمل به قويّ ومضمون. ففي حال اخترت تخصّص تحبينه ستتمكّنين من خلق فرص مهمّة لنفسك وستفاجئين كلّ من يحيط بك بمدى عزمك وجدارتك».

أمّا الخرافة الثالثة فهي: «أنّ التخصص أو العمل هو الذي يحدّد مسار حياتك من دون القدرة أبداً على الخروج من دائرة المراوحة. وهذا خطأ لأنّ التخصّص الجامعي أو الوظيفة تجربة اكتشاف وتوسّع في مجال من المجالات الحياتيّة واكتساب خبرة من نوع أكاديمي إنّما يمكن ببساطة البدء من جديد وخوض غمار مجال جديد».
وتكمل الزهيري: «لذلك أكرّر أنّه من المهمّ جدّاً أن يخدم المجال الجامعي أو الوظيفي الذي سوف تختارينه القيم التي تخصّك، أنت وحدك، لضمان نجاحك واستمرارك بالقيام بما تستمتعين به ويساهم في عيشك بسعادة وراحة بال. أمّا إذا كنت تشعرين بالانزعاج ممّا تقومين به ولم تنجح محاولاتك في تقبّله فلا بدّ من التغيير وهو ليس صعباً أو مستحيلاً. لكن قبل أن تتركي وظيفتك أو تغيّري تخصّصك الجامعي يجب أن تعرفي بالضبط ما تقدمين عليه، فتضعين خطّة واضحة لمستقبلك وخطّة طوارئ ثانية في حال فشل مشروعك الأوّل».
وتختم الزهيري: «في الحياة الكثير من الفرص التي تمرّ أمامك إنّما أحياناً لا تعيريها اهتماماً، فلا تظنّي أبداً أنّك فشلت في حال كان خيارك غير صائب بل تعلّمي من التجربة وابحثي عن فرصة جديدة وادرسي جيّداً خطواتك. وليكن دليلك حدسك الداخلي ومن بعده عقلك وتفكيرك وخبراتك السابقة التي يجب الاستفادة منها لتحقيق التقدّم في المستقبل».