Uncategorized

«زرافاضة» رسالة سلام هل تنتصر هذه الروح الثائرة؟

نوفمبر 27, 2013
إعداد: Nathalie Bontems

نيكولا عازار-أبو ظبي
هو فصل جديد من اليوميات تحت الاحتلال، هي قصة قد يعتبرها البعض نابعة من الخيال، إنما يخطئ من يظن أنّ فيلم «زرافاضة» أو Giraffada لا ينتمي إلى واقع مرير، إذ حاول كاتبه ومخرجه أن يترجم تلك القصة الحزينة إلى صور يمتزج فيها الحزن بالفرح. ورغم أنّ الزرافة تجد مسعاها في الأخير، إلا أنّ تلك الفرحة لا تكتمل حين يقتل أحد أبطال العمل. ربما هذا هو الواقع في بلد اسمه فلسطين، حيث السعادة والحزن هما صديقان مقرّبان، إلا أنّ بعض المخرجين يحاولون قدر المستطاع أن يزرعوا الأمل في قلوب من يشاهد أعمالهم. في مهرجان أبو ظبي السينمائي الأخير، كان العرض الأول لهذا العمل، وكانت لنا الفرصة لقاء بطلي العمل،الممثلة الفرنسيّة Laure de Clermont-Tonnerre والممثل الفلسطيني صالح بكري اللذين شاركانا تجربتهما الفريدة.

Laure de Clermont
الفيلم رسالة سلام

-كيف وجدت الوقوف أمام ممثلين عرب وفي فيلم غير فرنسي؟
هي تجربة فريدة من نوعها، لا سيما أنّنا نتابع ما يجري في تلك المنطقة عبر وسائل الإعلام الفرنسيّة المختلفة، واللافت أنّ بعض ما تراه وتقرأه يختلف نوعاً ما عن الواقع الذي تلمسه هناك بكل حواسك. مخرج العمل راني مصالحة، طلب مني السفر إلى فلسطين قبل شهر من بدء التصوير، وذلك من أجل معايشة الواقع، وكم شعرت بالأسى تجاه بعض الأمور التي رأيتها، كذلك ذهبت إلى مخيّم عايدة للاجئين الفلسطينيين الذي يقع في شمال بيت لحم، وشاركت أيضاً في التظاهرات.

-هل شعرت بالخوف؟
أمضيت ثلاثة أشهر في فلسطين، من أجل تصوير العمل، ولم أشعر حينها بأي ذرّة خوف، علماً أنّني عايشت تجارب مقلقة بعض الشيء، خصوصاً حين شاركت في إحدى التظاهرات، وما لبث أن فتح الجيش الإسرائيلي النار علينا، وذلك بهدف إخافة المشاركين الذين كانوا يرمون عناصره بالحجارة. لا أستطيع أن أصف الشعور الذي تملّكني في ذلك الوقت، إذ كان كل واحد منا يفر خشية على حياته. أما التجربة الاستثنائيّة الثانية، فحصلت حين كنا نصوّر في إحدى حدائق الحيوانات في الأراضي المحتلة، وفجأة إذ بصوت صفارات الإنذار معلنة بدء غارة جويّة، علماً أنّني ووالدي، وهو منتج العمل، لم نعلم حينها سبب هذا الصوت، إذ اعتقد أبي أنّ ذلك الأخير، ربما يعود إلى أحد العصافير، لنعلم لاحقاً أنّ ما سمعناه ما هو إلا تنبيه إلى ضرورة الإسراع بالنزول إلى الملاجئ، والمؤسف أنّنا لم نجد أي ملجأ في ذلك المكان، فاختبأنا في الحمامات. كل هذه التجارب حفّزت الأدرينالين في جسدي، ما دفعني لكي أقدّم أفضل ما لدي.

-هل تعيدين تلك التجربة مرة أخرى؟
نعم… ألف مرة. أعود من جديد إلى فلسطين في يناير وذلك من أجل عرض الفيلم، حيث سنجول على أكثر من ثماني مناطق، علماً أنّني أتمنّى المكوث هناك لفترة أطول، خصوصاً أنّني اكتسبت أصدقاء كثراً. هذه التجربة هي من دون شك الأكثر تأثيراً على حياتي.

-كيف وجدت الوقوف أمام الممثل الفلسطيني صالح بكري؟
أنا سعيدة بمشاركته بطولة هذا العمل لأنّني كنت أتوقّع أنّه لن يكون عملاً عادياً، بل كنت واثقة من أنّه سينجح ويثير الجدل بهذا الشكل… كان هناك انسجام تام بيننا، ورغم أنّنا من بيئتين مختلفتين، إلا أنّنا اكتشفنا أنّ ثمة أموراً كثيرة تجمعنا… يتمتّع صالح بحس فكاهي استثنائي، ما جعل العمل معه سهلاً وسلساً. كما أنّه ساعدني كثيراً على التأقلم بسرعة، ما دفعني إلى التعمّق في ثقافة هذا البلد. صالح متصالح مع نفسه، وفيّ لعقائده، وخيانة تلك المبادئ غير واردة في قاموسه. من النادر أن نلتقي بشخص يتمتّع بهذا العمق الإنساني والفكري والعقائدي.

-ما هي الرسالة التي يجب على المشاهد أن يلمسها؟
أن نتمسّك بالأمل… الفيلم يترجم حالات إنسانيّة عدّة تبحث عن خلاصها. صحيح أنّ الفيلم يروي قصة زرافة توفي شريكها، وهي تبحث عن حب آخر يكمل حياتها، إلا أنّ هذه القصة ما هي إلا صورة رمزيّة عن علاقات إنسانيّة كثيرة تشتّتت مع اندلاع هذه الحرب بين طرفين يبحث كلاهما عن وسيلة للتعايش معاً. الفيلم ما هو إلا رسالة سلام إلى كل الشعوب في العالم.

-ما هي مشاريعك المستقبليّة؟
أستعد لإخراج فيلم قصير، وهو الثاني لي، كذلك سأشارك في الفيلم الفرنسي La résistance de l’air في يناير 2014 إلى جانب الممثلين الفرنسيين Reda Kateb وLudivine Sagnier وPascal Demolon وغيرهم. كذلك أكتب فيلمي الروائي الطويل الأول، ومن المتوقّع أن أنتجه وأصوّره في العالم المقبل.

صالح بكري
عمل مختلف في معالجته

-أنت من الأسماء الأكثر تداولاً على ألسنة أهل الصحافة المشاركين في مهرجان أبو ظبي السينمائي. ما السبب وراء ذلك؟
أحاول جاهداً أن أقدّم فناً يرتقي بي وبالمشاهد. يهمّني كثيراً احترام ذكاء المشاهد، وذلك من خلال تقديم أدوار مختلفة وجديدة، لأنّني أؤمن بأنّك لا تستطيع تغيير العالم من حولك ما لم تغيّر نفسك في المقام الأول. لذا كل دور أقدّمه، لا بدّ أن يغير فيّ شيئاً. من هذا المنطلق، يجد الصحافيون أنفسهم أمام فنان يؤمن بقضيّته الفنيّة، ما يدفعهم إلى تقدير ذلك الفنان وتمييزه عن غيره.

-إلى أيّ مدى لعب الوالد، الممثل العريق محمد بكري، دوراً فعالاً في تكوين هذه الشخصيّة الفنيّة، خصوصاً أنّ والدك عانى الأمرّين جراء انتماءاته الوطنيّة والفكريّة، علماً أنّ من يتابع أعمالك يرى الحزن من خلال عينيك؟
صرخة المستضعف دائماً ما تكون أشد جبروتاً من أي صرخة أخرى. وكوني أعيش في بلد تم تحطيمه من عدو لا يرحم، وكوني جزءاً لا يتجزأ من شعب مشتّت، كل ذلك جعل الحزن يتغلغل في أعماقي، ناهيك أنّ حياة والديّ والصعاب التي واجهتهما، أثّرت كثيراً على حياتي. كل هذه الأمور لا توحي بالسعادة (ضاحكاً).

-أين تبحث عن السعادة؟
أسعد كثيراً حين ألتقي بطفل، أو حين أنظر إلى مراهقين عاشقين. كل هذه العلاقات الإنسانيّة الجميلة تفرحني وتجعلني أمضي إلى الأمام.
«زرافاضة» قائم على وقائع قصة حقيقيّة حدثت لزرافة ماتت بالرصاص في حديقة حيوانات في إحدى المدن الفلسطينيّة. إنما استخدام الطفل في العمل، هو لفتة ذكيّة في إيصال معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم أجمع. ابتعدتم عن الأفلام التقليديّة التي تحاول معالجة الأزمة الفلسطينيّة. هل كان اختياراً ذكياً؟
حاولنا تقديم عمل مختلف في معالجته، وذلك لإرضاء الجمهور الذي ملّ من مشاهدة الأمور نفسها تتكرّر من عمل إلى آخر. التجديد أمر ضروري في الحياة وفي أعمالنا الفنيّة، لأنّ ذلك يدفعنا إلى البحث عن مصدر إلهام جديد.

-كيف وجدت الوقوف أمام الممثلة الفرنسيّة Laure de Clermont؟
جميل جداً، هي إنسانة صادقة ومتواضعة، والأهم أنّها متصالحة مع ذاتها إلى أبعد الحدود.

-غالباً ما تختار الأدوار المركّبة، هل من الممكن أن نراك في قالب كوميدي؟
أهوى الأدوار الكوميديّة الساخرة لأنّها تخرجني من العباءة التي اعتاد المشاهد رؤيتها. Charlie Chaplin قدّم أدواراً كوميديّة عدّة، ورغم أنّها كانت صامتة، إلا أنّ الرسالة وصلت إلى قلوب المشاهدين. وهذا ما أتمنّى تقديمه، وليس بالضرورة أن تكون الأدوار صامتة، إنما أتمنّى الارتقاء إلى المستوى نفسه الذي قدّمه Chaplin في أعماله. وإذا شاركت في دور كوميدي، فهذا من دون شك تحدّ جديد لي.

المجلات الرقمية

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية