دينا زين الدين-بيروت
تتلقّين زيادة على راتبك وتهنئة من مديرك في العمل بعدما أدّيت عملاً رائعاً في الفصل الأخير، فتشترين الحلوى لتحتفلي مع عائلتك بهذا الخبر السعيد. وما إن تبلغي زوجك بمستجداتك المهنيّة، حتى يصدمك فتوره وانزعاجه، فتشعرين للحظة بأنّه لم يكن سعيداً بالخبر. فهو ببساطة، يغار منك.
كثيرة هي المواقف التي تجد فيها النساء أنّ نجاحهنّ ينعكس سلباً على علاقتهنّ الزوجيّة وكأنّ الرجال لا يريدون لزوجاتهم أن يتقدّمن في عملهنّ أو مهنتهنّ، حتى أنّ بعضهنّ يضطررن إلى إخفاء إنجازاتهنّ عن أزواجهن، تحاشياً لسلسلة من المشكلات. ففجأة يشعرون بأنّهم ليسوا الطرف الأقوى في المنزل وأنّ المنافسة باتت لصالح المرأة على غير عادة، فضلاً عن الخوف من أن تصبح المرأة أكثر استقلاليّة وتحكّماً في القرارات داخل المنزل على قاعدة أنّ من يمتلك الإنتاج هو الذي يمتلك القرار. عندها يبدأ الرجال بحالة دفاع غير مبرّرة عن موقع يظنّون أنّه لهم بالفطرة.
نلت ترقية… فازدادت مشاكلنا
تتحدّث زينة(35 عاماً) عن اليوم الذي نالت ترقية في عملها، فانتقلت من بائعة داخل صالة المجوهرات إلى مديرة للصالة، وإثر الترقية تضاعف راتبها ليتخطّى راتب زوجها. «بداية هنأني بالإنجاز وقال إنّه فخور بي، لكنّ الأمر لم يدم أكثر من يومين حتى بات يتحدّث عن إهمالي للمنزل وتبذيري للمصروف ملمّحاً أنّ الزيادة في الراتب لا تعني أن أتصرّف بمال العائلة بمفردي، هذا رغم أنّ شيئاً لم يتغيّر في سلوكي العادي». تضيف زينة: «بات إذا اختلف معي، يناديني بسعادة المديرة على صعيد التهكّم، وباتت المشكلات تزداد بصورة غير محتملة، ما دفعني إلى التفكير الجدي بترك عملي»
غير أنّ زينة قرّرت استشارة إحدى صديقاتها التي مرّت بمشكلة مشابهة لمشكلتها، فنصحتها بأن تسايره وتقول له ما يحب أن يسمعه وما يطمئنه. «صرت أردّد أمام أصدقائنا المشتركين أنّه هو الذي شجّعني لأتقدّم وأنّني لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه لولا دعمه، وسرعان ما بدأ يتغيّر خصوصاً أنّني أصبحت أستشيره في شؤون عملي نظراً إلى خبرته الواسعة».
أدخلته في عالمي الجديد
أما فاطمة (32 عاماً)، فعانت من مشكلة مشابهة عندما فازت بعمل في شركة دوليّة لصناعة الأدوية، وبمنصب رفيع جداً، الأمر الذي غيّر حياتها برمتها. وفور تعيينها، بدأت المشكلات تظهر بشكل كبير، لا سيما أنّ عملها الجديد كان يفرض عليها السهر لساعات طويلة في العمل لعقد اجتماعات ومؤتمرات، وبات على زوجها البقاء أكثر في المنزل مع ابنهما الوحيد، «فبدأ يعتبر أنّ عملي يدفعي إلى إهماله، وأنّ السيدات لا ينفعن للأعمال الإداريّة. كذلك أصبح يشك فيّ وينتقد الملابس التي لطالما كنت أرتدي مثلها دائماً. ولما ظننت أنّ مشكلته هي بدوام العمل، بدأت أخفّف من السهرات لكن المشاكل لم تخف، فكان يرفض أن أشتري أي شيء للمنزل أو لابننا، بحجّة أنّهما لا يحتاجان إلى أن أصرف عليهما، ما كان يجرحني ويشعرني بأنّ عليّ الاختيار بين استقراري العائلي واستقراري المهني». تضيف فاطمة أنّها لم تحاول أن تتكلم معه مباشرة في الموضوع خوفاً من جرحه ومن رد فعله. لكن بعدما زاد الوضع عن حدّه، لم يعد أمامها خيار، «فاتحته بالموضوع من دون أن أذكر مسألة الغيرة وطلبت منه أن يوضح بالتحديد مشكلته معي وسبب تغيّر تصرّفاته. وبعد نقاش طويل وعسير، استطعت أن أحصر طلباته بأمور محدّدة تتعلق بالغيرة التي لم تكن أساس المشكلة، لكنّه كان عاجزاً على أن يعترف بالسبب الحقيقي، فعرّفته إلى أصدقائي في العمل، وأدخلته في عالمي الجديد وأجبرته هكذا على الاعتراف بمركزي وبدوري الذي لم يكن يتقبّله». وتعترف فاطمة بأنّ الأمر لم يصبح مثالياً بعد لكنّه بالتأكيد أقل سوءاً.
تقدّمها حفّزه على التطوّر
وإن كانت الغيرة اتخذت طابعاً صدامياً في حالتي فاطمة وزينة، فإنّ ما حصل مع مايسة (28 عاماً) كانت نتيجته إيجابيّة. فمايسة الماهرة في الأشغال اليدويّة، افتتحت مشغلاً خاصاً بصناعة الحلي اليدويّة والأكسسوارات، وسرعان ما انتشرت أعمالها في المنطقة التي تعمل فيها وأصبحت تبيع بكميات كبيرة، حتى أنّ سيدات المجتمع بتن من زبوناتها. هذا التغيير المفاجئ شكّل صدمة لدى زوجها الذي يعمل في وظيفته منذ 10 سنوات ولم يتلقّ أي علاوة ولم يتقدّم خطوة. وبسبب غيرته من نجاحها، بات يريد أن يعمل أكثر وأن ينتج أكثر، «بات يفتعل المشكلات في عمله ويطالب بأن يتغيّر وضعه، حتى أنّ وظيفته باتت مهدّدة، الأمر الذي كاد أن يكون كارثياً علينا». لكنّ مايسة عرفت كيف تشجّعه، فوقفت إلى جانبه وساندته في البحث عن عمل جديد، وسرعان ما وجد وظيفة أفضل أعادت له ثقته بنفسه.
يظنّ بعض الرجال أنّ نجاح المرأة لا يمكن أن يتحقّق إلا على حسابهم، وأن تفوّّق الأنوثة يحد من رجولتهم. في هذه الحالة ليس هناك أسهل من الانجراف نحو الغرور والتعجرف، لكن الصعوبة تكمن في أن تكون النساء حكيمات ويعرفن كيف يتخلّصن من المشاكل التي قد تطرأ على حياتهنّ الزوجيّة.