دينا زين الدين-بيروت
الحديث عن أيّ مرض أمر قاس وصعب ومثير لشتى أنواع المشاعر، فكيف الحال إذا كان مرض سرطان الثدي الذي لا يميّز بين الشابة والكبيرة في السن، فيضرب المرأة أولاً ويؤثّر على أسرتها ويخرّب نظام حياتها، ويتطلّب منها وممّن حولها إيماناً كبيراً وإرادة جبّّارة لتخطّيه. فكيف يمكن التعامل مع هذا المرض؟ وما هو الدور الذي يلعبه المحيط الاجتماعي في مساعدة المريضة ومدّها بالدعم الذي تحتاج إليه للاستمرار؟
دعم الزوج
تقول السيدة دعد (43 عاماً) التي شفيت من مرض سرطان الثدي قبل حوالى عامين: «حين علمت بأمر مرضي، انهار عالمي ولم أرغب في المقاومة، كانت فترة صعبة جداً مليئة بالدموع والتوتّر والغضب، كان أولادي خائفين جداً وقلقين من طريقة تعاطيّ مع الأمر، فأنا كنت متشائمة ولم أصدّق أنّني سأشفى، لكنّ وقوف زوجي إلى جانبي هو ما جعلني أتماسك، فقد كان يرافقني خلال الفحوص ويستمع إلى ما يقوله الطبيب لي، ويستفسر منه حول كلّ الاحتمالات ويحضّرني للعلاجات الآتية».
فرصة جديدة
تكمل السيدة دعد: «معركتي مع السرطان أفقدتني ثديي الأيمن ولكنّني لم أحزن، فقد ربحت فرصة جديدة للعيش. لم أستسغ شكلي الجديد، لكنّني أفكّر كلما نظرت بالمرآة وأحسست بالحزن، أنّني كسبت حياتي وأنّ مستقبلاً جميلاً ينتظرني مع أبنائي وزوجي الذي أثبت ولاءه لي بشتى الطرق، وأعترف دائماً بأنّه لولا وقوفه إلى جانبي لما استطعت الاستمرار وتحمّل الألم الجسدي».
الشعور الصادق
يشكّل دعم الزوج دافعاً قوياً للمرأة المصابة بسرطان الثدي، فهو شريك حياتها ومصدر الأمان والاستقرار والعاطفة، ومما لا شكّ فيه أنّ أكثر ما تحتاجه المرأة في هذه التجربة هو حبّ صادق وقوي.
في هذا السياق، تشدّد باسكال بيتموني الحاصلة على إجازة في علم النفس من الجامعة اللبنانيّة على أهميّة أن يرافق المريضة في مرضها أحد أفراد أسرتها المقرّبين لكي يعرف ما الذي ينتظر العائلة، وكيف يجب التعامل مع أنواع العلاج. في حال كانت المريضة شديدة التأثّر، يقوم هذا الفرد بدعمها معنوياً فيحميها مثلاً من إمكانيّة التفكير بأن تضع حداً لحياتها أو أن تصاب بانهيار عصبي.
مراحل تقبّل المرض
تقول الاختصاصيّة النفسيّة: «تصاب المريضة بصدمة وترفض تصديق ما يجري معها. وفي حالات انتقال المرض بالوراثة، فإنّ استيعابها للأمر يكون أسرع، بعد ذلك تمرّ بحالة حزن وخوف شديدَين، فتنتابها نوبات بكاء أو اكتئاب وتتأثّر شهيّتها، وقد ترفض العلاج وترغب في الانزواء والابتعاد عن العالم، وهنا يأتي دور الأهل والكادر الطبي في دعمها وتشجيعها. بعد ذلك تتقبّل واقعها الجديد وتبدأ بالعلاج».
تقبّل الجسد الجديد
حين تقوم المرأة باستئصال الثدي، تشعر بأنّها فقدت جزءاً من أنوثتها ومن قدرتها في التأثير على زوجها. في هذا السياق، تقول بيتموني: «من الصعب على الإنسان أن يفقد أيّ عضو من أعضاء جسده، فكيف الحال حين تفقد المرأة الثدي أو ثدييها الاثنين. النساء في العادة مخلوقات حسّاسة ورقيقة، والمصابات منهنّ بسرطان الثدي معرّضات لتلاعب الهرمونات ولتغيّرات مزاجيّة حادة ناهيك عن أوجاع العلاج غير المحتملة، لذلك يحتجن إلى الكثير من الدعم والتشجيع ولا سيما من قبل الزوج. مع العلم أنّه بات بالإمكان اليوم أن تخضع المرأة لعمليّة تجميل تعيد إليها شكلها الجميل».
الشفقة الجارحة
تواجه مريضات السرطان في الكثير من الأحيان بنظرات الشفقة، وهذا الشعور ينتج غالباً من عدم معرفة الناس بكيفيّة التصرّف، وبحقيقة المرض أو مدى خطورته، فالسرطان مرتبط دائماً بإمكانيّة الموت على الرغم من التطّور الكبير الذي وصل إليه الطب في علاجه.
لذلك يجد الناس صعوبة في التعامل مع مريض السرطان، فتتراوح ردود أفعالهم بين الشفقة واللامبالاة أحياناً، وفي هذا الإطار تقول السيدة عنود (36 عاماً): «كنت حساسة جداً خلال فترة مرضي، كرهت الاحتكاك بالناس والاستماع إلى أسئلتهم الحشريّة، لكنّني مع الوقت عرفت أنّها طريقتهم في إبداء تعاطفهم واهتمامهم، وصرت أجيب عن استفساراتهم بضحكة، ففي النهاية كل إنسان معرّض للإصابة، ولذلك صرت أنصح النساء بأن يجرين الفحوص الدوريّة ولا سيما Mammogram كي يكتشفن المرض في بدايته ويختصرن رحلة طويلة من الألم والعذاب».
فقدت ابنتها فأسّست جمعيّة لمساعدة مريضات السرطان
قالت لوالدتها عبر الهاتف: «سأترك زوجي وأولادي في أميركا وأعود إلى لبنان لاستكمال العلاج، يؤلمني أن أرى الحزن الدائم في عينَي ابني وأن تجفل ابنتي لدى رؤيتها كيف أصبح شكلي بعدما تساقط شعري. أريد لولديّ أن يعيشا حياة طبيعيّة بعيداً عن الألم وأن يذكراني دائماً قويّة وجميلة». عادت مي إلى لبنان وكافحت سرطان الثدي عاماً ونصف، لكنّ المرض كان أقوى منها فسلبها حياتها وكانت لا تزال صبيّة في الـ37 من العمر. كانت الصدمة قويّة جداً على والدتها السيدة ريما دندشي، وكادت تسلبها إرادتها بالحياة، لكنّ وصيّة ابنتها ظلّت عالقة في ذهنها، فقرّرت مساعدة مريضات سرطان الثدي كما أرادت لها ابنتها أن تفعل، فإن لم يسعف الحظ مي التي اكتشفت المرض في مرحلة متقدّمة، فقد يكون إلى جانب عشرات النساء المصابات بسرطان الثدي فيكتب لهنّ الرجوع من درب الموت وعيش حياة طبيعيّة مع أسرهنّ.
أسست السيدة ريما جمعيّة «مي جلاد لمكافحة مرض سرطان الثدي» وهي اليوم تساعد عدداً كبيراً من المريضات الدائمات والمستجدات اللواتي يتقدّمن بطلب مساعدة إلى مستشفيات المقاصد والجامعة الأميركيّة في بيروت ومستشفى جبل لبنان.
ليس قصاصاً
تقول السيدة مي: «مرض سرطان الثدي ليس قصاصاً، إنّه أمر من عند الله وعلينا تقبّله، هذا ما كانت ابنتي تردّده وهو ما دفعني إلى تأسيس الجمعيّة. إنّ ما أقوم به أمر بسيط جداً نظراً إلى المعاناة التي تعيشها المريضات، لذلك فإنّه أقل ما يمكن أن أقدّمه لهنّ ولأسرهنّ، فأنا جرّبت مرارة المرض مع أعز إنسانة إلى قلبي، وأعرف تكاليف العلاج المرتفعة، فالمريضة تحتاج إلى أكثر من 500 دولار كل 15 يوماً لشراء العلاج وهذا مبلغ كبير حتى بالنسبة إلى الأسر المقتدرة، فكيف الحال حين يتعلّق الأمر بأسرة متواضعة الدخل».
توضح السيدة ريما أنّ الجمعيّة تتلقّى الدعم والمساعدات من فاعلي الخير وهم كثر، كما أنّها تنظّم حفل عشاء سنوياً لجمع التبرّعات يعود ريعه للمريضات، وتدعو إلى الاطلاع أكثر على نشاط الجمعيّة من خلال الموقع الإلكتروني: www.mayjalladfoundation.com
مرض يضرب العائلة
تؤكد السيدة ريما أنّ مرض ابنتها ووفاتها أثّرا في جميع أفراد الأسرة، وتقول: «المرض يضرب العائلة بأكملها ويفرض أعباءً ماديّة ومعنويّة ضخمة، لذلك يحتاج إلى قوّة جبارة. ابنتي لم تستسلم يوماً ولم تيأس على الرغم من أنّ الأطباء لم يتوقّعوا لها النجاة لأنّها اكتشفت المرض في مرحلة متأخّرة، إلا أنّها كافحت طوال خمس سنوات. وحين قرّرت ترك زوجها وولديها قامت بذلك حتى تكمل علاجها وتعود إليهم ولكنّ الله اختار أن تكون معه».
لا لليأس
تدعو السيدة ريما المريضات إلى عدم اليأس لأنّ الشفاء يحتاج إلى شجاعة ورغبة كبيرة في العيش، وتشير إلى أنّ ابنتها كانت تقوم بأعمال تطوعيّة خدمة لأطفال مركز St Jude لسرطان الأطفال في لبنان لإيمانها بضرورة الكفاح ومساعدة المرضى، وكانت تطلب من الأولاد ألا يضعوا قبّعة ليغطّوا رؤوسهم لأنّهم أشخاص مميّزون ومكافحون ويجب أن يفخروا بقوّتهم وبالمجهود الجبار الذي يقومون به.















