دينا زين الدين-بيروت
تعطي الحياة دائماً فرصة ثانية، ومهما ازدادت قسوة الأيام أو وطأة الفشل، فإنّ الزمن كفيل بأن يفتح نافذة أمل تعيد إليك الحلم والرغبة في الاستمرار. لكنّ الإنسان ليس كريماً دائماً كحال الحياة، فعديدات منّا حين يتعرّضن لجرح أو لخيانة من شخص قريب لا يمتلكن القدرة على إعطاء فرصة ثانية، بل يفضّلن إقصاء الشخص كلياً من حياتهنّ وإنهاء العلاقة. وأنتِ سيدتي، هل تعتمدين هذا المبدأ أم تغفرين بعض الأخطاء وتعطين من حولك حق الدفاع عن أنفسهم وإثبات حسن نيّتهم في المواقف الحياتيّة المقبلة؟
حجم الإساءة ومصدرها
القدرة على مسامحة الإساءة تتطلّب مجهوداً كبيراً ولا سيما إذا جاء الخطأ من شخص عزيز، فإعطاء الثقة ليس بالأمر الهيّن وحين يقوم من أوليناه ثقتنا بأمر جارح أو غادر، تتزعزع أركان العلاقة وتصبح العودة بها إلى ما كانت عليه في السابق صعبة إن لم تكن مستحيلة. في هذا السياق، تقول أحلام (27 عاماً): «قامت صديقتي المفضّلة بأخذ الوظيفة التي كنت أسعى إليها، ومارست الكثير من الحيل من وراء ظهري حتى تقنع المدير بأنّها الأجدر بالمنصب، وبعد انتهاء فترة التدرّب التي بدأناها معاً تمّ إقصائي من الشركة والإبقاء عليها». تضيف الشابة العشرينيّة: «لم أحزن على الوظيفة، فيمكنني إيجاد غيرها، لكنّني حزنت على العِشرة والأيام الجميلة التي قضيناها معاً. لم أقصها كلياً من حياتي ولكنّني لم أعد قادرة على الثقة بها من جديد على الرغم من اعتذارها المتكرّر وتأكيدها أنّها لم تتقصّد أذيّتي وإنما بحثت عمّا هو أفضل لمصلحتها».
الاستسلام لسطوة «الأنا»
تدفعنا الأنا وحب الذات أحياناً إلى أذيّة أقرب الأشخاص إلينا، فنخسر ثقتهم التي لا تقدّر بثمن، لا سيما أنّنا نعيش في زمن بات من الصعب فيه إيجاد من يهتم فعلاً بمصلحتنا.
وإذا كان بالإمكان منح الثقة المشروطة مجدّداً لصديقة لم تكن على قدر التوقّعات، فإنّه من الصعب تقبّل الغدر من الزوج أو الشريك. السيدة ماجدة (35 عاماً) تعرّضت للخيانة من قِبل زوجها، ولم تستطع أن تتقبّل الأمر فقرّرت أن تنفصل عنه، لكنّها غيّرت رأيها بعدما لمست حبّه الحقيقي وإصراره على إبقائها ومحاولاته الحثيثة لكسب ثقتها من جديد.
تقول: «ما حصل قلب حياتنا وخرّب علاقتنا، لكنّه جعلني أقوى وأكثر حرصاً وانتباهاً على مستقبل عائلتي. زوجي اليوم يسعى بكل جهده لإرضائي بعدما كان على وشك خسارتي، وأنا أحاول أن أنسى غلطته وأكمل حياتي معه لأنّني أحبّه ولا أريد لأولادنا مستقبلاً مجهولاً».
الاستفادة من التكفير عن الخطأ
يدفعنا التفكير بمصلحة أحبائنا إلى تقديم بعض التنازلات، وإلى منح فرصة ثانية علّ من أخطأ يدرك فداحة ما قام به ويسعى للتكفير عنه. من جهة ثانية، فإنّ المسامحة تكون أحياناً أصعب بكثير من التخلّي عن أشخاص أخطأوا بحقّنا لأنّها تعني أنّنا وصلنا إلى درجة عالية من الوعي والنضج وأنّنا نرى الأمور من منظار واسع وشامل، فالحياة ليست دائماً «أبيض أو أسود»، هناك الكثير من المواقف والتحديات التي تتطلّب المرونة والتفكير بتروّ قبل اتخاذ قرارات تؤثّر على مستقبلنا والأشخاص المحيطين بنا. كما أنّ منح فرصة ثانية ينبّه الآخر إلى فداحة ما قام به وإلى قوّة التضحية التي قدّمناها حين قرّرنا مسامحته.
من جهتها، تؤكد رهف وهي موظّفة في شركة علاقات عامة (27 عاماً) أنّها مستعدة لمسامحة من أساء إليها وإعطائه فرصة ثانية: «الإنسان معرّض للخطأ فلا أحد معصوم عنه، ومثلما أحتاج إلى أن يسامحني المقرّبون مني في حال أخطأت ويعطوني فرصة ثانية، سأكون مستعدّة أن أعطيهم فرصة ثانية وثالثة ورابعة، أما إذا أحسست بأنّني صرت موضع استغلال فسأضع حداً نهائياً للعلاقة».
موضوع نسبي
أما جومانا وهي طالبة جامعيّة (24 عاماً) فلم تتعرّض لأيّ موقف من هذا النوع ولكنّها تعتبر أنّ الأمر نسبي ويختلف التعامل معه باختلاف درجة علاقتها بالشخص ومدى قربها منه وتعلّقها به. تقول: «هناك أمور يمكن التغاضي عنها وإعطاء من يقوم بها فرصة ثانية، كالخلافات الكلاميّة بين الإخوة أو الأصدقاء، أو المشاكل في العمل، لكنّ الأمر يختلف حين نصل إلى العلاقة بالشريك، إذ إنّ الثقة ضروريّة جداً وهي حين تهتز يصعب إرجاعها».
تأجيل الحكم لما بعد زوال الانفعال
حول هذا الموضوع، تقول الاختصاصيّة في علم الاجتماع ليلى شعيب إنّ كل إنسان يستحق فرصة ثانية. «الحياة مليئة بالاحتمالات والتعقيدات، لذلك علينا أن نتمسّك بمن نحب ونعطيهم فرصة التعويض عن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبوها في حقّنا. كما أنّ الإنسان عرضة للانفعال وهو يقول كلاماً قاسياً وجارحاً لا يقصده، فيعود عنه بعد أن يرجع إلى رشده ويعتذر، وعلينا أن نكون منفتحين ونتقبّل اعتذاره ونضع في الاعتبار الحالة النفسيّة التي كان عليها».
أما إذا كان الخطأ كبيراً ويمس صميم العلاقة أو يعني حصول شرخ كبير في الثقة، فإنّ ردة الفعل عليه تختلف بحسب شخصيّتك: «القرار النهائي يعود لك في تقدير حجم الضرر الذي حصل، إذ لا يمكن لأحد أن ينصحك أو يؤثّر فيك، وحتى لو استمعت لنصائح المقرّبين فإنّك بعد فترة ستشعرين بأنّك غير مرتاحة وستقومين بما أنت مقتنعة به. المهم قبل كلّ شيء أن ترضي نفسك وضميرك وتتأكّدي من أنّك لم تظلمي الشخص المقابل».
حسنات التسامح
ترى الاختصاصيّة أنّ التسامح يعطي الإنسان شعوراً رائعاً ويزيد من قدرته على الحب والعطاء، «لكن هذا لا يعني أن نترك حقّنا ونبالغ في تمرير الأخطاء لمن يسيء إلينا، فهناك حدود لكلّ شيء، لذلك لا تجعلي الآخر -مهما بلغت درجة حبّك له- يحسّ بأن إعطاءه الفرصة الثانية هو حق مكتسب، وأنّ بإمكانه القيام بما يشاء والاعتذار بعد ذلك فتنسين وتسامحينه وكأنّ شيئاً لم يكن. اعطيه فرصة لأنّه يستحق وبالتالي سيقدّر عملك ويعي أنّ عليه عدم معاودة ارتكاب الأخطاء بحقّك».
يستحق فرصة ثانية
1 – من أثبت في مواقف سابقة أنّه على قدر ثقتك، ووقف معك في أوقات الشدائد كما في أيام الفرح، وسامحك مراراً حين أخطأت بحقّه.
2 – من سيكون رحيله عن حياتك صعباً جداً ومؤلماً وسيسبّب ضياعاً وحزناً ويخرّب نظامك الحالي ومشاريعك المقبلة.
3 – أفراد أسرتك، أي الأب والأم والإخوة والأخوات والأولاد، ومن تجمعك بهم صلة قرابة، فالله سبحانه وتعالى أوصى في كتابه الشريف بالأهل والأقارب، وبالتالي فإنّ عليك منحهم فرصة ثانية.
4 – الأشخاص الذين لم تتأكّدي من ارتكابهم خطأ في حقّك، واعتمدت في حكمك عليهم على كلام وصلك من آخرين، وهذا أمر شديد الخطورة إذ عليك دائماً الاستماع إلى ما سيقوله الآخر قبل إدانته فربما يقنعك بأنّه لم يقصد سوءاً.
5 – من أخطأ مرة واحدة.