ميادة أبو خزام-بيروت
غالباً ما تكون العلاقات بين الشقيقات معقّدة ومتناقضة، بين الحنان والتنافس، بين الدعم والغيرة… ما سبب ذلك؟ يعتقد اختصاصيو علم النفس أنّ السبب يعود إلى تشارك الشقيقات الطفولة نفسها والوالد نفسه. في ما يلي شهادات حيّة لبعض الشابات، بالإضافة إلى تفسيرات الطب النفسي حول طبيعة العلاقات بين الشقيقات.
تقطع الشقيقات في مراحل عديدة ودقيقة في حياتهنّ ليصلن إلى مرحلة البلوغ، ومن ثمّ يختبرن تجربة الزواج وتكوين العائلة. فهل ينفصلن؟ أم تتوطّد علاقتهنّ؟ أم تنشأ بينهنّ مشاعر الغيرة والغضب والكره؟
علاقة وطيدة
تصرّح الطالبة الجامعيّة سارة (25 عاماً) أنّ شقيقتها هي أقرب شخص إليها في الدنيا، فهما تتشاركان الأفراح والأتراح وترويان مشاكلهما وسعاداتهما. تقول سارة: «صديقاتي كثيرات، لكنّ شقيقتي أقرب إليّ منهنّ، إذ إنّها تفهم ما أريد أن أقوله أو ما أشعر به بمجرّد النظر إليّ». وتروي سارة أنّهما تشاركا الحياة نفسها ومرّا بالمصاعب نفسها، لأنّ والدتهما توفّيت عندما كانتا في الخامسة والسادسة من العمر، أمّا والدهما، فتولّى تربيتهما رغم حزنه الشديد. تقول سارة: « صنعنا لكلينا عالماً خاصاً يصعب الخروج منه، كما يصعب على الآخرين أن يدخلوا إليه».
بحسب رأي علم النفس، بَنت سارة عالمها الخاص الذي يُشعرها بالاطمئنان والأمان، غير أنّ هذا العالم يُبعدها عن الواقع. لذا، عليها أن تجد الطريقة الأفضل لكي تخرج من عالمها الخاص وتبني علاقات متينة مع بعض الصديقات مع الحفاظ على علاقتها بشقيقتها. وهنا تكمن الصعوبة!
علاقة تشوبها الغيرة
تعمل غادة (33 عاماً) كسكرتيرة طبيّة وتعترف بأنّها تشعر بالغيرة من شقيقتها الصغرى وتقول: «نعم، إنّها الحقيقة. أشعر بالغيرة الشديدة تجاه شقيقتي الصغرى. سألت والديّ ذات يوم عن كيفيّة تصرّفي عندما وُلدت شقيقتي، فقالا لي إنّني كنت سعيدة جداً! فلماذا تغيّرت؟ اليوم، أصبحت عدائيّة في تصرّفي معها حتّى أنّني أشعر بالخطر عندما تكون برفقتي».
وتصرّح غادة أنّ شقيقتها تفوقها جمالاً وتفاؤلاً وإشراقاً. كما أنّها تعيش حياة زوجيّة سعيدة وحياة مهنيّة ناجحة وتضيف: «إنّها أفضل مني على كل الأصعدة. وبالتأكيد، شقيقتي محبوبة من الناس أكثر مني. وهذا ما يثير غضبي. وكلّما حاولت الاقتراب مني، زادت عدائيّتي معها أكثر. وبالرغم من كلّ شيء، أحبّ شقيقتي كثيراً!».
في الواقع، يتّضح جلياً أنّ غادة لا تحبّ نفسها، وهي تركّز عقدتها تلك على شقيقتها لأنّها تعتقد بأنّها النسخة الثانية منها. إذاً، ينصح علم النفس غادة بأن تعالج مشكلتها مع نفسها ومع شكلها الخارجي وصورتها التي تكوّنها عن ذاتها. يمكنها أيضاً أن تتحدّث بالموضوع أمام والديها، فقد يساعدانها بطريقة أو بأخرى لتتخطّى مشكلة الغيرة وتحوّلها إلى إعجاب وشعور إيجابي.
علاقة سيّئة
تشعر ماجدة (30 عاماً) بأنّ شقيقتها شخص غريب بالنسبة إليها. تقول: «أشعر بالانزعاج حيال المجتمع الذي يملي علينا أعرافاً وتقاليد غريبة! إذ علينا أن نحبّ أفراد عائلتنا بحجة صلة الدم والتربية… ولكنّني لا أوافق على ذلك».
تختلف ماجدة كثيراً عن شقيقتها، فهما تريان الأمور من منظارين مختلفين تماماً، كما أنّهما لا تنظران إلى الحياة بالطريقة نفسها. فشقيقتها متزوّجة ولها 3 أولاد وتعمل في مصرف، أمّا ماجدة، فما زالت عزباء وتكرّس وقتها لعملها كمنسّقة في المجال الاجتماعي.
تضيف ماجدة: «أشعر بأنّها غريبة، فعندما أصادفها، لا أجد أي موضوع مهم لنحدّث فيه، هي تسألني عن عملي وأنا أطمئنّ على أولادها. في الواقع، لا أكره شقيقتي لكنّني أشعر بلامبالاة تجاهها. فهي تشبه والديّ كثيراً في تفكيرهما التقليدي، وأنا أحبّ الاستقلاليّة وعدم الرضوخ لأي قواعد وقيود».
أمّا رأي علم النفس، فيرتكز على فكرة أنّ الشقيقتين متعارضتان بالفعل ولكنّهما ليستا غريبتين كما تقول ماجدة. إذاً، يجب أن تتقبّل الواقع لكي تتقرّب من شقيقتها. فعندما تنكر شقيقتها، هذا يعني أنّها تنكر أصلها. بالطبع، ما من قاعدة تجبرها على حبّ أفراد عائلتها، لكنّ الابتعاد عنهم لن يساعدها على التقدّم.
علاقة يسيطر عليها الحقد
بعدما تخاصمت نسرين،(36 عاماً) مع شقيقتها، لم تعد تلتقي بها أو تتّصل بها أبداً. وتعلّق قائلة: «كانت علاقتنا متينة وجميلة، إذ كانت أفكارنا متقاربة: نحبّ الموسيقى نفسها ونشاهد الأفلام نفسها، حتّى أنّنا نُعجب بالشباب نفسهم، ولم يكن ذلك يشكّل لنا أي عوائق أو مشاكل. لكن ذات يوم، قمت بشراء الفستان نفسه الذي اشترته شقيقتي، فبدأت تشتمني وقالت لي إنّني عبء عليها وإنّها لم تعد تحتمل علاقتنا تلك، فهي تريد أن تعيش حياة مستقلّة. ومنذ ذلك الحين، لم تعد تتّصل بي ولا أعرف عنها شيئاً». وتصرّح نسرين بأنّها مشتاقة إلى شقيقتها ولكنّها ليست مستعدّة لأن تغفر لها.
يعتبر اختصاصيو علم النفس أنّ سرعة الغضب توقع صاحبها في الفخ وتهزّ العلاقات بين الناس، لا سيما المقرّبين والأصدقاء. بالإضافة إلى ذلك، كلّ إنسان يتمتّع بشخصيّة فريدة تميّزه عن غيره، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على مساحة معيّنة من الاستقلاليّة والحريّة. كما أنّ الصراحة بين الشقيقتين ضروريّة جداً لكي لا تصل إحداهما إلى مرحلة الغضب الشديد جرّاء كتمان رأيها لفترة طويلة.
علاقة طبيعيّة
تقول سوسن (28 عاماً): «لو أردت أن أصف علاقتي بشقيقتي جيهان لوددت القول إنّها علاقة طبيعيّة، بل بسيطة. وأعتقد بأنّ الفضل يعود إلى والديّ، إذ إنّهما لم يشعرانا أبداً بالتمييز، وبالتالي، لم نكن نشعر أبداً بالغيرة». وهكذا، تعلّمت الشقيقتان أن تتقاسما كلّ شيء، وفي الوقت نفسه أن تنعما بمساحة حريّة واستقلاليّة كافيتين لتكوين شخصيّتيهما وتوطيد علاقتهما، فلكل منهما مجموعة مختلفة من الأصدقاء وحياة مختلفة. وعلى الرغم من ذلك، ترى سوسن وجيهان أنّهما متقاربتين وغالباً ما تلتقيان لتبادل الأحاديث والمرح. وأحياناً، تتخاصم الشقيقتان وتبتعدان لمدة أسبوع كحد أقصى، وسرعان ما تلتقيان مجدّداً.
بحسب اختصاصيي علم النفس، العلاقة التي تربط بين سوسن وجيهان هي علاقة سليمة وواقعيّة، حيث لا تغار الواحدة من الأخرى، ولا تحاول إحداهما أن تعيش حياة شقيقتها. فلكلّ شخص دوره في الحياة، ولكلّ أمر حدوده.
علاقات أنقذتها الظروف
في بعض الأحيان، يساهم حدث معيّن في مصالحة الشقيقات بعد طول خلاف، وهذا ما حدث لفيفيان، تقول: «لقد كانت الأمومة سبباً رئيسياً لمصالحتنا، إذ اقتربنا من بعضنا كثيراً بعدما وُلد طفلانا في الوقت نفسه، فأصبحنا نتشارك التجارب والهموم نفسها. كما أنّنا غالباً ما نلتقي لكي نعزّز علاقات القربة بين أولادنا».
وفي شهادة أخرى، تعلّق دانيا قائلة: «تصغرني شقيقتي بخمس عشرة سنة، وقد تزوّجتُ عندما كانت في الثامنة من عمرها. وبدأت أكتشف علاقتي الوطيدة بها عندما تزوّجت بدورها وأنجبت أولاداً، فتجربة الأمومة التي عاشتها جعلتني أنظر إليها كشابة راشدة». وتضيف دانيا أنّها مرّت بمرحلة صعبة جداً، ولم تجد أكثرمن شقيقتها لكي تشرح لها ما تشعر به، وقد دعمتها هذه الأخيرة كثيراً.
ومن الأحداث الأخرى التي تساهم في تعزيز العلاقات بين الشقيقات، موت أحد الوالدين. تقول رنا حول هذا الموضوع: «عندما توفي والداي، أدركت أنّ شقيقتي هي الشخص الوحيد الذي يشاركني ألمي ويفهم تماماً ما أشعر به. واليوم، يمكنني أن أقول إنّ علاقتي بشقيقتي جيدة جداً».
رأي علم النفس
تمرّ الشقيقات بمصاعب عديدة وبتطوّرات كثيرة في علاقتهنّ، وبحسب اختصاصيي علم النفس، يجب عليهنّ أن يتخطّين «عقدة أوديب». وهذا يعني ضرورة معرفة مشاركة الأب والأم، ومن ثمّ تعلّم الاستقلاليّة لاحقاً، في مرحلة النضوج، وتكمن في التخلّي عن مرحلة الطفولة والانتقال إلى مرحلة جديدة تنظر فيها كلّ منهنّ نحو حب جديد وعلاقات مختلفة. ومن أجل ذلك، يجب أن تستعدّ الشقيقات لأي مشاكل أو جدال قد يحدث بينهنّ. ويتوصّل العديد منهنّ إلى الفصل ما بين مرحلتَي الطفولة والبلوغ، حيث اكتشفن أنوثتهنّ لأنّهن تنافسن على أمور عدّة ومن ثمّ وصلن إلى مرحلة النضوج. وتعني مرحلة النضوج أنّ الشقيقات أصبحن مستعدّات لحياة سعيدة.