دينا زين الدين-بيروت
من المعتاد سماع أمّ تشكو من فوضويّة ابنها وعدم ترتيبه أو اهتمامه بأغراضه، لكن أن تشكو امرأة من الزوج الفوضوي فهذا يعني أنّها وصلت إلى نقطة اللاعودة وأنّها لم تعد تحتمل، ويعني أيضاً أنّ حجم الأعباء الملقاة على عاتقها يخنقها فتحسّ بأنّها مسؤولة عن طفل كبير في بيتها، وللأسف… ما هو إلا زوجها! الفوضى ليست حالة طبيعيّة، بل هي كسر لنظام الحياة ولما يجب أن يكون سائداً، وهي تسبّب للشخص الفوضوي ولمن حوله الكثير من المشاكل وتعيقه عن التقدّم والتطوّر.
الفوضى تجري في دمه
تقول السيدة رانيا (29 عاماً): «خلال فترة الخطوبة شعرت بأنّه فوضوي ولكنّني فكّرت أنّه من الضروري أن يكون مختلفاً عني لكي نكمّل بعضنا، فأنا شديدة التنظيم ولا بدّ أن أؤثّر عليه وأغيّر من عاداته، ولكنّني فشلت في ذلك».
تضيف السيدة العشرينيّة: «وكأنّ الفوضى تجري في دمه، فمنذ لحظة دخوله إلى المنزل، ينشر أغراضه في أرجاء البيت، يرمي الحذاء في غرفة الجلوس وتطير ملابسه في زوايا غرفة النوم، ناهيك عن مكتبه الذي أرتّبه صباحاً ليأتي في المساء وينسف ما قمت به».
حاولت رانيا لفت نظر زوجها مراراً ولكنّها لم تنجح، فهو لا يرى في الأمر عيباً، وحاله هذه تشبه حال كثيرين لا يعتبرون أنّ الفوضى صفة يمكن أن تخلق مشاكل حقيقيّة بين الزوجين، كأن يكون الرجل بخيلاً أو مخادعاً أو خائناً.
من السيارة إلى المنزل… فالعمل
لكن حين تطال الفوضى مختلف نواحي حياة الرجل، فإنّها تؤثّر على استمرار علاقته بزوجته، ناهيك عن أنّها تسبّب له المشاكل في حياته المهنيّة. في هذا الإطار، تقول السيدة سوزان (36 عاماً): «زوجي لا يستطيع التواجد في مكان مرتّب، يحب الفوضى وينشرها أينما ذهب، لا يسمح لي أن أنظّم أوراقه ولا يرتّبها بنفسه ويحوّل حياتنا إلى جحيم حين يضيع له شيء، وقد عانى من مشاكل كبيرة في عمله بسبب فوضويّته وعدم التزامه بالمواعيد. هذا الموضوع يدمّر علاقتنا ولا أجد له حلاً، فكل خلافاتنا تتمحور حوله ويعدني دائماً بأنّه سيتغيّر ولا ينفّذ وعوده».
البيت المقلوب
أما السيدة رباب (42 عاماً)، فلا تستطيع الغياب عن منزلها ولو لبضعة أيام لأنّها حين تعود تجده وقد قُلب رأساً على عقب. تقول: «اضطررت مرة أن أمضي عشرة أيام في منزل أهلي بسبب مرض والدتي وحين عدت لم أعرف شكل بيتي. أمضيت يومين كاملين في إعادة الأغراض إلى أماكنها، لم تسلم أي غرفة من التخريب وكأنّ إعصاراً ضرب المكان، وأنا بطبعي لا أطيق الفوضى ولكنّني أحب زوجي ولن أملّ من إمكان تغييره وتخليصه من هذا الطبع».
الأم هي السبب؟!
حول هذا الموضوع، تقول الاختصاصيّة في علم الاجتماع ليلى شعيب إنّ الرجال يميلون لأن يكونوا فوضويين أكثر من النساء لأسباب كثيرة أهمها التربية، وتشرح بالقول: «يميل الأهل إلى الإفراط في دلال الصبيان من دون قصد ربما، ويؤدي هذا الأمر إلى إكسابهم هذه العادة السيّئة، ومثال على ذلك هو أنّ معظم الأمهات لا يطلبن من أولادهنّ ترتيب سريرهم أو طي ثيابهم فيخرّبون غرفتهم وتأتي الأم بكل رحابة صدر لترتّبها، بعكس الفتاة التي تعوّدها والدتها منذ صغرها على النظام والترتيب والاهتمام بالتفاصيل».
صفة مكتسبة
من هذا المنطلق، تبدو الفوضويّة صفة أو عادة مكتسبة وليست فطريّة، أي أنّها لا تبدأ مع الولادة بل تتراكم لدى الشخص مع العمر، هذا لا يعني بحسب الاختصاصيّة أنّ كل الرجال الذين عاشوا دلالاً في صغرهم باتوا فوضويين مستقبلاً، لكنّ الدلال الزائد يساهم في زيادة احتمال أن يصيروا كذلك،«الشخص الفوضوي يعرف جيداً أنّ هناك من سيتحمّل نتيجة ما أحدثه من فوضى وسيعيد الأمور إلى نظامها الطبيعي ولذلك يبالغ في اتكاله. إنّ الرجال الفوضويين الذي يسافرون ويعتادون العيش بمفردهم تتغيّر عادتهم ويضطرون إلى الاعتماد على أنفسهم في ترتيب حاجياتهم وإرساء نظام معيّن لحياتهم، بينما الرجال الفوضويون الذين ينتقلون من حضن الوالدة ودلالها إلى حضن الزوجة يبقون على عادتهم القديمة وينقلون الحمل من كاهل الأمّ إلى كاهل الزوجة».
تبعات على المقرّبين
تشير الاختصاصيّة الاجتماعيّة إلى أنّ مظاهر الفوضى لا تتجلّى فقط في عدم الترتيب داخل المنزل أو المكتب أو السيارة، أي أنّها يمكن أن تتخطّى الأمور الحياتيّة والماديّة، وتصل إلى غياب الاتساق والانسجام والتنظيم في أفكار الشخص الفوضوي وطموحاته وأهدافه، فهو غير قادر على وضع سياق واحد لحياته ومواعيده غير ثابتة ما يؤثّر على علاقته بالناس، ومن الطبيعي أن تقع تبعات تصرّفاته السيّئة بالدرجة الأولى على المقرّبين منه ولا سيما زوجته وأولاده.
فوضوي= اتكالي
تشرح الاختصاصيّة: «يتضايق الأولاد من فوضويّة والدهم واتكاله على والدتهم، ويمكن أن يتماهوا معه فيميلون إلى الفوضويّة أيضاً، وعلى الزوجة أن تحسن التصرّف وتعوّدهم منذ الصغر على الترتيب والتنظيم والاعتماد على أنفسهم في تسيير أمورهم. يتوجّب عليها بالتالي عدم التعامل بقسوة مع والدهم أمامهم وإبعادهم قدر المستطاع عن النقاشات التي تحصل بسبب هذا الموضوع».
نصائح للزوجة
1 لا تظني أنّ حالة زوجك استثنائيّة، لأنّك ستتفاجئين حين تعلمين أنّ معظم الرجال فوضويون وإن بدرجات متفاوتة، فحاولي أن توجّهي زوجك بهدوء وتعوّديه على الترتيب.
2 ازدادت فوضويّته لأنّك عوّدته على الاتكال عليك، فحمّليه المزيد من المسؤوليات والأعمال وذكّريه دائماً بوجوب أدائها وكافئيه حين يقوم بذلك.
3 لا تحوّلي ميلك إلى الترتيب والنظام إلى وسواس واتركي الفوضى تعم في بعض الأحيان، فالعيب قد يكون منك أنت وليس منه.
4 غيّري أسلوبك في التعامل معه، ولا تكوني لجوجة لأنّه بذلك سينغلق على نفسه ولن تتمكّني حينها من الوصول إليه والحصول على ما تريدينه منه.
5 لا تعايريه بداً بالأمر وتكرّري له أمام الأقارب أو المعارف أنّه فوضوي واتكالي، فبذلك ستخسرين ثقته وحبّه ولن تحقّقي أي نتيجة.
6 تخيّلي: زوج منظّم لا يسمح لك بتحريك شيء من مكانه، كل شيء عنده ومعه بحساب. هل ستتحمّلين؟
7 كوني فوضويّة أحياناً واتركي الأمور حولك على عشوائيّتها.