أخبار

العفو عند المقدرة من شيمك

سبتمبر 4, 2013
إعداد: Nathalie Bontems

دينا زين الدين-بيروت
ثبت أنّ المسامحة تحسّن الصحّة النفسيّة والجسديّة لأنّ مشاعر الغضب والحقد تضاعف التوتّر العصبي الذي بدوره يؤدي إلى أمراض خطرة. تطرّق كتاب صدر مطلع العام الجاري لـMichael Barry، مسؤول الشؤون الدينيّة في أحد مستشفيات علاج السرطان في الولايات المتحدة، بعنوان «The Forgiveness Project» إلى هذا الأمر، فأكّد أنّ المسامحة هي الطريق للتغلّب على مرض السرطان والحفاظ على صحّة جيدة والوصول إلى السعادة والراحة.

دليل مؤرّخ
يقول Barry بعد استقراء تجاربه مع المرضى، إنّ فقدان القدرة على المسامحة، ظاهرة مرضيّة قد تؤثّر سلباً على الصحّة، لا سيما إذا كان المرء مصاباً بأحد الأمراض المزمنة. ويضيف إنّ التوتّر العصبي يضرّ بالجهاز الهضمي ويؤثّر على الأوعية الدمويّة والشرايين ويضعف نظام المناعة في الجسم. يخلص الكاتب الأميركي إلى أنّ المسامحة تعطي فرصة للتخلّص من الأعباء النفسيّة التي تثقل كاهل معظم الناس، ما يحميهم من الإصابة بالعديد من الأمراض الجسديّة.
وبعيداً عن الاعتبارات الصحيّة، نفسيّة كانت أو جسديّة، فإنّ المسامحة من القيم التي تدعو إليها الديانات السماويّة لأنّها تضاعف ميولنا نحو الخير والعدل وتقويّ إرادتنا ومشاعرنا الإيجابيّة، فتحمينا من الانزلاق وراء التفكير بالانتقام الذي يستنزف طاقات جمّة يمكن توجيهها نحو مواضيع أكثر منفعة.

ثلاث فرص
لكنّ القدرة على المسامحة ليست أمراً سهلاً، فهي تتطلّب تجاوز إساءات سبّبت الكثير من الجروح والآلام. فهل أنت قادرة على الغفران؟ وهل واجهت مواقف تطلّبت منك مسامحة من أساء إليك؟
تقول هبة (25 عاماً): «من الطبيعي أن نواجه إساءات متعمّدة أو غير متعمّدة من المحيطين بنا، ونتعلّم أن نسامح ونتخطّى الإساءة لأنّ الحياة تتطلّب تقديم بعض التنازلات، بمعنى آخر أن نكون ديبلوماسيين وألا نقطع علاقاتنا مع الناس لمجرّد ارتكابهم خطأ بحقّنا، لكن إذا تكرّرت الأخطاء حينها تتزعزع الثقة. بالنسبة إليّ، أعطي من حولي ثلاث فرص وإن تكرّر الخطأ بحقي أقطع العلاقة».

راحة نفسيّة
من جهتها، ترى نايا (31 عاماً) أنّ عدم مسامحة الإساءة لا يؤذي الشخص الذي ارتكب الخطأ بحقّنا، بل إنّ ما يحصل هو العكس. تقول: «نحن نؤذي أنفسنا ونؤثّر على راحتنا النفسيّة، فمن أذانا سيكمل حياته، بينما سنراكم مشاعر الغضب والألم والحقد في داخلنا، وسنعيش عدم استقرار وتوتّر دائم نحن في غنى عنه، لأنّنا ببساطة لا نستطيع تغيير ما حصل».
تضيف الشابة الثلاثينيّة: «أنا أسامح ولكنّني لا أنسى، ما يعني أنّني أقطع علاقتي بمن أذاني ولا أعطيه ثقتي من جديد، وآخذ درساً مما حصل فأصير أكثر حرصاً في علاقاتي مع من حولي مستقبلاً، لكنّني لا أفقد أبداً إيماني بالناس وبمعدنهم الصالح، فالسيّئون هم الاستثناء وليسوا القاعدة».
أما السيدة فرح (40 عاماً)، فتجد أنّ القدرة على المسامحة تختلف باختلاف الموقف والشخص الذي قام بالإساءة. تقول: «لن أسامح زوجي إذا خانني ولكنّني أسامحه دائماً بعد مشاحناتنا اليوميّة. هذا مثال بسيط ولكنّه يختصر نظرتي إلى الموضوع، فحين تكون الأخطاء بسيطة يمكن التغاضي عنها، ومثلما يسامحني مَن حولي على أخطائي بحقهم، عليّ أن أجد في نفسي القدرة على مسامحتهم».

الاستماع أولاً
تكمل السيدة الأربعينيّة: «أستمع إلى من أساء إليّ قبل الحكم عليه، فقد تكون الأسباب التي دفعته إلى الخطأ في حقي مقنعة وقويّة، وقد نكتشف أنّ ما حصل مجرّد سوء تفاهم. لا أغلق باب الحوار وحتى في حال تأكّد لي أنّه مذنب، لا أحقد بل أكمل حياتي».
على المقلب الآخر، كثيرات لا يستطعن مسامحة من غدر أو خان. تقول إيمان: «الجرح لا يؤلم إلا صاحبه، ومن تعرّض لطعنة من شخص قريب لا يمكن أن يتغاضى عن الإساءة، وقد طعنت من أقرب الناس إليّ وهو زوجي الذي كان يخونني، في الوقت الذي كان كل من حولنا يحسدنا على قوّة علاقتنا».

حكم قاطع
تضيف السيدة إيمان: «لم أشعر بما يحصل، فقد خدعني بتأكيده المستمر لي أنّني محور حياته، وكانت صدمتي كبيرة جداً حين علمت بأمر خيانته. لم أستطع مسامحته وما زلت أحقد عليه لأنّه جرحني وقابل محبّتي وثقتي بالغدر والخداع».
عدم القدرة على المسامحة، يعني أنّنا لم نتخطّ ما حدث ولا نزال نبكي على التجربة المؤلمة، ولا ضير من الحزن والألم في الفترة الأولى التي تلي الصدمة، لكن يجب لملمة شتات النفس والسير إلى الأمام بدل البقاء في الماضي. ولكي نمضي قدماً، يجب أن نسامح لأنّنا بذلك نتخلّص من المشاعر السلبيّة ونفتح صفحة جديدة.

«أسامحك ولست حاقدة عليك»
حول هذا الموضوع، تقول الاختصاصيّة في علم النفس نور حرب إنّه من الضروري لمن تريد أن تصفح فعلاً أن تقول للشخص الذي تسبّب بأذيّتها: «أنا أسامحك ولست حاقدة عليك» بطريقة مباشرة، كأن توجّه له الحديث أو ترسل له رسالة، أو بطريقة غير مباشرة كأن تكتب ما يزعجها في رسالة إلى الشخص الذي أذاها وترفقها بكلمة: «أسامحك» لكي ترتاح وتتخلّص من الشعور بأنّها مظلومة وبأنّ حياتها دمّرت.

مضيَعة وقت
تلفت الاختصاصيّة إلى نقطة قد لا تنتبه لها كثيرات، وهي أنّ من تسبّب بالجرح نسيه بعد فترة على الأرجح، ويمكن أنّه قد اعتذر منك ولكنّك صددته مصرّة على موقفك السلبي، فابتعد عن دربك وأكمل حياته، «أما أنت، فما زلت تقضين وقتك بالتفكير فيه وبكيفيّة الانتقام منه وإيذائه. وبالتالي تستنزفين طاقاتك الفكريّة والنفسيّة في اتجاه واحد لن ينفعك، وتحرمين نفسك من المرور بتجارب جديدة قد تعوّض لك الإساءة وتحمل لك خيراً وفرحاً لم تتصوّريه».

نعمة النسيان
ترى الاختصاصيّة أنّ الزمن كفيل بتليين القلوب، «الوقت كفيل بأن يخفّف حدّة مشاعرك وانفعالاتك، فتتغيّر مقاربتك للتجربة التي أذتك ويصبح نسيانها وتخطّيها ومسامحة من قام بها أكثر سهولة. لكن لا تطيلي هذه الفترة كي لا تخسري فرصاً لا تعوّض، بل سامحي واقبلي الاعتذار في حال كان صادقاً، وامضي في الحياة وأنت على ثقة بأنّ ما سيجلبه الغد أفضل ممّا عشته أمس وتعيشينه اليوم».

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية