يُعدّ الصداع النصفي أحد أكثر الأمراض شيوعاً في العالم، وما إن يسيطر على الرأس حتّى يتسبّب بآلام مزعجة تفقدنا القدرة على التركيز ومتابعة أعمالنا… فما هو الصداع النصفي، وما هي أسبابه؟ كيف يمكن معالجته؟ ما هي السبل التي تجنّبنا الإصابة به؟
ما هو الصداع النصفي؟
الصداع النصفي أو ما يُعرف بـ«الشقيقة» هو ألم حادّ يصيب الرأس بشكل جزئي أو نصفي. يُعدّ هذا النوع من الصداع شائعاً، إذ يعاني منه حوالى 25% من النساء و8% من الرجال حول العالم. ورغم أنّ الصداع النصفي يصيب الناس على اختلاف أعمارهم، إلّا أنّه غالباً ما يباغت الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والستين عاماً. يظهر اليوم نوعان بارزان من الصداع النصفي، أوّلهما يُعرف بالصداع النصفي العادي الذي يسيطر على أحد جانبَي الرأس مع بداية نوبة الصداع، ليمتدّ بعد ذلك ويطبق على الرأس بأكمله، فيشعر المريض في جمجمته بوخزات مؤلمة منتظمة شبيهة إلى حدّ ما بنبضات القلب. أمّا النوع الثاني، فهو الصداع النصفي الذي يكون مصحوباً بعوارض جانبيّة جسديّة ونفسيّة شأن التوتّر العصبي، الإحساس بالوهن والخمول في الجسم،إلّا أنّ هذه العوارض سرعان ما تتلاشى ما إن يشتدّ الصداع.
أسباب بالصداع
تُجمع الدراسات العلميّة التي أُجريت مؤخّراً في إحدى الجامعات الألمانيّة أنّ أمراض الصداع هي الأمراض الأكثر انتشاراً بين الشباب، إذ إنّ الصداع غالباً ما يصيب صاحبه من دون سابق إنذار أو من دون وجود أيّ أسباب واضحة. يعتقد الأطباء أنّ أسباب الصداع قد تكون عضويّة، فينتج أحياناً نتيجة الإصابة بمرض ما أو المعاناة من مشكلة صحيّة معيّنة شأن ارتفاع ضغط الدم ومعدّلات السكّر، بالإضافة إلى الاضطرابات التي قد تصيب العين من التهاب الملتحمة إلى قصر النظر والتهاب أعصاب العين، فضلاً عن التهاب الأذن الوسطى أو التهاب الجيوب الأنفيّة ومشاكل الأسنان
والحمى والزكام والإنفلونزا. لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثمّة مؤشّرات أخرى قد تنذر بالإصابة بنوبة صداع وشيكة، كالانزعاج من الضوء، الصعوبة في التركيز، شحوب الوجه. كما قد تساعد بعض العوامل الأخرى على الشعور بالصداع النصفي، كالتعرّض للإجهاد الجسدي والنفسي، الإكثار من تناول بعض الأطعمة مثل الشوكولاته والبيض والتوابل، مع التذكير بأنّ الدورة الشهريّة وفترة الإباضة تساهمان في تحفيز الصداع النصفي لدى معظم النساء.
أمّا عندما نتحدّث عن أسباب غير عضويّة، فنعني بذلك أنّ الصداع النصفي قد ينجم أحياناً عن اضطرابات نفسيّة وعاطفيّة أو حتّى عن تغيير بعض أنماط الحياة اليوميّة، كتغيير مواعيد النوم، العمل المضني والتواجد في أماكن مزدحمة تعمّها الضوضاء واشتمام الروائح القويّة. ولا ينفي بعض الأطباء احتمال أن يكون سببه وراثياً في بعض الحالات.
الغذاء مسبّب رئيسي للصداع
على المرء الانتباه دوماً إلى أنواع الأطعمة التي يتناولها، فرغم أنّ استجابة الناس للأطعمة والمواد الغذائيّة تختلف من شخص إلى آخر، إلّا أنّ بعض مراكز التغذية المختصّة تؤكّد أنّ هناك أنواعاً خاصّة من المواد الغذائيّة التي غالباً ما تتسبّب بالتحسّس والصداع، أهمّها:
– الثيامين الذي يتسبّب بتوسيع الأوعية الدمويّة في الرأس وبالتالي إلى اندفاع الدم بقوّة، ما يؤدّي إلى الصداع النصفي. ومن الأطعمة التي قد تحتوي على كمّيات عالية من الثيامين، نذكر منتجات فول الصويا المخمّرة مثل صلصة الصويا، بالإضافة إلى بعض أنواع الجبنة المخمّرة والأفوكادو.
– الفينيلانين، وهي مادة كيميائيّة من عائلة الأمفيتامين، يحتاج الجسم إليها بكميّات صغيرة، ومتى ما زادت الكمّية التي يتزوّد بها الجسم من هذه المادة زاد احتمال الإصابة بصداع نصفي، ومن أهمّ الأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من الفينيلانين نذكر الشوكولاته والكاكاو.
– الملح الذي قد يكون أحد أسباب الإصابة بالصداع، إذ إنّ الإكثار من تناول الملح يزيد من قدرة الجسم على تخزين الماء، ما قد يؤدّي إلى ارتفاع ضغط الدم، وبالتالي إلى الشعور بصداع نصفي.
– التارتازين، وهو عبارة عن مادّة صبغيّة صفراء اللون تُستخدم لصبغ بعض المواد الغذائيّة. من الأطعمة التي تحتوي على التارتازين، نذكر الحلويات والمشروبات الغازيّة، البودينغ سريع الذوبان، المعجّنات، رقائق البطاطا والذرة.
– يُذكر أنّ الانخفاض المفاجئ في معدّل السكّر في الدم قد يكون سبباً مباشراً للإصابة بالصداع النصفي. يمكن تجنّب هذه المشكلة عن طريق تناول الوجبات المنتظمة، وتجنّب تناول السكّريات التي تسبّب في بادئ الأمر ارتفاعاً كبيراً في مستويات السكر في الدم، قبل أن يليه انخفاض حادّ في مستويات السكر.
عادات تجنّبك الإصابة بالصداع النصفي
– الحصول على قسط كاف من النوم: إنّ قلّة النوم تتسبّب بالصداع، ويحتاج معظم البالغين إلى النوم ما بين 7 إلى 9 ساعات في كلّ ليلة، لذا يؤدّي الأرق لمدّة ليلة أو ليلتين متواصلتين إلى حدوث الصداع. لذلك، احرصي دوماً على الخلود إلى النوم في الوقت نفسه والاستيقاظ أيضاً في الوقت ذاته يومياً، وتجنّبي شرب الكافيين قبل ساعات من الخلود إلى النوم. كما يُفضل تجنّب العمل لوقت متأخّر، السهر لساعات متأخّرة من الليل، النوم لوقت طويل خلال النهار، لأنّ ذلك يسبّب خللاً في الإيقاع الطبيعي للنوم وفي ساعة الجسم البيولوجيّة، وبالتالي إلى صعوبة في الحصول على الراحة التامة.
– الراحة النفسيّة: إنّ القلق جزء لا يتجزّأ من حياتنا وقد نشعر به من وقت إلى آخر، لكنّ التوتّر الزائد قد يتسبّب بالصداع أيضاً. فعند التوتّر، تكون عضلات الرأس والرقبة مشدودة بشكل لاإرادي، ما يسبّب الصداع. لذا، حاولي دوماً الاسترخاء عن طريق القيام بحركات التمدّد، والحفاظ على عضلات الرقبة مسترخية. لا تتردّدي في ممارسة النشاطات التي تُشعرك بالراحة مثل تمارين التنفّس العميق، وحاولي البدء ببرنامج من تمارين اليوغا والتأمّل التي تساعدك من دون أدنى شك على التخلّص من التوتّر.
– الحساسيّة المسبّبة للصداع: غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون بحساسيّة الجيوب الأنفيّة من الصداع بسبب الاحتقان الناتج عن تورّم الجيوب الأنفيّة، ما يسبّب الألم. يمكنك مقاومة الحساسيّة وتجنّب الصداع عن طريق تناول الأدوية التي يصفها لك الطبيب، وتجنّب كلّ ما يصيبك بالحساسيّة كغبار الطلع، تنشّق الدخان قدر الإمكان، ومعالجة التحسّس ما إن تظهر عوارضه الأولى شأن العطس والعينين الدامعتين، لأنّ إهمال مداواة هذه العوارض سيؤدّي إلى احتقان الجيوب الأنفيّة.
– إراحة العينين: قد يُصاب المرء بالصداع أحياناً نتيجة المطالعة لساعات مطوّلة أو مشاهدة التلفاز والعمل أمام شاشة الحاسوب لمدّة طويلة، لأنّ ذلك يتسبّب بإجهاد العينين. كما أنّ الإضاءة الخافتة قد تساهم في إجهاد العينين أيضاً، لذا حاولي تجنّب إرهاق العينين عند القراءة من خلال إراحتهما بإغلاقهما لمدّة دقيقة أو اثنتين، وذلك للسماح لعضلات العينين بالاسترخاء. وإن استمرّ الصداع، احرصي على زيارة طبيب مختصّ لإجراء فحص نظر، فقد تكونين بحاجة إلى نظارات.
– التدليك: ثمّة منطقة في جسمنا مضادّة للصداع النصفي وللإجهاد ونستطيع تحفيزها ذاتياً، إذ يكفي تدليك هذه النقطة، التي تقع في جوف اليد بين الإبهام والسبابة عبر تحريكها بعكس عقارب الساعة.
– تدليك الوريد الصدغي: يساعد تدليك طرفي الرأس وهذا الوريد الذي غالباً ما يتوسّع خلال نوبة الصداع النصفي، في الحصول على راحة موقّتة.
– الضمادات الثلجيّة: يُوصي بعض الأطبّاء بوضع مكعّبات من الثلج على الصدغ. تتوافر في الصيدليات أيضاً عُصابات رأس مُخصّصة لمحاربة الشقيقة تُحفَظ في الثلاجة. يعمل هذا العلاج بفعاليّة على تخفيف توسّع الأوعية.