دينا زين الدين-بيروت
من البديهي أن يعني الانفصال نهاية كل ما جمع بين اثنين، فالوصول إلى هذه المرحلة يتطلّب قناعة تامة باستحالة الاستمرار وانتهاء كل القواسم المشتركة التي بدأت على أساسها العلاقة. لكن في بعض الأحيان تحصل العودة، إذ يجد الطرفان أنّ الرجوع إلى حياة العزوبيّة ليس سهلاً كما تصوّرا، أو أنّهما تسرّعا في اتخاذ قرار الانفصال النهائي، أو يكتشفان ربما أنّ المشاعر والانفعالات التي ساهمت في اتخاذهما لهذا القرار زالت وأنّ الشوق والحب تسلّلا من جديد إلى قلبيهما، فيقرّرا العودة. متى ينجح هذا الأمر، وهل من شروط مطلوبة لإنجاحه؟
حدود المسامحة
تتنوّع الحالة النفسيّة والمعنويّة التي يكون عليها الزوجان بعد الانفصال بحسب الأسباب التي أدّت إليه، فإذا كان السبب الخيانة مثلاً أو الخداع، يكون الجرح الذي تعرّض له الشريك من القسوة والقوّة بحيث يصعب النسيان والمسامحة، فتخف بالتالي احتمالات العودة. أما إذا كان سبب الانفصال خلافاً عابراً حول موضوع معيّن تطوّر بشكل ما بسبب عناد أحد الطرفين أو تدخّل أشخاص أشعلوا شرارة الخلاف أكثر فأكثر، فإنّ إمكانيّة العودة تكون أكبر ولا سيما أنّ الابتعاد يساعد على تصفية ذهنَي الطرفين ليفكّرا بهدوء بالأسباب الحقيقيّة لما حصل ويقرّرا: هل كانت العلاقة تستحق هذه النهاية بسبب ما حصل؟ وغالباً ما يجدان أنّهما تسرّعا وأنّ الآخر يستحق فرصة ثانية، فيعودا إلى بعضهما.
عصبيّة زائدة
في هذا السياق، تقول هند(27 عاماً): «انفصلت عن خطيبي ثلاث مرّات وكنّا نعود بعدها لأنّنا نحب بعضنا ولأنّ مشاعرنا أقوى من أسباب خلافنا. كلّ منا عصبي ومتشبّص برأيه، وكان الحلّ الأسهل دائماً أن ننفصل ولكنّنا بعد مدّة ننسى الغضب ونعود فنتفاهم ونتعاهد على الاستماع إلى بعضنا البعض وعدم التضحية بحبّنا مهما كان السبب. اليوم نحن متزوّجان منذ عامين واستطعنا تخطّي خلافاتنا السابقة، ونتعامل مع المشاكل التي نواجهها برويّة وهدوء كي لا نصل يوماً إلى الطلاق».
المواجهة الصعبة
العودة إلى الحياة الطبيعيّة بعد الطلاق ليست سهلة، فمواجهة المجتمع بصفة مطلّق أو مطلّقة تضع الإنسان تحت ضغوط كثيرة. هو سيكون وحيداً في المناسبات، حين يذهب إلى السينما أو إلى أحد المطاعم، قد يتغيّر منزله وتتبدّل ظروف حياته وعاداته اليوميّة ومشاريعه المستقبليّة، سيواجه أسئلة محرجة وسيكون عليه أن يبدأ ببناء حياته الشخصيّة من الصفر.
حين يتحرّك الحنين
في هذه المرحلة، تبدأ مشاعر الشوق والحنين بالتحرّك داخله، فمهما بلغت حدّة الخلافات، لا بدّ أن تكون هناك أوقات سعيدة جمعت بين الزوجين، وتزداد هذه المشاعر قوّة في حال وجود أطفال، إذ يقرّب هؤلاء بين ذويهما، كما أنّ التفكير في مصلحتهم يجعلهما يتخلّيان عن الكثير من قناعاتهما وقراراتهما.
مصلحة الأولاد
حول هذا الأمر، تقول السيدة فداء (36 عاماً): «لم أتصّور صعوبة الطلاق إلا بعد أن وقع، واكتشفت كم أنا حزينة وكئيبة وغير مقتنعة بالخيار الذي توصّلت إليه، وما ساعدني على اتخاذ قرار العودة هو حالة زوجي، فقد كان ضائعاً وتائهاً مثلي، ولم يكن حال أولادنا أفضل إذ لم يفهموا ما الذي كان يجري وأرادونا أن نرجع معاً وهذا ما حصل. تصافينا وتحدّثنا عن شكل العلاقة المستقبليّة التي نريدها وعدنا إلى بعضنا». تضيف السيدة الثلاثينيّة: «الانفصال زاد من قوّة علاقتنا، فنحن عرفنا مقدار الحبّ الذي في قلبَينا، ولم نعد نسمح للمشاكل الصغيرة بأن تؤثّر علينا».
الابتعاد ضروري أحياناً
يشعر الإنسان بقيمة ما كان يملكه بعد أن يفقده، هذا ما يفكّر فيه العديد ممّن يختارون الانفصال بعد مدّة من حصوله. ربما تكون الخلافات التي أدت إلى هذا القرار كبيرة، لكنّهما حين يصبحان بعيدين عنها، يتمكّنان من التفكير مليّاً بها وربما بإيجاد حلول لها.
من جهة ثانية، فإنّ العودة تحصل أحياناً حين يكتشف الطرفان أنّ الحياة مع الآخر برغم كل سيّئاتها أفضل من الحياة من دونه، وهو ليس أساساً متيناً للعودة ولكنّ الأمر جدير بالمحاولة.