أخبار

زيّ المدرسة يفتح سيل الذكريات

سبتمبر 27, 2013
إعداد: Nathalie Bontems

دينا زين الدين-بيروت
في مكان ما في خزانة ملابسك، تحت كم كبير من الثياب، تجدين قطعة ملابس قديمة، لعلّها تعود إلى أكثر من عشرين سنة، تنظرين إليها وتبتسمين، تعودين معها بالزمن إلى الوراء، إلى أيام البراءة والشقاوة، أيام كان أكثر ما يشغل بالك ويؤرقك هو كيفيّة النجاح في امتحان الرياضيات المقبل، أو التخطيط لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بعد عناء أسبوع طويل من الدرس، أو ربما القيام بمقلب ساخر تكون ضحيّته معلّمة الجغرافيا التي لطالما نغّصت عليك حياتك…
تمر في بالك صور كثيرة وترتسم على وجهك ابتسامة فيها اختصار لمشاعر الحنين التي اعترتك وبدلّت عالمك، لمجرد أنّك وجدت بالصدفة زيّك المدرسي.

تأفّف وحنين
تذكرين جيداً أنّك كنت تتأفّفين من ارتدائه وتتمنّين لو يلغونه، فهو يظهرك ممتلئة، كما أنّ لونه ممل وخال من البهجة، لكنّك اليوم تتمنّين لو يعود الزمن ويتسنّى لك ارتداؤه من جديد ولو لمرّة واحدة. تحدّثين نفسك بالقول: مؤكد أنّ ابنتي لديها مشاعر مشابهة لما أحسست به حينها، لا سيما أنّ غالبيّة المدارس الغربيّة وحتى المدارس المحليّة التي تتبع الأنظمة الأكاديميّة الأجنبيّة تخلّت عن الزي المدرسي، لكنّك من جهة ثانية، تعتبرين أنّ في هذا الزي تأكيد على فكرة المساواة بين جميع الطلاب، كما أنّه يظهرهم بشكل لائق خلال تواجدهم في المدرسة.

الزيّ الموحّد
الزيّ المدرسي هو لباس موحّد تفرضه غالبيّة المدارس في العالم لخلق شعور من الولاء والانتماء بين التلاميذ من جهة، ولتمييز مظهرهم حين يقصدون المدرسة، فهو يضفي هيبة خاصة بألوانه المحدّدة وموديله الرسمي.
تفرض العديد من البلدان الزيّ المدرسي، منها السعوديّة والكويت والإمارات وألمانيا واليابان وإيطاليا وقطر، فيما تترك دول أخرى للطلاب حرّية اختيار الزي للقدوم إلى المدرسة وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركيّة التي يستطيع التلامدة فيها ارتداء ما يحلو لهم بغض النظر عن مرحلتهم الأكاديميّة. فهل أنت من أنصار وجود الزيّ المدرسي؟ وهل يتأفّف أولادك من ارتدائه، وكيف تتصرّفين معهم في هذه الحالة؟

البكاء لن يفيد
تقول السيدة دجى (34 عاماً): «أعاني الأمريّن حتى أقنع ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز عامها الثامن بارتداء الزيّ المدرسي، فهي تهتم كثيراً بمظهرها وقد اعتادت على الصراخ والبكاء خلال سنواتها الأولى في المدرسة رفضاً لارتدائه، أما اليوم فلا تكفّ عن التذمّر والتأفّف كلّما اضطرت إلى ارتدائه».
ترى السيدة الثلاثينيّة أنّ الزيّ المدرسي ضرورة وترفض المطالبة بإلغائه، تقول: «إنّه الشاهد الأروع على البراءة، فطفلتي لا تعي جمالها كعشرات من الفتيات الصغيرات غيرها بشعرهنّ المجدول وزيهنّ المحتشم وهنّ ينتظرن باص المدرسة».

لون مختلف
من جهتها، تعتبر السيدة رجاء (31 عاماً) أنّ الزيّ الموحّد يضفي نوعاً من الترتيب والشياكة على مظهر أطفال المدارس، لكنّها لا تمانع تغيير شكله قليلاً: «لا أعرف لماذا يركّز من يضع موديل الزيّ المدرسي على الألوان الداكنة كالكحلي والرمادي والأسود؟ هذه الألوان تؤثّر سلباً في نفسيّة التلاميذ، في وقت يحتاجون إلى ألوان تبثّ الطاقة والقوّة».

ماذا يقول الأطفال؟
ولأنّهم الطرف الأساسي في الموضوع، كان لا بدّ من معرفة رأيهم. تقول سهى (11 عاماً): «أنتظر انتهاء المرحلة المتوسّطة لكي يتسنّى لي التفاخر بارتداء زيّ المرحلة الثانويّة كما تفعل الفتيات الكبيرات، لا أعترض على الزيّ الموحّد فهو ضروري خلال ساعات الدراسة، لكنّني سأكون أكثر من سعيدة بانتهاء المدرسة ودخول الجامعة حيث أتمكّن من ارتداء ما يحلو لي».
أما حنان (15 عاماً)، فتؤكد أنّ من أحد أسباب كرهها للذهاب إلى المدرسة هو اضطرارها إلى ارتداء الزيّ الموحّد: «أشعر بأنّني عدد ضمن مجموعة وأفتقد الإحساس بخصوصيّتي، ولا أفهم سبب ارتدائنا لهذا الزيّ ذي القماش الثقيل واللون البشع والموديل التقليدي والقديم».

لماذا يكرهه الأولاد؟
يكره الأطفال القواعد والقيود والأمور المفروضة التي يجبرون على القيام بها، لذلك يبدون امتعاضاً من ارتداء الزيّ المدرسي. وفي هذا الإطار، تقول المرشدة الاجتماعيّة والتربويّة خلود شعبان: «لا يبالي معظم الأولاد بين سن الثالثة والتاسعة بما يرتدونه، ويبدأ اهتمامهم بمظهرهم الخارجي مع دخولهم في مرحلة المراهقة، فينفرون من الزيّ المدرسي ويعترضون عليه لأنّه مفروض عليهم وليس لديهم خيار سوى ارتدائه».

تجديده ضرورة
تؤكد شعبان على أهميّة أن تجدّد المدارس ووزارات التربية كل فترة في شكل الزي وألوانه، على أن يكون مختلفاً في كلّ مرحلة دراسيّة، وتشدّد على ضرورة أن يعي التلاميذ الأسباب التي دفعت إلى فرض الزيّ الموحّد: «ينبغي الإجابة على استفسارات وتساؤلات التلاميذ، إنّها مسؤوليّة الكادر التعليمي المسؤول عن توعية النشء، ومن المفيد أن تكون لغة الحوار بين الطرفين إيجابيّة وسلسة، ويحصل ذلك حين يحترم الأساتذة عقول التلاميذ ويشرحوا لهم أنّ الزي يضفي عليهم مظهراً جدياً مناسباً لدوام الدرس ضمن مؤسسة تعليميّة، وأنّه يلغي إمكان أن تظهر الفروقات الاجتماعيّة والطبقيّة بينهم».

كيف سيغيّرون رأيهم؟
المدرسة هي المؤسسة الأولى التي يتعلّم ضمنها الإنسان معاني المسؤوليّة، ويقوم بالعديد من الأشياء التي لا ترضيه أو تعجبه ولكنّه مجبر على تنفيذها. يعرف حينها معنى الالتزام بالقواعد والقوانين، ومن واجب الأم أن تواكبه في هذه المرحلة وتشرح له الأمور التي يعجز عن استيعابها وتقبّلها، والتي يسهو الأكاديميون عن شرحها له في العديد من الأحيان، ومن ضمنها سبب ارتداء الزيّ المدرسي، فأخبري صغيرك مثلاً كم أحببت الزيّ حين دخلت المدرسة للمرة الأولى كي يتحمّس له، أو عدّلي من موديل الزيّ كأن تقصّريه أو تضيّقيه بعض الشيء، كي يرضي شكله ابنتك المراهقة من دون أن تنتبه ناظرتها للأمر فتعاقبها.

حيل ناجحة
حيل بسيطة لن تكلّفك الكثير ولكنّها ستخفّف امتعاض أولادك فيتحمسون لدخول المدرسة وارتداء زيّها، ويحتفظون بالكثير من الذكريات الجميلة كلّما نظروا مستقبلاً إلى هذه الملابس التي عرفوا من خلالها وبها معنى الالتزام والمساواة.

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية