في عالم الملوك والأمراء، لا تأتي الألقاب وحدها بالاهتمام، بل تحمل معها قصصًا إنسانية وأبعادًا نفسية وثقافية تستحق التأمل. من بين الشخصيات الملكية الأوروبية التي أثارت الجدل والإعجاب معًا، تبرز الأميرة النرويجية مارثا لويز، التي لم تكتفِ بدورها التقليدي في العائلة المالكة، بل اختارت مسارًا غير معتاد، جعل منها شخصية استثنائية داخل وخارج البلاط الملكي.
النشأة والبدايات
وُلدت الأميرة النرويجية مارثا لويز في 22 سبتمبر 1971، وهي الابنة الوحيدة للملك هارالد الخامس والملكة سونيا من النرويج. نشأت في أوسلو، في أجواء تجمع بين الحياة الملكية الصارمة والحرية النسبية التي حاول والداها منحها إياها. منذ طفولتها، بدت مختلفة عن الصورة النمطية للأميرات، إذ كانت فضولية، محبة للقراءة، ومنجذبة نحو الفنون والخيال أكثر من البروتوكولات.
على الرغم من مكانتها كأميرة، لم تكن الوريثة للعرش بسبب قوانين الخلافة آنذاك، التي كانت تُعطي الأفضلية للذكور. ومع ذلك، كان يُنظر إليها كشخصية قوية ومستقلة، حتى منذ سن مبكرة.

التعليم والتكوين الشخصي
درست مارثا لويز الأدب الإنجليزي وتاريخ العصور الوسطى في جامعة أوسلو، قبل أن تتجه لاحقًا إلى دراسة العلاج الطبيعي. لكنها لم تعمل طويلًا في هذا المجال، إذ بدأت في استكشاف اهتمامها الأعمق بالروحانيات والاتصال بالطاقة، وهي النقطة التي شكلت لاحقًا جزءًا رئيسيًا من مسيرتها.
كانت أيضًا مولعة بالثقافة والنشر، وقد أصدرت عدة كتب للأطفال، شاركت فيها أفكارًا مستوحاة من القصص والأساطير النرويجية، مما أظهر جانبها الإبداعي المختلف عن الحياة الملكية التقليدية.
إقرئي أيضاً: الملكة رانيا تشارك صورة جديدة مع حفيدتها ابنة الأميرة إيمان
الانفصال عن الواجبات الملكية
واحدة من أكثر القرارات الجريئة التي اتخذتها الأميرة النرويجية مارثا لويز، كانت تخليها عن الواجبات الرسمية للعائلة المالكة عام 2002. في ذلك الوقت، أعلنت رغبتها في أن تعيش حياتها كمواطنة نرويجية عادية إلى حد ما، وألّا تكون مقيّدة بالبروتوكولات الملكية، خاصة بعدما قررت أن تؤسس مدرستها الخاصة التي أطلقت عليها اسم “مدرسة الملائكة”.
هذه المدرسة أثارت الكثير من الجدل في الأوساط النرويجية والعالمية، لأنها كانت تدرّس “التواصل مع الكائنات الروحية”، مما وضع مارثا لويز في مواجهة مباشرة مع الإعلام، والكنيسة، وحتى بعض أفراد العائلة المالكة. ومع ذلك، كانت دائمًا تدافع عن خياراتها، مؤكدة أنها لا ترى تعارضًا بين إيمانها الروحي وحبها لعائلتها الملكية.

الحياة الشخصية والعاطفية
تزوجت مارثا لويز من الكاتب آري بيه عام 2002، وأنجبا ثلاث بنات. لكن هذا الزواج لم يدم طويلًا، حيث انفصلا في عام 2016، قبل أن يُعلن عن انتحار آري بيه في 2019، ما شكّل صدمة قوية لها ولعائلتها.
لاحقًا، أثارت الأميرة النرويجية مارثا لويز جدلًا واسعًا بعلاقتها مع الأمريكي ديريك فيريت، المعروف باسم “شامان دوريك”، وهو معالج روحي وشخصية مؤثرة في مجال الطاقة والشفاء. وقد واجهت انتقادات واسعة بسبب تلك العلاقة، خصوصًا في ظل الخلاف بين أفكار ديريك الروحانية والمعتقدات السائدة في المجتمع النرويجي. لكنها، كعادتها، تمسكت بخياراتها وأعلنت خطوبتهما في عام 2022. وفي31 أغسطس 2024 تزوجت منه.

صراع التقليد والحرية
تجسّد الأميرة النرويجية مارثا لويز في شخصيتها حالة نادرة من التمرّد الإيجابي داخل العائلات المالكة. فهي لم ترفض العائلة أو تتنكر لها، لكنها في الوقت ذاته لم ترضَ بأن تكون مجرد رمز بروتوكولي. اختارت أن تكون صوتًا مغايرًا، يؤمن بالتجربة الذاتية، والانفتاح على مفاهيم روحية وفلسفية لا تلقى دائمًا قبولًا من المؤسسة التقليدية.
وفي خطوة أخرى مثيرة، أعلنت في عام 2022 أنها ستتخلى عن استخدام لقب “سمو الأميرة” في المناسبات التجارية، حفاظًا على استقلال عملها الروحي عن أي علاقة رسمية بالقصر الملكي. هذه الخطوة زادت من الجدل لكنها أيضًا أظهرت مرة أخرى تمسكها بقيمها الشخصية.
تأثيرها على المجتمع والنساء
سواء اتفقت أو اختلفت مع مواقفها، لا يمكن إنكار تأثير الأميرة النرويجية مارثا لويز على كثير من النساء في النرويج والعالم. لقد قدّمت نموذجًا لأميرة خارج الإطار التقليدي، اختارت أن تكون إنسانة حرة، تبحث عن ذاتها، وتعيش حياتها وفق ما تؤمن به، لا وفق ما يُتوقع منها. كثير من الفتيات رأين فيها مثالًا للشجاعة النسوية والجرأة على كسر التقاليد دون كراهية لها.
قصة الأميرة النرويجية مارثا لويز ليست مجرد سيرة ذاتية لأميرة من عائلة مالكة، بل هي رحلة إنسانية تمزج بين النسب الملكي والتمرد الداخلي، بين التقاليد والروحانيات، بين الدور العام والبحث عن الذات. قد لا تكون خياراتها مفهومة للجميع، لكنها بالتأكيد ملهمة لكل من يبحث عن طريقه الخاص في الحياة، مهما كان الثمن.
إقرئي أيضاً: بيرلا حرب ملكة جمال لبنان لعام 2025